تحليل/د.ميخائيل عوض/وكالة الصحافة اليمنية//
لو أنَّ القوم يعقلون،
لو أنَّ جنرالات وأبطال الفضائيات يصمتون،
لو أنَّ الساسة و”المتنطحين” للقيادة يتفكرون،
لو أنَّ الناس يتبصرون،
“لو” و”يا ريت” بـ “عمرها ما كانت بتعمر بيت”
أما الدعوة إلى التفكير الواقعي لفهم الجاري عياناً وكما هو، ولاستنباط حلول ممكنة وواقعية، حلول لا علاقة لها بـ “لو” أو بـ “ياريت”، بل هي لزوم ما يلزم في “بلاد العجائب والغرائب” والأزمات المفتوحة، التي تهدد الكيان والنظام واستمرار الاجتماع البشري، والأخطر من ذلك، وجود الجماعات التي يزعم أبطال “الهوبرات” تمثيلها والنطق باسمها!!
لبنانا العظيم مفلس، مازوم حتى الثمالة، ازنة نظام وازمة وظائف كيان، وازمة وجود وتفاعل بين ” شعوبه” وقد نٌهب من المنظومة وأقطابها، هؤلاء أنفسهم الذين يحاولون إشعال الحرائق والحروب، عبر الشَحن وإفلات الأبواق غير المسؤولة ولا العاقلة.
يريدون معارك مع حزب الله، وشطب الثنائي الشيعي، وبعضهم يروَج لتهجير الشيعة من لبنان.
ويصرّون على تأجيل كل شيء إلى حين سحب السلاح وتدميره بأوامر السفراء، ولخدمة إسرائيل، وإعطاء إسرائيل الحق في استباحة البلاد طولاً وعرضاً، وسلب المياه، والباقي من الثروات، والمأمول من البحر.
يعرقلون إعادة الإعمار، ويلاحقون مسارب وصول الأموال، أي أموال إيرانية أو للمغتربين أو عربية وأجنبية، إذا اشتمت رائحة أن بعضها لإعادة الإعمار.
حجتهم أنَّ أمريكا ترفض، والعرب يرفضون، وإسرائيل تطلب، وكأنهم باتوا موظفين لدى نتنياهو، الذي يخسر، وتفك علاقته بسيده أمريكا، وتهتز صورته ومكانته في إسرائيل نفسها.
يسعون بكل أدواتهم الشريرة لمنع تدفق الأموال إلى حزب الله ومؤسساته، والتي تُقَدَّر بمليار ونصف المليار دولار سنوياً، هي أموال ريعية كان لها الفضل الأساسي في استمرار المنظومة والدولة والدورة الاقتصادية منذ عقود، وخاصة بعد إشهار إفلاس الدولة وثورة ١٧ تشرين ٢٠١٩
أين تكمن مصلحة لبنان؟ أين تكمن مصلحة الدولة وبقائها؟ أين تكمن مصلحتكم أنتم والمنظومة؟ ومن أين ستموّلون نفوذكم السياسي ونهبكم؟ ومن أين ستأتون بالأموال لتسيير الدولة، وضمان الانتظام العام، وتأمين الاستقرار؟ ولنفترض أنكم ساعون لفرض أوهامكم، وجادون في جرّ البلاد إلى حروب وفوضى لإنفاذ مخططات نزع السلاح وتهجير الشيعة، فمن أنتم؟ وما هي قدراتكم؟ وكم تجندون؟ ومن يمولكم ويموّل الحروب؟
ربما دخل لبنان زمن اللامعقول! زمن “الهبل” و”الهوبرات” الفارغة! أو لنقل إن بعضه من فاقدي البصر والبصيرة الغائرين في الماضي، والمنفصلين عن الواقع وتحولاته!
