المصدر الأول لاخبار اليمن

هندسة التهجير القسري في غزة.. حينما يُعاد تعريف الجريمة بلغة الضحية

تحليل/عبدالكريم مطهر مفضل/ وكالة الصحافة اليمنية //

لم يَعُد الاحتلال الإسرائيلي، على ما يبدو، في حاجة إلى إخفاء مشروعها طويل الأمد تجاه قطاع غزة، القائم على تفريغ الأرض من أهلها.. فما كان يُقال في الكواليس السياسية أو يُعبّر عنه ضمنيًا في الوثائق الداخلية بات اليوم خطابًا رسميًا معلنًا، لا يتردد قادة الاحتلال في الإفصاح عنه: التهجير أولًا، وتحت مسمّى “الهجرة الطوعية”.

هذا ما أكده المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في بيان حادّ اللهجة، كشف فيه عن ما وصفه بـ”المرحلة النهائية” من المشروع الإسرائيلي، الذي لم يكتف بتدمير القطاع على مدى أكثر من عام ونصف من الحرب، بل بات يسعى إلى إعادة صياغة نتائج الإبادة الجماعية وتقديمها للعالم كخيار إنساني مشروع، متجاهلًا السياق الذي صُنعت فيه هذه الظروف: القتل، الحصار، التجويع، ومسح المدن عن بكرة أبيها.

تسويق التهجير

التحول الأخطر في هذا المشهد، كما يرى مراقبون، ليس في تنفيذ التهجير القسري بحد ذاته – وهو ما شهدته فلسطين منذ نكبة 1948 – بل في محاولة شرعنته عبر خطاب جديد يخاطب العالم بلغة الضحية: “الاعتبارات الإنسانية”، “الخيار الفردي”، “الفرار من الموت”.. تلك هي المفردات التي تستخدمها حكومة الاحتلال الإسرائيلي اليوم لتعيد تعريف الجريمة، وتُمرّرها عبر قنوات دبلوماسية وإعلامية بديلة.

هنا، لا تدور المعركة فقط على الأرض، بل في الوعي وفي القانون.. إذ تحاول حكومة الاحتلال، وفقًا للمرصد، استغلال حالة الإفلات من العقاب والانهيار الأخلاقي للمجتمع الدولي لتفرض سرديتها الجديدة، في وقت لم تُقدَّم فيه أي جهة مسؤولة عن هذه الانتهاكات إلى المحاسبة الدولية، رغم جسامة الجرائم.

بيئة قسرية تُنتج “طوعية زائفة”

بحسب القانون الدولي الإنساني، يُعد التهجير القسري جريمة بحد ذاتها، سواء تم بالقوة العسكرية أو من خلال “الإكراه غير المباشر”، كخلق ظروف تجعل البقاء أمرًا غير ممكن عمليًا.. هذا ما حدث، كما يؤكد المرصد، حين تآكلت كل مقومات الحياة في غزة.. انعدام الأمن، غياب الخدمات، انهيار النظام الصحي، ونزوح داخلي بالملايين داخل رقعة جغرافية محاصرة.

فهل يمكن الحديث عن “طوعية” حين تكون الكرامة معدومة، والحياة نفسها مهددة؟

ما تحاول حكومة الاحتلال فعله هو تحميل الضحية مسؤولية قرار الرحيل، مع تجاهل متعمد للواقع الذي صُمم بالكامل لطردها.. إنها، ببساطة، إعادة إنتاج لمعادلة الاحتلال.. تدمير ممنهج أولًا، ثم تقديم “النجاة” كمنحة إنسانية مشروطة بالرحيل.

ماذا بعد؟

الخطورة، بحسب محللين، لا تكمن فقط في تنفيذ التهجير، بل في ترسيخه كخيار شرعي على طاولة المجتمع الدولي.

فكلما طالت الحرب دون محاسبة، وكلما استمر الصمت الدولي، باتت احتمالات فرض الحلول الإكراهية أكبر.

هذا ما حذّر منه المرصد، مؤكدًا أن “التهجير القسري جريمة لا تسقط بالتقادم”، وأن إعادة تعريفها تحت غطاء إنساني لا يغيّر من طبيعتها القانونية ولا من تبعاتها السياسية والأخلاقية.

في خضم هذا المشهد القاتم، يبقى السؤال الملحّ: من سيمنع تمرير هذه الجريمة الجديدة؟ وهل ما زال هناك من يملك منعه؟.

قد يعجبك ايضا