المصدر الأول لاخبار اليمن

طفل يحتضن أخاه الرضيع في غزة.. مأساة تهزّ ضمير العالم

دموع على بلاط المستشفى

مأساة طفل يحتضن أخاه الرضيع في غزة.. والعالم يدير ظهره

عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//

 

في وقتٍ تتكدّس فيه بيانات الشجب في أدراج الهيئات الدولية ومكاتب الساسة العرب والمسلمين، وتُنسى وجوه الضحايا خلف عناوين سياسية باردة، يواصل أطفال غزة النضال من أجل البقاء، لا لشيء سوى حق الحياة.

في غزة، لا تُولد الطفولة، بل تُخطف، هناك.. يُولد الرضيع ليرى السماء تمطر نارًا، لا أملًا، هناك.. يلعب الطفل بين الأنقاض، ويشرب من دموع الفقدان والحرمان، ويكبر قبل أوانه، فقط ليحمل شقيقه وينجو به من موتٍ لا يعرف التمييز بين صغير وكبير.

حضن على بلاط المستشفى

يحمل قلبًا صغيرًا لم يعد يعرف طعم الطفولة وأوجاع شعب بأكمله

 

في ركن صغير من مستشفى مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، حيث لا مجال للهدوء إلا بين نوبات القصف وصدى الانفجارات، وعلى بلاطٍ بارد لم يفرش سوى بالألم.. احتضن طفلٌ غزّاوي شقيقه الرضيع بكل ما تبقّى له من دفء.. كان يحتضنه كأنه العالم كله.. كأنّه آخر ما تبقّى له من الحياة.

لم يكن يحمل دمية أو لعبة، ولا قطعة خبز، فقط شقيقًا يبكي، وجسدًا منهكًا، وقلبًا صغيرًا لم يعد يعرف طعم الطفولة.

ذلك الطفل، الذي جلس بلا حذاء على أرضية المستشفى، لا يملك سوى قلبٍ صغيرٍ جريح، ورضيعٍ يبكي.. لكنه حمل أوجاع شعب بأكمله.

وطن من لحم ودم

في حضن الأخ الصغير، وجد الرضيع وطنه الوحيد، بعد أن سُرقت منه البيوت والعائلة والأسماء

 

لا صوت يعلو فوق بكاء الرضيع، ولا حضن سوى ذراعي أخيه الأكبر، الذي بالكاد يتجاوز السنوات السبع، لكنه بدا بحجم أمة كاملة مثقلة بالمآسي.

في حضن الأخ الصغير، وجد الرضيع وطنه الوحيد، بعد أن سُرقت منه البيوت والأسماء.

الرضيع فقد أمّه، أباه، وربما بيته، وربما اسمه، لكنّه لم يفقد هذا الحضن، الذي أصبح وطنه المؤقت وسط وطنٍ ينزف.

الرضيع لا يتوقف عن البكاء.. بكاء لم يبكيه حتى الكبار، بكاء لا يسع قلب رضيع، لا لفقدان أمه وعائلته فقط، بل ربما لأنه يشعر أن هذا العالم لا يريده حيًا.

العجز الصامت في وجه المأساة

حين فشلت الكلمات في الخروج من فم الطفل، وتحدثت يده المرتجفة على رأس شقيقه بكل لغات العالم

طفل صغير عيناه كانتا تائهتين، تحدقان في رأس أخيه الرضيع.. جلس هناك بصمتٍ يقطّعه صوت بكاء شقيقه الرضيع الذي لم يتوقّف.. كانت دموع الرضيع تبلل صدره، وكان هو يمسح برفق شعر الرضيع وكأنه يعتذر له عن كل هذا الألم.

الرضيع يبكي بحرقة من فقدان والديه وعائلته تحت الركام، بينما يحاول شقيقه، رغم الصدمة والذهول، أن يهدئه بلمسات خفيفة على الرأس.. لمساته المرتجفة كانت صوته الوحيد، لأن الكلمات خانته، كما خان العرب والمسلمين والعالم هؤلاء الأطفال.

 لم يتحدث، لم يسأل، لم يصرخ، فقط جلس صامتاً.. كأنه يحاول أن يُبقي على شقيقه حيًا بالحب والطمأنينة والأمان المفقودان في غزة.. لا بالدواء.

