تحليل/عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//
في خطوة وُصفت بأنها غريبة وخارجة عن السياق العسكري التقليدي، نفذت الولايات المتحدة، مساء أمس السبت، ضربات جوية طالت أضرحة في مقبرة ماجل الدمة بمديرية الصافية، ومقبرة النجيمات بمديرية السبعين في العاصمة اليمنية صنعاء، في مشهد أثار سخرية واسعة واستفهامات أوسع حول أهداف واشنطن من قصف المقابر.
رسالة واشنطن
الرسالة أرادت واشنطن قولها: “نصل إلى أي مكان”.. ففضحت عجزها!
الرسالة غير المعلنة، التي أرادت واشنطن إيصالها، على ما يبدو بدت واضحة: واشنطن تحاول التأكيد على أنها لا تزال قادرة على الوصول إلى أي مكان، حتى لو كان ذلك داخل مقبرة.. لكنها، من حيث لا تدري، سلّطت الضوء على عجزها لا على قوتها، وتحولت الضربات إلى مادة للسخرية على المستوى المحلي والدولي، لا إلى إنجاز عسكري يُحسب لها.
وسائل الإعلام العالمية ومنصات التواصل الاجتماعي لم تتعامل مع الحدث كخبر ميداني بل كـنكتة سياسية سوداء تعكس حالة الارتباك والتخبط في القرارات العسكرية الأمريكية في اليمن، بل إن هناك من اعتبر أن استهداف “قبور” ليس سوى إقرار غير مباشر بالعجز عن مواجهة الأحياء.
مقابر تحت القصف
حين تتحول الحرب إلى سخرية مرة
حجم التندر الشعبي في الداخل اليمني والدولي على هذه الضربات تجاوز التفاعل الساخر المعتاد، ليكشف عن عمق الأزمة الاستراتيجية التي تمر بها واشنطن، والمتمثلة في فشلها في تحجيم القدرات اليمنية المتنامية، وفشلها أيضًا في كسر إرادة صنعاء التي تتعامل مع التصعيد الأمريكي بثبات ورباطة جأش.
وقد ذهب بعض المراقبين إلى وصف ما جرى بأنه نوع من الحرب النفسية التي تُمارس ضد الموتى، في محاولة لتقويض المعنويات، لكنها أتت بنتائج عكسية، حيث استُقبلت بتحدٍّ واستهزاء أكثر من الخوف والانكسار.
تهور أمريكي
الضربة الأمريكية الغير تقليدية كشفت عن نزعة أمريكية للتصعيد الفوضوي.
رغم البُعد الساخر الظاهر في هذه الضربات، إلا أنها تفتح الباب على سؤال مقلق: ما مدى التدهور الذي بلغته السياسة الأمريكية في المنطقة حتى أصبحت المقابر هدفًا مشروعًا؟ بل ما مدى الانزلاق الأخلاقي الذي قد يجرُّ اليمن إلى مرحلة لا حرمات فيها، لا للأحياء ولا للأموات؟
ويمكننا القول، إن هذه الضربات، بقدر ما تبدو عبثية، تُنذر بنزعة أمريكية خطيرة نحو تصعيد غير منضبط، في وقت تفتقر فيه واشنطن إلى رؤية استراتيجية واضحة في اليمن والمنطقة، مما يجعل من أي هدف مدني بما فيها الأماكن المقدسة في اليمن محتملًا مهما كانت رمزيته أو خصوصيته.
صنعاء.. رسوخ وقناعة
ما لم يهزمه العدوان لن تهزمه قنابل على الأضرحة
قصف المقابر في صنعاء قد يبدو هزليًا ويعبر عن وصول التخبط الأمريكي إلى قمة الذروة، لكنه يُعد مؤشرًا خطيرًا على نزعة أمريكية نحو التصعيد غير المنضبط، مما قد يجعل كل شيء في اليمن مباح ولا حرمات فيه للبشر أحياء وأموات.
في المقابل، تبدو صنعاء أكثر ثباتًا في موقفها، حيث تتعامل مع هذه الضربات بوصفها مؤشر ضعف لا قوة. ويبدو أن الضربة لم تُضعف المعنويات، بل زادت من رسوخ قناعة في الداخل اليمني بأن ما لم تهزمه عشر سنوات من الحصار والعدوان، لن تهزمه قنابل تُلقى على أضرحة صامتة.
كما أن الرد اليمني بات أقرب من أي وقت مضى، وفق مراقبين، في ظل قناعة راسخة بأن التصعيد الأمريكي قد يجر المنطقة إلى ما هو أخطر، ولكن الردع اليمني لن يتأخر طويلاً عن قول كلمته.