المصدر الأول لاخبار اليمن

المفاوضات الإيرانية الأمريكية تُطلِق مسارات جديدة

ماهي دوافع ترامب لعقد صفقة مع إيران؟ وهل يمكن المراهنة على عدم الانزلاق إلى الحرب؟

تحليل/د.ميخائيل عوض/وكالة الصحافة اليمنية//

د/ ميخائيل عوض

 

كِلا الفريقان أشاد بنتائج جولة المفاوضات في عُمان
توجت بلقاء مباشر بين الوفدين
تحققت غاية لكليهما: فجَرَت بالواسطة وخُتمت بلقاء مباشر
ترمب والبيت الأبيض أعطى إشارات كثيرة إيجابية، وأنه يراهن على التفاوض، وتراجعت تغريداته وتصريحاته العنترية وتهديداته التي دأب عليها.
زمن التفاهمات والتبريد إلى أين؟

التبريد جرى بمجرد قبول التفاوض ثم الشروع به.
وقاعدة التفاوض أن: استعرض عضلاتك من قبل، لتجلب خصمك خائفاً ومرتهباً، لتأخذ منه ما تريد.
والمثل يقول: لوح بالعصا ولا تضرب بها.

عراضات القوة والتحشيد” التشمير عن الزنود” سبق أن فشلت وتعود لتفشل مع إيران، ويبدأ التفاوض وكِلا الخصمين في أعلى درجات الاستنفار والتحشيد، وكل ٌ منهما اختبر ويعرف الآخر وقدراته ونقاط ضعفه.

بل هما في حرب واشتباك تدرجت عصفاً ومسارحاً وفروع حروب منذ انتصار الثورة الإسلامية، واستهلكت القوى والمسارح والأدوات والخطط والاستراتيجيات، ومازالت عاصفة في غزة ومع اليمن، وجارية على سورية والعراق ولبنان، وحرب الحصارات والمضائق والسفن والبحار جَرت وعاصفة من بوابة اليمن والبحار الخمسة.

خطوات ترمب لمنع الانهيار الاقتصادي تمضي بدوافع آنية تبدو ارتجالية ومثيرة للريبة والفوضى وتكتل الأعداء وتستفز الأصدقاء

 

تجري المفاوضات في واقع الحرب بالواسطة والأذرع وليس التحشيد واستعراض العضلات، والطرفان يعرفان بعضهما جيدا ومشتبكان.

ترمب عجول واستعجاله تعبير عن طبائع أمريكا الانجلوسكسونية الهاربة من تاريخها الأسود، والباحثة عن الفرص سريعة النفاذ.

وعجلة ترمب بدوافع آنية ولأسباب بنيوية، فحربه على لوبي العولمة لتدميره وسحق أذرعه جارية بعصف. وخطواته لمنع الانهيار الاقتصادي المدمر للنموذج والنظام تبدو ارتجالية وتجريبيه، تثير الريبة والفوضى، وتُكتِل الأعداء وتستفز الأصدقاء.

إيران ومفاوضها على الجانب الآخر بطيء مناور مُتمكن، قاعدة تفكيره الجمعي “الانتظارية”، وقواعدها: مجاراة الصديق، ومُدارات العدو، والذبح بالقطنة. و برغم أنها استراتيجية أدت إلى خسائر مهولة في ساحات وجبهات الاشتباك، إلا أنَّ المفاوض الإيراني ظلَّ المارد الذي يتململ ويدرس ويقيم، ولم يبادر أو يقرر الاستراتيجيات الهجومية. فمبدأ المظلومية ثابت وحاكم وفي الجينات الإيرانية.

التفاوض قرر مسارات جديدة، ملامحها: التبريد والبحث عن المشتركات وتدوير الزوايا، ومن غير المستبعد وإن كان ليس مرجحاً الآن أن تصل إلى اتفاق ينهي حالة التوتر وخطر حرب التدمير.

