تحليل/د.ميخائيل عوض/وكالة الصحافة اليمنية//
ابتلت المنظومة الحاكمة اللبنانيين بشتى الأمراض، وأشغَلَتهم عن همومهم، ونجحت ومازالت في حَرف اهتماماتهم لتتفرغ لنهبهم وسرقة أعمارهم.
“الهوبرة” و”التفنيص”، وتصديق الكذبة، والانشغال بحروب طواحين الهواء أخطرها.
السلاح ومهمته منذ أربعة عقود ونيف أزمة وموضوع في التداول، وقبله الفلسطينيين وبينهما السوريين وامتيازات الطوائف وسرقة تمثيلها.
واليوم يشغلون الفضاءات والاهتمامات بتسليمه.
سلاح حزب الله لم يكلف اللبنانيين قرشاً واحداً، وحقق انتصارات، وأمنَّ السيادة والكرامة، واستعاد الحقوق والحرية، وأمنَّ الاستقرار الداخلي والسلم الأهلي، ومَنع الإرهاب من اجتياح “جونية” والتنكيل بطرابلس وبعلبك وتدمير بيروت.
فعلها الإرهاب في ليبيا والعراق وسورية واليمن فمَن منعه في لبنان؟؟؟
“هوبرات” الإعلام ومنصاته؟
أم “التفنيص”؟ وأين كان دجالو الفضائيات والمنصات؟؟
لثلاثة وعشرين سنة أوقف إسرائيل على “إجر ونص” ومنعها من التطاول والاعتداء وامتهان سيادة وكرامة لبنان.
فرض على الخليج والأوروبيين والأمريكيين إنفاق الأموال، ومؤتمرات باريس، و30 مليار من السعودية، و١٠ مليار من أمريكا. ألا تذكروا تصريحات “شينكر” وأمثاله؟!
أنفقت إيران والحوزات عشرات المليارات على السلاح ورجاله، فتأمَن الاستقرار المالي والاقتصادي للبلاد، بينما ذاتها منظومة سحب السلاح وإقصاء الشيعة نهبت الودائع والمدَّخرات وإعمار اللبنانيين وتعويضاتهم.
بحسب المتداول فإيران والمراقد والحوزات دفعت للحزب مليار ونصف سنوياً وما يقاربها على الآخرين وعلى مشاريع لتعزيز السلاح وبيئته.
عشرات مليارات الدولار هبطت بالمظلات أموال ريعية لولاها لانهار لبنان وجاع شعبه، فالمنظومة لا تُتقِن إلا نهب الودائع وسرقة الثروات وحقوق المتقاعدين والبلديات.
أدى السلاح وظيفته وفاض لأربعة عقود، تولى محور المقاومة وفصائله التصدي لهجمة لوبي العولمة، ومحاولته إخضاع المنطقة وتأمين قرن النهب الأمريكي، فكل ما هو جار عالمياً من ظاهرة ترمب٢ والحرب بين لوبيات أمريكا ومقدمات انهيار الاقتصاد الرأسمالي اقتصاد النهب و”الكازينو”، وصعود أوراسيا والجديد العالمي، إنما هو بنتيجة تلك الحروب واستنزاف أمركة العالم وعولمته.
حزب الله وبشهادة الخماسية والواقع المعاش التزم وقف النار، وأوفى بوعده جنوب الليطاني، وأعلن أمينه العام بوضوح قاطع تفويض الدولة والجيش، والانفتاح لمناقشة مصير السلاح.
الظن وبعضه إثم، والتسريبات أنَّ استراتيجية الحزب تتغير وقد يستقر على مقولة -أدى السلاح وظيفته فلا يكلِّف الله نفساً إلا وسعها-وكفى الله المؤمنين شر القتال، فقد فعلنا ما بوسعنا وقدمنا أغلى ما نملك من الرجال والأملاك.
فإن فعلها لا يُلام بل يُكرَّم.