من حوله داخل المستشفى، كانت أصوات الأنين، وصدى الصواريخ، وأخبار من استُشهد للتو.. لكن الطفل، بعينيه الصغيرتين، كان أكبر من المكان، ومن المأساة.

بدا كأنه يحمل على كتفيه حزن مدينة كاملة، كأن كل الدمار اختصر نفسه في ملامحه.

الطفل سكت ولم يتكلم.. ليس لكونه فقد القدرة على الكلام تحت تأثير الصدمة.. ربما لأنه فهم أن لا أحد في هذا العالم الخانع لقوة المال والسلاح والضغوط الأمريكية يسمع أوجاع أطفال غزة.. لقد فهم الطفل رغم حداثة عمره أن الأمة العربية والإسلامية التي ينمتي لها قد خذلوا فلسطين والمقدسات تحت تأثير الضغوط الأمريكية والغربية.

عندما يصبح الطفل أبًا

في لحظة خاطفة، يتحول الأخ الصغير إلى مصدر أمان، يحمي شقيقه الرضيع ويهدهد ويرتجف خوفًا من فقدان ما تبقى

أحد الممرضين حاول حمل الرضيع للكشف عليه، فانتفض الأخ الصغير بخوف: “خليه معي… هو خائف”

قالها وكأنه أب، لا طفل.. لم يُرِد أن يُفارق شقيقه حتى لدقائق، لم يطمئن قلبه إلا حين عاد الرضيع إلى حضنه.

الطفولة تحت الركام

واقع أطفال غزة الذين يولدون في قلب النار، ويكبرون في مقابر جماعية من الصمت والنسيان

 

العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة لم يكن حربًا على مواقع عسكرية، بل كان حربًا على الطفولة ذاتها.

فقد قُتل المئات من الأطفال، وأصيب الآلاف، بينهم عشرات الرضع الذين لا يعرفون معنى القصف ولا حدود السياسة.

الأرقام التي وردت من الجهات الرسمية في قطاع غزة تكشف عن نمط بات واضحًا في هذا العدوان: الأطفال هم الضحايا الأكثر تكرارًا.

ووفقاً لإحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد بلغ عدد الشهداء الأطفال منذ بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة 17954 طفلاً.

هذا الرضيع، الذي غطت وجهه دموع لا حيلة له بها، يمثل كل طفل في غزة، يُولد وسط النار، ويكبر على أصوات الطائرات، ويُربى في حضن أخ مجروح بدلًا من أم مفقودة.

صورة تهزّ العالم… ولا تُحرّكه

كيف انتشر مشهد الفيديو وصورة الطفلين وبقيت دون أثر فعلي، كأن الإنسانية أصبحت مجرد منشور سريع الزوال

كان المشهد أشبه بصورة نُزعت من قلب الحروب، لكن هذه ليست لقطة عابرة، بل حياة معلقة على خيط نجاة رفيع.

مشهد الفيديو، الذي وثّقه أحد الصحفيين بهاتفه، لطفل فقد الكلام وهو يواسي شقيقه الرضيع لم يكن بحاجة لتعليق.. هو وحده نشر آلاف الكلمات بصمته.. حجارة المستشفى بكت قبل البشر، والناس تداولوه على مواقع التواصل، يبحثون عن ذرة إنسانية في عالم يعجز عن حماية الأطفال من الموت.

سؤال لا جواب له

من يعيد لهؤلاء الأطفال ما سُرق منهم؟ من يحاسب على كل هذا الحزن المتكرر؟

هذا المشهد ليس استثناءً، بل عنواناً لحكايات لا تجد من يرويها.. حكايات لأطفال يحاولون النجاة في عالم أدار ظهره لهم، ليبقى السؤال معلقًا: كم من الأطفال يجب أن يُكسر قلبهم، ليصحو الضمير العالمي من سباته العميق؟

قصص مأساوية لجرائم العدوان الصهيوني ومعاناة أطفال غزة لا تنتهي رغم كثرتها، لكن الإنسانية تكاد تنتهي.

وفي كل هذا، يبقى السؤال معلقًا: من يحاسب على كل هذا الألم؟ من يعيد الطفولة لمن فقدوها قبل أن يلفظوا أولى كلماتهم؟

 

 

قد يعجبك ايضا