تحليل/د.ميخائيل عوض/وكالة الصحافة اليمنية//
ترمب ٢ واضح الرؤية وعازم على إنفاذها بلا هوادة أو تحسب
أمريكا أولاً وإنقاذها من الإفلاس لإعادة صياغة نظامها، وتغيره حدياً، وتوسيع نطاقها الجغرافي، فكندا وغرين لاند ستضمها ومن أهدافه القطب الشمالي وثرواته، ولن يتركها لروسيا وخلفها الصين.
ترمب ٢ لا قيم ولا ضوابط ولا التزامات مسبقة، ولن يهادن حكومة الشركات ولوبي العولمة، وخاصةً أذرعه العالمية وفي الإقليم.
إسرائيل دولة مُصَنَّعة على ذات قيم أمريكا ونمطها، وكلاهما تمَّ تصنيعه لخدمة وتمكين الشركات ومصالحها، وكذا تصنيع دويلات قطرية عاجزة وقاصرة، تخادم مع إسرائيل لذات الغاية وعند نفس السيد.
ليس عفواً كان استدعاء نتنياهو للبيت الأبيض، وكذا إخراج اللقاء الإعلامي، وتقديم نتنياهو خادم لا حاكم يُؤمَر ولا يأمر، فالصواعق نزلت على رأسه كالمطر.
في البيت الأبيض ظهر نتنياهو صغيراً مرتبكاً فاقداً للمبادرة وعاجز عن ردة الفعل.
صفعة أولى، الإعلان عن مفاوضات على مستوى عال مع إيران، وأخرى أقوى بإعلان ترمب عن صفقة قريبة مع حماس لتخليص الأسرى، وأسهب ترمب في شرح معاناتهم كما يحلوا له،ومن مقاصده توبيخ نتنياهو وتمرير الرسالة بعاطفة.
الأهم إعلان قاطع واضح بتخلي ترمب عن إسرائيل، وما كانت عليه مع بايدن وسابق الإدارات الأمريكية بما فيها ترمب١.
ليس أمراً عابراً أن يُعَيَّر ترمب إسرائيل ونتنياهو حاضراً بما قدمته أمريكا لإسرائيل ٤ مليارات، وهو مبلغ كبير!! والأهم رفضه مبدأ النقاش في تغيير نسبة الضريبة الجمركية التي تُفرض لأول مرة عليها من أمريكا. ويبدأ حرمانها من أهم الأسواق التي كانت وراء كذبة القوة الاقتصادية الإسرائيلية، فكل اقتصادها فقاعة أنشأتها الشركات لبيع منتجاتها في أوروبا وأمريكا بلا ضوابط أو قيود وهما أكبر أسواق العالم.
ترمب ٢ برَّ بوعده؛ لن نقاتل عمن لا يدفع، ولن ندفع لمن يقاتل لأسبابه وحساباته، وفي حالة نتنياهو لمصالحه الخاصة.
أهم الأسئلة الراهنة أمريكا تتغير فماذا عن إسرائيل ومستقبلها؟ وكيف تتفجر أزماتها، وتتبدى ظواهر ومؤشرات ودلالات انهيارها وهزيمتها في الحرب الوجودية؟
هل تذكرون؛ قلنا في اليوم الأول لطوفان الأقصى العجائبية وإعلان حرب الوجود أنَّ إسرائيل هُزمت ولن يكون لها مكان في المنطقة؟ وبهذا صادقنا على نبوءة نتنياهو غالانت الوحيدة .
وقلنا؛ أننا في الأيام الجارية لحرب تحرير فلسطين، وأيضاً إسرائيل هُزمت والمحور قد لا ينتصر.
حذرنا؛ من الرهانات الواهمة على حركة الشارع في إسرائيل، وقررنا أنَّ الهزيمة ستتحقق فقط عندما تبدأ تمردات في القوة والتشكيلات العسكرية المقاتلة، وتوقعنا أنها ستحصل، وأشرنا الى استقالة قائد أركان لواء جولاني بعد إخفاقاته في الجنوب، وتمنينا لو قدر الله واستمرت المواجهات، وانتقلت المقاومة الى الهجمات واعتمدت المسافة صفر. فقد كنا على عتبة إعلان نصر مؤزر حتماً، والنصر عند المحاربين صبر ساعة.
وأشرنا إلى واقعات انهيار معنويات الجيش في غزة تحت ضربات الأشاوس الأساطير وحجم الخسائر المهولة في المعدات والعديد.