السلاح ورجاله الأساطير أنجزوا انتصارات، وتحملوا مع القاعدة الاجتماعية أكلاف وتضحيات تنوء تحتها الجبال، وتعجز شعوب وأمم عن تقديمها في الساحات والمسارح والميادين، ولأربعة عقود ونيف. فقد آن لهذا الفارس أن يترجل.
انتصاراتهم إعجازية في الـ ٢٠٠٠و٢٠٠٦، وفي القتال من مسافة صفر، وفي حرب الإسناد، وصواريخهم ومسيراتهم أسقطت أهم منتجات أمريكا والعالم الأنجلو ساكسوني، وأكدَّت تجربتهم ألَّا خيار إلا المقاومة، وتستطيع الأمه عبرها انتزاع حقها.
الحق أنَّ وظيفة السلاح لم تنتهي، وهناك خيارات للاستفادة القصوى منه.
أن يبيعه كما فعلت القوات اللبنانية، ويستثمر عائداته في إعادة الإعمار، ففيها فوائد للاقتصاد اللبناني بدل تخزينه المكلِف أو تدميره استجابةً لطلبات المندوب السامي.
أن يعيده لإيران التي لا تحتاجه بل هو مكلف كذلك.
أن يسلِّمه للدولة والجيش، وهذا أفضل الخيارات لكن بشروط تأكيد وظيفته ودوره الوطني، وأن تتحقق مصالح كل اللبنانيين، ولتأمينهم ولحماية سيادتهم واستقلالهم كما كان بيده.
ليكون تسليم السلاح في خدمة لبنان، وكما كان في خدمة سيادة وكرامة لبنان طوال العقود الماضية، ليكن خيار تسليمه اليوم إن حصل استكمالاً وتتويجاً لدوره ووظيفته في فرض معادلات السيادة والمصلحة اللبنانية على كل الأطراف وأهمها تلك الخارجية.
يسلَّم للدولة بشرط أن تصير دولةً عادلةً قادرة لكل أبنائها الأحرار والمتساوين.
أن يسلَّم للجيش بشرط أن يكون وفياً لقَسمه، وإرادة منتسبيه، محرراً من تدخل السفيرة والمندوب السامي، وتوفير الفرص المتساوية لكل أفراده بلا تحيز، وأن يصير حراً سيداً في مصادر سلاحه وأنواعه.
الأولوية وقبل كل شيء إلزام إسرائيل بوقف الاعتداءات والانسحاب وتسليم النقاط الـ١٣، والعودة الى اتفاق الهدنة وترسيم ٤٧، والتفاوض غير المباشر على تحصيل حقوق لبنان والتعويضات عن الاعتداءات والاحتلالات منذ الـ٤٧، وسرقة الثروات وتدمير البنى التحتية، وانتزاع حق لبنان بالشروع باستثمار ثرواته البحرية والبرية بلا قيود أو ضغوط.
السلاح ورجاله الأساطير ثروة وطنية، ومنتَج إبداعي لبناني لكل لبنان، وعزةٌ لكل اللبنانيين، فهم الذين كانوا ومازالوا قادرين على تأمين لبنان وتعظيم مكانته وحمايته.
تذكروا أن بُناة الاتحاد السوفيتي وفيتنام واليابان وألمانيا وأوروبا هم ذاتهم المحاربون القادرون في أزمنة السلم على الإبداع والولاء والانتاج والإدارة.
الاستثمار بهم يعطي لبنان ميزات يفتقدها، ولا تتوفر للآخرين في زمن الفوضى وإعادة تشكيل المنطقة.
الحماقة كلها والغدر تكمن في التضحية بلبنان وعزته وفرادته، والتفريط بهذه الثروة وهذه الميزة في زمن اللايقين والغليان العالمي والإقليمي.
حيث تتبدل الدول وتتغير جوهرياً.
أفلا تعقلون؟؟ وألَّا تتفكرون؟
ألَّا تتذكرون؟
كاتب ومحلل سياسي لبناني.