المصدر الأول لاخبار اليمن

الاعتقال كسلاح في الحرب “الإسرائيلية”.. قراءة في أرقام الأسرى الفلسطينيين

تحليل/عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//

تكشف الأرقام الصادرة عن مؤسسات الأسرى الفلسطينية عن وجه آخر من وجوه العدوان الإسرائيلي المستمر على الفلسطينيين، لا سيما في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تحوّلت سياسة الاعتقال الجماعي إلى أداة مركزية في منظومة القمع والإخضاع، التي توازي في خطورتها ما يحدث على الأرض من قصف وتجويع وتهجير.

اعتقال بلا سقف

في شهر مارس وحده، سجّل الاحتلال 800 حالة اعتقال في الضفة الغربية، بينها 84 طفلًا و18 امرأة، ما يعكس حجم التصعيد في وتيرة الاعتقالات، ليس فقط كوسيلة عقاب جماعي، بل أيضًا كجزء من استراتيجية تفكيك النسيج المجتمعي الفلسطيني.

الأرقام لا تنفصل عن السياق الأوسع الذي بدأ منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث تجاوز عدد المعتقلين في الضفة فقط 16,400، وهو رقم يكاد يوازي عدد المعتقلين خلال سنوات انتفاضة كاملة.

الاعتقال الإداري.. أداة قانونية لـ”اللا قانون”

من بين أبرز ملامح التصعيد، تصاعد سياسة الاعتقال الإداري التي طالت حتى الأطفال، ووصلت إلى 3498 معتقلاً، ما يسلّط الضوء على استخدام الاحتلال لهذا النوع من الاحتجاز التعسفي كوسيلة لضرب البنية التنظيمية والاجتماعية للفلسطينيين.

اللافت أن هذا الرقم غير مسبوق، حتى مقارنةً بأكثر الفترات دموية في تاريخ الصراع.

السجون كمواقع حرب

لم تعد السجون مجرد أماكن احتجاز، بل تحوّلت إلى مواقع حرب داخلية تمارس فيها كيان الاحتلال أنواعًا متعددة من الانتهاكات، من بينها التجويع، الإهمال الطبي، العزل، والاعتداءات الجسدية المباشرة.

حالات الاستشهاد في السجون، التي بلغت 63 منذ بداية العدوان، تكشف عن تحوّل إدارة السجون إلى جهاز قمع مباشر، لا يختلف كثيرًا عن الجيش في الميدان.

قضية الطفل الشهيد وليد أحمد (17 عامًا)، الذي فقد حياته داخل سجن “مجدو”، تختصر المشهد.

الطفل، بحسب التقارير، تعرض للتجويع والإهمال الطبي، وأصيب بمرض الجرب، ما أدى إلى وفاته.

إنها جريمة مركبة، تُظهر كيف يمكن أن يتحوّل الاعتقال إلى حكم بالإعدام غير المُعلن.

معتقلو غزة.. الإبادة مستمرة خلف القضبان

رغم الغموض الذي يلف مصير آلاف معتقلي غزة، تكشف الشهادات القليلة الخارجة من سجون الاحتلال عن واقع مروّع.

شهادات عن استخدام أوعية بدائية لقضاء الحاجة، وتجويع ممنهج، وشبح، ووضعيات تعذيب، فضلًا عن انتشار الأمراض الجلدية في ظل انعدام أي شكل من أشكال الرعاية.

المفارقة أن هذه الممارسات لا تمارس في الخفاء، بل يتم توثيقها وتكرارها دون أدنى محاسبة.

القضاء العسكري.. غطاء شرعي لجرائم ممنهجة

تتحدث مؤسسات الأسرى عن دور المحاكم العسكرية الصهيونية في شرعنة الاعتقال الإداري والانتهاكات، وهو أمر يفضح هشاشة منظومة “العدالة” الإسرائيلية عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين.

فالمحاكم لا تتعدى كونها أداة شكلية تكرّس الواقع القمعي، لا تحاكم بل تصادق على ما تقرره المؤسسة الأمنية.

غياب المحاسبة.. وقلق على المستقبل

في ظل هذا الواقع، تُطرح أسئلة جوهرية حول مصير آلاف الأسرى في حال استمرار هذا النهج، وخصوصًا في ظل تقييد الزيارات القانونية، والعزل المتواصل، ومنع المحامين من الوصول إلى المعتقلين.

عامل الزمن، بحسب مؤسسات الأسرى، بات عنصرًا قاتلًا، خاصة مع تفاقم الأوضاع الصحية والنفسية داخل السجون.

ويمكننا القول، إن  ما يجري خلف أسوار السجون ليس بعيدًا عن مشهد الإبادة الجماعية في غزة، بل هو امتداد داخلي لها، حيث تتحول السياسات الأمنية إلى أدوات للإبادة البطيئة والممنهجة.

وفي ظل صمت دولي مستمر، تبدو المنظومة الحقوقية الدولية عاجزة عن التصدي لهذا النوع من الجرائم، وهو ما يفتح الباب أمام مخاطر حقيقية تهدد حياة آلاف الأسرى، في لحظة فلسطينية هي الأكثر قسوة وتعقيدًا منذ عقود.

قد يعجبك ايضا