المصدر الأول لاخبار اليمن

ترمب بدأ الانسحاب من سورية… أمَّا بعد؟

تحليل/د.ميخائيل عوض/وكالة الصحافة اليمنية//

يوم احتلت أمريكا وحلفها أفغانستان قيل أنَّه لخدمة إسرائيل وتأمينها، ولحصار إيران، والعبث بآسيا الوسطى، وحرمان الصين وروسيا من مناطق نفوذ وثروات.
عندما احتلت أمريكا العراق بصحبة ٤٠ دولة، وبإسناد وتأمين من نظم عربية، قيل أن الاحتلال لتفكيك الجيش والدولة، ولتأمين إسرائيل، ومحاصرة إيران، وإسقاط سورية، ولقطع الطريق البري بين بيروت دمشق بغداد طهران موسكو.

ترمب “يَبِر” بوعوده ولا يُّغير ولا هو تغير.
أبلغ الإسرائيليين بالانسحاب الأمريكي من سورية خلال ٦٠ يوماً.
أذلت أمريكا بادين في أفغانستان، وانسحبت مهرولةً مذعورة بطريقة معيبة على دولة عظمى، وفشلت في تحقيق أي هدف إلا تأكيد انحسارها وعجزها.
بدأ الانسحاب من سورية وقد يتممه من العراق، ولاحقاً من الخليج وتركيا. فمشروعه أمريكا أولاً والأقربون أولى بالمعروف، فكندا وغريناند وبنما والقطب الشمالي ثمَّ أمريكا الجنوبية أولوياته.
وحيث وجد مصلحة لأمريكا، أو لمن يدفع كلفة حمايته والحروب.

عندما غزت واحتلت أمريكا كانت فاعلة قوية حاكمة مقررة، وجاءت لتخدم إسرائيل، كلام في محله…
عندما تنسحب. …تخدم مَن؟ وماذا عن هيمنتها وقوتها وجبروتها؟ وماذا عن إسرائيل بعد أن تفقد أهم قوى إسنادها وتأمينها في المنطقة التي كانت تعطيها أسباب وعناصر الحياة والبقاء؟
ربَّ قائلٍ؛ إنَّ أهداف الاحتلالات تحققت، فدُمِر العراق ونُهِب، وحُلَّت دولته وجيشه، واستُبدِل بتشكيلات طائفية واثنيه، وظيفتها اغتصاب حقوق أهله. وذات الأمر جرى مع نظام الأسد والبعث، فُكِكت دولتها وانتهى جيشها وباتت في فوضى وتحت سيطرة حلفاء نتنياهو.
وأكثر فالحرب الجارية دمرت غزة، وأضعفت حماس والجهاد، وأخرجت الحشد الشعبي من الفاعلية، وأنهت الأسد، وأضعفت حزب الله، وجردت إيران من أذرعها الفاعلة.

الانسحاب الأمريكي من سورية وقد يتبعه انسحابات هل يأتي بعد أن اُنجزَت المهمة؟ وهل اُنجزت حقاً؟
أم يتحقق لأن أمريكا تتغير، ولم تعد بحاجة للعسكر والحروب، وأدوات وأذرع لوبي العولمة، خاصةً أذرعها في إقليمنا إسرائيل والاخوان وأدواتهم والأردوغانية؟
لوبي العولمة والبنتاغون استجابة لحاجات نتنياهو عطَّل الانسحاب من سورية عام،٢٠١٨ وخدع ترمب الذي أعلن ٤ مرات أنه أمر بالانسحاب وقال: لم نحصد إلا الحرارة والغبار، وتكلفنا ١٢ ترليون دولار بلا جدوى لأمريكا.
الانسحاب من سورية يعني تمكن ترمب من أمريكا والبنتاغون، وكشف إسرائيل وأردوغان، والأدوات في العراق وسورية، وغداً في الإقليم.

أول الخاسرين إسرائيل، ثم أكراد لوبي العولمة، فتركيا والإخوان وأدواتهم ومنتجاتهم، وشركات نهب العراق وشركائهم من المحسوبين على إيران، وقد خذلوا السيد حسن نصرالله مرتين، وباعوا إيران كما باع سورية من كان يُفترَض حليفاً لها في لبنان حالما ضَعُفت وانسحبت، بل وأصبحوا حلفاء الجولاني بعد تسلمه قصر الشعب.
قرار الانسحاب من سورية يفسر لنا استعجال التصالح بين قسد والجولاني، وإعلان حزب العمال حلَّ نفسه، والتخلي عن السلاح، والزيارات المكوكية للجولاني لتركيا فالإمارات وقطر، وكذا حل اللواء الثامن في درعا

على درجة أهمية وانشغال العالم بغزو العراق، وبنشوء داعش، وبعودة أمريكا للعراق، وتفجير سورية، وزرع القواعد الأمريكية والأطلسية، ستكون تأثيرات قرار الانسحاب، ولو يتم بقصد أو غباء تجاهلها وعدم البحث في نتائجها ودلالاتها.
سقط نظام صدام وحُلَّت دولته، وسقط الاسد وحُلَّت الدولة والجيش، وهيمنت جماعات وقوى بحماية الاحتلالات، وأُنشأت سلطات الهوامش، وصورت الأمور. وكان تقسيم المقسم جار إلا أنَّ الحقائق وحاجات الأزمنة والجغرافية ستفرض نفسها، وتعيد تشكيل الواقع ومعطياته، وستجري التحولات على هوى الأزمنة وحاجاتها

الانحسار الأمريكي سيُطلق حقبة من الحراك، وربما الفوضى، وستضرب بتركيا وإسرائيل وباقي نظم وجغرافية سايكس بيكو ونواتج الحرب العالمية الأولى.
فمنطق الحياة وقوانين التطور، وحاجات الجغرافية والأزمنة، ستفرض مهمة إعادة هيكلة العرب والإقليم على جغرافية ونظم جديدة سمتها تكبير الجغرافية، وعصرنة النظم والدول، وتعظيم دور البشر أفراداً وجماعات، وهويات مؤسسة. فما كان فقَدَ وظائفه ومات وانتنت جثته.
وإذا لم يجد مَن يرثه يصير الفراغ والفوضى، لتنشأ من رحم الفوضى القوى والكتل القادرة على الاستجابة.
عند ابن خلدون وكارل ماركس الفوضى حقبة ضرورية لدفن القديم وولادة الجديد.

الحق أنه بذات منسوب التحولات التي عصفت بالعرب والإقليم، عندما استُهدِف بالغزوات والاحتلالات وبالحروب بالواسطة، والقيادة من الخلف، وبهدف “تأبيد” هيمنة أمريكا العالمية، وتأمين القرن الأمريكي، ستكون التحولات والتطورات معكوسة النتائج. فالانحسار الأمريكي بغياب القوى القادرة على الوراثة، وقيادة التغيير، وإعادة الهيكلة، سيطلق عفاريت حقبة جديدة. أهم ما فيها أنَّ المنطقة والإقليم سيتحرر من الضوابط ومن قبضة القوى الخارجية ليقرر أهله ما يستطيعون وما يريدون.
فهل يهتدون ويتحولون من مفعول بهم إلى فاعلين؟

كاتب ومحلل سياسي لبناني.

قد يعجبك ايضا