تحليل: د. ميخائيل عوض / وكالة الصحافة اليمنية//
من السذاجة الاعتقاد بأن نتنياهو أنهى حربه على لبنان وحزب الله. فقد أجبر على قبول وقف إطلاق النار نتيجة ضغوط الإدارة الأمريكية المنتهية ولحاجته إلى الأسلحة والذخائر، بالإضافة إلى الحاجة الملحة لإراحة الجيش الذي يعاني من الإرهاق والأزمات.
وقد ظهرت مؤشرات على تمرد في صفوف القوات المقاتلة بعد التمرد الذي شهدته قوات الاحتياط، بسبب الإخفاقات المتكررة في الحرب البرية والخسائر الضخمة التي تكبدتها.
أعلن نتنياهو صراحة أن أهداف الحرب لم تتحقق بالكامل، وهو عازم على وقف تسليح المقاومة وتفكيك بنيتها. نظرته موجهة نحو سحق حزب الله والقضاء على ظاهرة المقاومة في العالم العربي والإسلامي. يتصرف نتنياهو كأنه منتصر، ويعتبر أن هذه المرحلة مجرد جولة في حرب موسعة، حيث أعلن عن أهداف أبعد تشمل سوريا وإيران وملفها النووي.
يدير نتنياهو إسرائيل بلا قيود، ويخوض الحرب بلا ضوابط، ويظهر جدية فيما يعلنه من أهداف. يتلاعب بالمواقف دون تغيير جوهري في استراتيجيته، سواء في غزة أو لبنان أو في بقية المحاور المتصلة.
الإجراءات التي اتخذها الجيش الإسرائيلي في الجنوب تؤكد تصميم نتنياهو على فرض السيطرة الكاملة عبر قواته، وقد لا يتردد في الاستعانة بالجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، بدعم من المندوب الأمريكي من خلال لجنة المتابعة، لتعزيز المنظومة السياسية اللبنانية.
يدل أسلوب نتنياهو على ثقته بأنه يسير نحو تحقيق نصر كامل. ولم تتوانَ إسرائيل وأمريكا في ملاحقة الأعداء، كما فعلت مع عرفات وقادة فتح، ومع القذافي وقادة جيشه.
تاريخيا، لم تنجح إسرائيل في الحروب الماضية بتحقيق أي من أهدافها الاستراتيجية، سوى تدمير الممتلكات وارتكاب المجازر. وقد أظهر الميدان أن المقاتلين أفشلوا خطط الجيش الإسرائيلي، ونجحوا في إيقاع خسائر فادحة، بينما تمكنت صواريخهم الدقيقة من الوصول إلى أهداف حيوية، بما في ذلك منزل نتنياهو نفسه.
هل يمكن أن تكون إسرائيل، التي فشلت في الميدان، قادرة على فرض إرادتها السياسية والدبلوماسية؟ هذه مفارقة مثيرة تستدعي التأمل، إذ عوضت إسرائيل في حرب تشرين 1973 عن هزيمتها العسكرية بخيانة السادات، وانتزعت مصر من عروبتها.
اليوم، بعد اجتياح بيروت عام 1982، تغيرت المعادلة، حيث تعود إسرائيل لتخسر الحروب بينما تحقق المقاومة انتصارات متراكمة. هل حدثت تغيرات جذرية في المعطيات، بحيث عادت إسرائيل تخسر على الصعيد العسكري وتكسب على الصعيد السياسي والدبلوماسي؟
الأمر يستدعي النظر في أماكن القوة والضعف لدى الطرفين. المقاومة تحتاج إلى إعادة هيكلة قوتها وتجديد استراتيجياتها، بينما تستمر في دراسة الأخطاء والثغرات. يبدو أن الأمور تتجه نحو تجديد المواجهة مع أساليب جديدة ومفاجآت غير متوقعة.
إن الحرب لم تنتهِ بعد، وللمقاومة الحق في اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة. وفي ظل تصميم نتنياهو وعزيمته، تبقى القوة والرجال والسلاح هي العناصر التي ستحدد نتائج المواجهات القادمة. كما وعد السيد حسن نصر الله بأن الأيام ستشهد نصرًا للمقاومة وهزيمة للاحتلال، مما يجعل الأمور في حالة ترقب مستمر لما ستسفر عنه التطورات في المستقبل.
كاتب ومفكر ومحلل سياسي لبناني.