بدأ تفكك إسرائيل، وزادت الحرب، والإخفاقات من العناصر الحافزة لتصاعد وانفجار أزماتها البنيوية، والأهم بدأ تمرد القوات المقاتلة من جنرالات وطيارين ومنتسبي القوات الجوية، وهي آخر عناصر قوة إسرائيل وعضلات نتنياهو “الخلبيَّة” التي يستعرضها على المعسكرات الفارغة، وخيام أهل غزة، وأكواخ قرى الجنوب. ولأنَّ الأزمة وجودية، وهُزمت إسرائيل في الحرب، امتد الاعتراض الى قوات البر والبحر ويتضامن أطباء الجيش وتتسع الدائرة وستتعاظم، فكرة الثلج تتدحرج.
نتنياهو عاد خائباً من واشنطن، والمحكمة العليا كسرت قراره وأبقت قائد “الشين بيت” على رأس عمله، وانتصرت للقاضية التي صبَّ نتنياهو وفريقه غضبهم عليها، في سياق محاولات تكييف وتغيير بنية إسرائيل وإنهاء الأشكنازية لصالح يهودا.
وما لم يحسبه نتنياهو والمنبهرين من العرب ونخبهم وإعلاميهم، أنَّ للحرب قوانين وقواعد ونواتج، وما كان قبلها قد لا يستمر، كما عندنا أيضاً في إسرائيل. فسلسلة الاخفاقات وطول مدة الحرب ونقص العديد في الجيش ورفض الحريديم التجنيد سيحفز الآخرين على الرفض، وبلغت نسبة الرافضين للتجنيد الاحتياطي ٥٠ بالمئة.
اخفاقات نتنياهو وبرغم عراضاته الصوتية ونفخ عضلاته “الفيشينك”، لم تقنع المجتمع المنهك والمأزوم والمتآكل والساعي للهجرة المعاكسة، حيث أنَّ٦٢% من الذين أبدو رغبتهم بالرحيل، و الـ٩٤ بالمئة الذين جاهروا بأنَّ إسرائيل هُزِمت في حرب غزة، ولم تُحقق أي هدف يشكلون بيئات حاضنة لتسارع الانفجار الداخلي.
وفوق كل ذلك الانهيار الاقتصادي وتسارعه، وجاءت ضربة ترمب على الرأس لتزيد من مفاعيله، بل والأهم لترسم صورة قاتمه جداً عن مستقبله. فمِن أين لنتنياهو ٢٠٠ مليار دولار على الأقل لإعادة ترميم وتشغيل الاقتصاد وتغطية أكلاف الحرب؟
بربكم ماذا يفيد نتنياهو ومستقبل إسرائيل احتلال أراضٍ سورية وجبل الشيخ، وقصف المقصوف والخالي من المدافعين؟
سابقاً كان جواب المنبهرين بنتنياهو وإسرائيل والمروجين لانتصاراتها ستأتي الأموال والمدد من أمريكا والاتحاد الاوروبي ومن الخليج!!
اليوم ستُكتَم أصواتهم، وتُقطَع ألسنتهم، فلا ترمب سيدفع بل هو بطبعه يأخذ، ولا أوروبا المأزومه والمتوقع أن تنهار قادرة، ولا دول الخليج ستدفع. فجيب ترمب واسعة وتشفط كل شيء، ولم تعد إسرائيل واسطة الوصول إلى قلب لوبي العولمة المتكسرة أجنحته، وقد بدأ ترمب تكسير أقدامه وطعنه بالقلب.
أمريكا تتغير، ويقودها رجل ذكي ومحارب، ويضرب في كل الاتجاهات، وقصده أولاً شطب لوبي العولمة، وإنهاء حكومة الشركات الخفية. إذاً منطق الأشياء يجزم: بأن كل الأدوات التي أعدَّها واستثمرها لوبي العولمة إلى الغروب والزوال، وفي أولهم زلينسكي ثم نتنياهو، وبعدهم أردوغان والإخوان والإرهاب، والدور آتٍ سريعاً على ماكرون!
هل لاحظتم كم من الشبه بين خادمي لوبي العولمة أردوغان وماكرون في الشكل والخطاب وحركات الجسد وأخيراً في الإجراءات لإعاقة المنافسين..؟
إنه زمن العصف وغير المسبوقات، وهو زمن انتصار الشعوب وعودة القومية ومقولة الأمة، وشرط سيادته دفن لوبي العولمة وحكومة الشركات وأدواتهم وأذرعهم.
هنيئاً لغزة وأطفالها ونسائها وللكتائب والفصائل
النصر صبر ساعة
وحرب تحرير فلسطين جارية ومسارحها تتعدد
أزمات إسرائيل بشارة فرج.