أليس من عقلاء متبصرين؟
أليس من خبراء ودارسين؟
أليس من ممارسين يتلمسون المعطيات بحسهم وبإدراكهم السليم، ولو غير الواعي؟
من أين ستأتي الأموال؟ ومتى سيكون الإعمار؟ وبأي أموال وأدوات سَتُدار البلاد وتُعالج الأزمات؟ وتأمين الدولة وأجهزتها وتلبي حاجات الناس ومصالحهم؟
هل تكفي ٩٠ مليون دولار من أمريكا و٦٠ من قطر، محصور إنفاقها على الجيش، لتأمين البلاد؟؟ والعباد؟
الواهمين والمستعجلين للفوضى والحروب العبثية والتدميرية، هل سمع أحدكم وعداً من الأمير محمد بن سلمان بتقديم مليارات الدولارات للدولة، أو لأركان المنظومة، أو حتى للأحزاب والجماعات الموالية؟
هل وعد أحدكم الأمير القطري؟ أو الإماراتي؟ وهل أخبركم الرئيس الفرنسي باحتمال عقد مؤتمر باريس رقم ٥ أو ٦، للتمويل بالديون كما كان الحال سابقاً، وكانت المؤتمرات لتمرير نهب الودائع ومدخرات اللبنانيين؟
هل مازال عند اللبنانيين ونقاباتهم والضمان والبلديات ودائع تُنهب لتسيير أعمال الدولة وتأمين الأزلام والمحسوبيات والنفوذ؟
هل من أرقام متداولة عن مليارات المستثمرين في لبنان أو تحويلات مغتربين وعرب وأجانب؟
هل من مؤشر واحد عن وجود نشاطات ونمو ومؤسسات للإنتاج لتعظيم الثروة؟
ستكذبون كثيراً وتنفخون الرهانات على موسم الاصطياف وأرتال المغتربين، لا سواح عرب أو أجانب؟ ألا تحسبون أن ترك الأبواق تنفخ وتفتعل الصراعات، وتخلق التوترات، من شأنه لجم وتقليص عدد الوافدين؟
كفاكم “هوبرات” و”عنتريات” وتكاذباً وأكاذيب
فـ “لسانك حصانك، إن صنته صانك”
ألا يستحق لبنانا ومستقبل أبنائنا وأحفادنا أن نرتقي قليلاً، ونفكر بعقول وواقعية؟
العالم مشغول عنا، والدول مأزومة، ولا أحد عينه على لبنان أو قلبه يخفق لنا. الكل بحاجة إلى الأموال، وتتسع دائرة البلاد المحتاجة، والأهم من لبنان في السياسة والجيوبولوتيك. وإذا كان لدى دول فائض تمنحه، فغيرنا سيلتهمه، هذا إذا ترك ترمب لأحد فائض، ولم يحاصص دول وأسر الخليج، على ما عندها من مُدَّخرات ويلزمها برهن مستقبلها.
تعقلوا وفكروا لمرة واحدة صح!
اسمعوا لخبرائكم ومنّظريكم الاقتصاديين، وما أكثرهم!
الحرب الاقتصادية العالمية ملتهبة، والفوضى ضاربة، وتزداد.
وأشباه أزمة “السفر برلك” تلوح أطيافها، وفي لبنان تتوفر كل العناصر والشروط للانهيار الكبير والفوضى المتوحشة.
لا أحد في الخارج يهتم بنا أو بكم، أو مشغول علينا.
لا أحد سيدفع، وإن رغب فلا يملك الأموال، وان ملكها فسيدفعها لسيده، لا لمن يرغب باستعبادهم.
تعقلوا، فطالب الجنة من جيب إبليس لا يحصد إلا الخيبة والانكسار.
يد إبليس تعبث في كل الجيوب وتشفط حتى الفتات.
دعوا أهل الجنوب والضاحية والمناطق المدمَّرة يسيّرون أمورهم، وأَمّنوهم لإعادة الإعمار، وهم جادون وقادرون، وإعادة الإعمار تبعث بعض الحياة في الدورة الاقتصادية وتؤمن بقاء لبعض الدولة.
كفوا عن “الحرتقات”، ولا تستجيبوا لأوامر نتنياهو وأشباهه، فهم راحلون.
أمّنوا الطرق والوسائط والوسائد لتأتي الأموال الإيرانية وتتدفق أموال وتبرعات المغترين والمراقد والحسينيات، فليس من أمل باقٍ إلا كرمها وعطاءاتها وتضحيات رجال السلاح الأسطوريين.
وبالسلاح، والتلويح به، وبعزيمة رجاله، تأتي الأموال غصباً، وتدفع كخوّات اضطرارية.
السلاح هو من أَمَّن لبنان لخمسة وعشرين سنة، بما في ذلك تدفق الأموال من كل حدب وصوب وللجميع.
والسلاح هو من أَمَّن العزة والكرامة والاستقرار.
وهو من فرض الترسيم البحري، وحق لبنان في بثرواته.
ركزوا على استثمار الثروات بحماية السلاح ورجاله، ولا تستعجلوا سقوط العهد، وانفجار النظام، وتبديد الكيان، فكل كيانات الشرق تنفجر.
كاتب ومحلل سياسي لبناني.