سوريا زمن الولادة والنهوض (5).. كما رحل السابق يرحل الحالي مسرعاً
تحليل/د.ميخائيل عوض/وكالة الصحافة اليمنية//
قيم الشام ومَنطقُها لا تتعايش مع ’’التتريك’’ و’’الجولاني’’
أن تكون دمشق أمُّ العواصم وأقدمها المأهولة.
أن يوصي بها الرسول ‘ إن حَميتم الشام حَميتم الإسلام'” إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم’ “تسعة أعشار الخير في الشام .. ”
أن يصفها البابا بولص السادس في حجه اليوبيلي على طريق القديس بولص الرسول؛ التي لم تَردَّ طالب أمن وأمان وحاجة.
المشهود لها بالتنوع والعيش الواحد.
المتضامنة اجتماعياً.
الملتهبة وطنياً وقومياً.
يعني أنها مُؤسِسَة في التطور الإنساني وفي الاجتماع البشري والشاهد الحي الدائم على تحولات الحياة البشرية ورُقيها وتطوراتها.
لتكون هكذا بالضرورة لها خاصيات ومنتجات ليست لسواها.
أن تكون اجتماعية بطبائعها وقيمها وأن تكون تضامنية بين أهلها وأن تُنتج أولى تجارب البشر في الإدارة والتنظيم المجتمعي فتنتج ظاهرة “القبضايات وشيوخ الكار وكبار الحي” وتختارهم بانتخاب وتفاهمات لا بالقوة والعضلات على عكس نماذج البلطجية والعمدة والكاوبوي يعني أنها تخصصت ومُنِحَت صفات ليس لغيرها.
أن يرشد التاجر في الحميدية والبزورية والقَصَّاع وحي الامين الذي استفتح زبائنه لدكان جاره ولا يبيعهم قبل أن يستفتح جاره حالة تخالف قيم وقواعد التجارة وأخلاق التجار المتعارف عليها.
أن لا تنام شبعانة وفيها جائعين، تشتق صفاتها من رسالة الخالق وأنبيائه ورسله.
أن لا يأمن ولا يرتاح تجارها وصناعيها وعائلاتها الميسورة قبل أن تٌطعِم وتَهبَّ لنجدة مظلوم وتُؤمن ملهوف وطالب حاجة وأمان.
أن تتبادل عائلاتها في رمضان الكريم أواني الطبخ مملؤة مأكولات وحلوى للممالحة والخبز تأميناً لمن لا يستطيع مدَّ سفرة متنوعة الأطعمة للإفطار يعني شهادة لطبيعتها التضامنية والاجتماعية ورفضها الليبرالية والتوحش والفردانية.
تاريخها وتاريخ أهلها شواهد على أنها لم توالي ولا استكانت لحاكم لم يفهمها ولم يطابقها ويلبي حاجاتها وبأنها تنتفض ولا تستسلم حتى تصويب مسارات الحاكم أو تطيح به.
حتى في حربها الأخيرة وابتلاءاتها ظلَّت على طبائعها وأنتَجَت ظاهرات اجتماعية لم يسبقها أحد كالمصالحات الوطنية والعفو والترحيل لمن أراد على عكس ما نصَّت عليه تعريفات الحرب بصفتها أداة سحق وإبادة الخصم. ففيها صار هدف الحرب -مصالحة الخصم وإعطائه خيار أن يبقى ويكون بين أهله وقومه أو أن يرحل “بالباصات الخضر”-وكمثلها ظاهرات كثيرة أنتجتها وكرسَّتها تجارب سيجري تقليدها.
ومنذ تأسست وحكمت وفاضت في انتاج الحضارات واحتضان الرسالات لم تحني رأسها ولا استسلمت لغازي أو لمحتل ولا أمنَّته وظلَّت روحها مقاوِمة ووثابة وصارت صفتها “قلب العروبة النابض”.