فاستراتيجية إيران الصبر والثبات والتمسك بالحقوق والرهان على الزمن. والقيادة الإيرانية عايشت عشرَ إدارات أمريكية، ووقعت اتفاقاً ومُزِق واستمرت.
والأصل فيها الحرب الطويلة، والكسب بالنقاط والجولات وبالواسطة. وقد حققت الكثير وأَمنَّت بلوغ إيران موقع الدولة النووية والفضائية، وصانعة سلاحها، والمتفوقة في العلوم العملية ومفاتيحها، وحققت أهم غاياتها، وإن خسرت ساحات ومسارح وأذرع فقد أدوا أدوارهم.

 

خسائرها جزئية وتفاصيل، ومهما نُفخت فإنها بالقياس تبقى أقل بكثير من استعجال الحرب، وما سيترتب عليها من كوارث وفظائع.

 

صفقة أفضل من حرب في زمن مخاطر انهيار أمريكا الترامبية

ترمب مستعجل يريد مكاسب، وكتاجر صفقات ناجح يحسبها بالقرش.
٢الى٣ تريليون دولار من دول الخليج هو بأمس الحاجة لها، صفقة أفضل بكثير من حرب ستؤدي إلى رفع أسعار النفط فلكياً، وفي زمن تحوم مخاطر الانهيار الاقتصادي والفوضى، وربما تشظي أمريكا “الترامبية”.

أدواته وحلفائه وأسلحته في الحرب “خلبيَّة”، وقد تراجع حضور أمريكا و”مونتها” كثيراً فلم تجد دولة أو جماعة تناصرها، والجميع رفض الانخراط بالحرب مع الحوثيين، ورفض تأمين أجواء وجغرافية وقواعد للقوات الأمريكية. إذاً فقد تبدلت المعطيات كثيراً.

هَمُ ترمب الآني، فرجل الصفقات يبني على القائم و”لا يشتري سمك في البحر”، لا يعنيه الزمن والرهان على المستقبل فـ “عصفور باليد ولا مئة على الشجرة”، ما يشغل همومه الفرصة والصفقة. حربه التجارية ونِدَّه الأساسي هو الصين حليف إيران، لذلك قرر التنين الصيني وبدأ خوض الحرب، ومستعد لأي تصعيد ولكل المسارح، ولديه عناصر قوة قاتلة للاقتصاد الأمريكي كسندات الخزانة والدولار، وأصبحت الأدوات والبيئات والحلفاء والحواضن حاضرة وقد تم تجهيزها.

 

ضغوط البنتاغون ولوبي العولمة وصناعة الحروب المستمرة والمتزايدة على ترمب، والتي تناور وتُزين له النتائج قد فشلت، واتضح عجزها وحدود قوتها، واليمن وغزة شواهد حية معاشة وإسرائيل نتنياهو “تعنتر” و”تبعبع” ولا قدرات عملية لها.

بعقل ترمب وحساباته الأفضل له الصفقة، وشروطه قابلة للتحقيق، فالتشديد على عدم امتلاك إيران السلاح النووي أمر سهل ومُحقق في إيران والتزاماتها.
وتحصيل الحصة الأكبر في المشاريع والاستثمارات في الاقتصاد الإيراني ممكن تحقيقها بيسر، والنخبة الإيرانية تستعجل الالتحاق بالنموذج الغربي، ومعجبة به، وتسعى إليه. وتجربتها مع الأوروبيين تحفزها على حرمانهم لصالح ترمب، فقد عجزوا عن حماية الاتفاق عندما مزقه ترمب في ولايته الأولى.

روسيا والصين حليفان لإيران، وقد حققا واتفقا معها على حصصهم ومصالحهم، وستكون محفوظة، ولا يرغبان أو يستعجلان الحرب، ويدركان مخاطرها عليهما.

نتنياهو بات عاجزاً عن التوريط، بل هو الآن في زاوية حرجة، وترمب أعطى الإشارات على تجاهله، وربما زجره كصاحبه زلينسكي.

هكذا تبدو المعطيات، ترجح التفاوض والتبريد والاتفاقات.
إلا أنَّ زمن اللايقين والغليان يجعلنا لا نستبعد بالمطلق احتمالات التدحرج للحرب، وتعطل مسارات التفاوض والتبريد.
أمريكا في أزمة، وتوازنات قوى لوبياتها حرجة، وقد تصير مفاجئة.

قد يعجبك ايضا