وهي على حالها هذه وبطبائعها شهدت حيويةً سياسيةً واجتماعيةً ما بعد الاستقلال وخاضت تجاربها الديمقراطية وغيرَّت حُكامها بسرعة ويُسر بالانتخابات أو بالانقلابات وسارعت لإعلان الوحدة مع مصر وتنازلت عن قطريتها واستمرت حيوية حتى استقرت مع حافظ الاسد الذي عَرفها وفهمها وأخذ من طبائعها فأمنَّها وأمنَّتُه وصان سيادتها واستقلالها، بشخصه ونشأته طمئن الاقليات فحكم ببرنامج الاكثرية وعزز السيادة واللحمة الوطنية و تمسك بفلسطين فاوض ولم يساوم او يخون وانشأ شبكة امان اجتماعية واسعة وغنية بتقديماتها امنت الناس بغالبيتهم الساحقة ووفرت حاجاتهم الاساسية مستثمرا بموقعها وابتز الاسر الخليجية وناور لتامين حاجات سورية وتغطية نفقاتها الاجتماعية دون ان يحمل ناسها وقطاعاتها الاكلاف الباهظة لبناء القوة العسكرية والتنمية الشاملة واسناد المقاومة وتامين مستلزمات شبكة الأمان فوالته وقادها فاعلةً في محيطها وإقليمها برغم ما أصابها من تجزأه وتقسيم وانتزاع اقضيتها وتقليص جغرافيتها. وأخلصت له ونهضَت به ومعه، ولم تنفض عن خليفته إلا عندما تَنكرَ لقيمها وطبائعها وسلَّمها في سنواته الاخيرة إلى الليبراليين و’الهبيشه’ وتجار الحرب وأباطرتها.
قاتلت معه بكلِّ ما لها من عزم وقدرة ولم تسأل عن الاكلاف والأثمان وأَمِلَت أن يوفيها حقها وأن يعيد صياغة الدولة والنظام طبقاً لقيمها وحاجاتها. وعندما لم يفعل أعطته الفرص ولم تبخل ولأنه هادن عدوها ولم يناصر غزة في حربها وتعايش مع الصفعات ولم يرد على الضربات وسلَّم أمرها وناسها للفاسدين و’الهباشين’، وأطلق يدهم في ابتلاء التجار والصناعين والحرفين حتى أجرموا في الإفقار والبلطجة وابتزاز الناس على الحواجز وفي المعاملات بلا ضمير أو رادع تخلَّت عنه وابتعدت عن حاشيته فاستجاب لموقفها الجيش ولم يقاتل لحماية وتأمين الشلة التي آلت السلطة لها وأعمَلَت فيها التخريب والإفساد.
هذه الشام على ما قدَّمته بتاريخها وما أنتجته من ظواهر وقيم، وتخلت عن وريث’’ أسدها الأول’’ هل تستسلم وتوالي الجولاني فتُأمِنَه وتُؤمِنَه على شرفها وتاريخها ومكانتها؟
والحق أن الأشهر الأربعة على حكم الجولاني قدمت تجارب أسوء بمراتٍ مما كان -وتخلَّت الشام عنه وعن حاشيته – فهل توالي الجولاني وهيئته وقد بدا عهده من حيث انتهى سابقه؟
المنطقي أنها لن تفعل وأنها مازالت أمينه على روحها وخاصياتها فما صبرها إلا لاختمار قراراها واستعادة زمامها لتتوقدَّ حيويتها.
فلا أمن ولا أمان ولا وطنية ولا كرامة ولا سيادة وقد أُطلقَت يد إسرائيل وتركيا وأمريكا والأطلسي يمزقون وحدتها ويفترسون جسدها! ويجتمع فيها وعليها كلُّ الهاربين من بلادهم بسبب تهم الإرهاب والتطرف وجاءت بهم تحرير الشام والجولاني ليحكم بهم الشام ويبتزَّ ويذِلَّ أهلها، بما فيهم أئمة مساجدهم وشيوخ الكار وكبار الأحياء وفاعليات البلدات والمدن وتشكيلاتها وأطيافها ويستبدل رجالها في الجيش برجال مستعارين من أركان الأرض الأربعة ويفرِضَهم ضباطاً وقضاة وحكام وامراء ومدراء ووزراء وولاة…
الشام تصبر وتعطي الزمن حقه وعندما تتثبت وتتيقن من ظُلم الحاكم تنتفض، وعندما تبدأ جهدها تكمل مسيرتها حتى تحقيق غايتها. وهذا ما سيكون مع الجولاني ومحاولات تتريكها بعد إشاعة الفوضى لإدارة التوحش.
غدا؛ عن احتمالات المستقبل وسيناريوهات ترحيل الجولاني كسابقه.