المصدر الأول لاخبار اليمن

“لوب لوج”: استراتيجية الموانئ العمانية ستغير وجه المنطقة

الخليج//وكالة الصحافة اليمنية// في خضم خطط وضع اللمسات الأخيرة على الموانئ في “الدقم” و”صلالة”، يمكن لعمان أن تنجح في إنشاء مركزين تجاريين يتسمان بأهمية بالغة بالنسبة للاقتصاد الدولي، وربما يتمكنان يوما ما من منافسة “جبل علي” في دبي. ومن شأن نمو “الدقم” و”صلالة” كموانئ رئيسية أن يعزز صورة عمان ويزيد من تمكين السلطنة في النظام […]

الخليج//وكالة الصحافة اليمنية//
في خضم خطط وضع اللمسات الأخيرة على الموانئ في “الدقم” و”صلالة”، يمكن لعمان أن تنجح في إنشاء مركزين تجاريين يتسمان بأهمية بالغة بالنسبة للاقتصاد الدولي، وربما يتمكنان يوما ما من منافسة “جبل علي” في دبي. ومن شأن نمو “الدقم” و”صلالة” كموانئ رئيسية أن يعزز صورة عمان ويزيد من تمكين السلطنة في النظام الجيوسياسي العالمي، بينما يساعد في تسريع انتقال البلاد إلى حقبة ما بعد النفط.

 

 

وعبر مجموعة من القطاعات، من اللوجيستية إلى الزراعة ومصايد الأسماك مرورا بوسائل النقل، ستكون الموانئ العمانية ضرورية لتنمية السلطنة على المدى الطويل، وحاسمة للتنمية الاقتصادية والازدهار المستدام. ومع ذلك، فإن الدقم لديها خطط لتمييز نفسها عن المدن التجارية القريبة، مثل الدوحة ودبي وأبوظبي، عبر الاستفادة من الجغرافيا الطبيعية في عمان لتعزيز قطاعها السياحي. وتخصص الخطة الحالية أكثر من 11 ألف و500 ميل مربع حول المدينة للمحميات الطبيعة والحياة البرية؛ في محاولة لجذب السياح المهتمين بالطبيعة.

 

 

وبفضل سواحلها الطويلة، طورت عمان عبر القرون ثقافة بحرية فريدة من نوعها، في حين سمحت الحواجز الجغرافية الطبيعية، الجبال والبحر، للتراث الثقافي الغني والمتنوع بالبقاء في عزلة نسبية.

ويتضمن جدول الأعمال في “صلالة” إدخال نظام طرق موسع، وخطط لبناء رصيف للغاز الطبيعي المسال وزيادة بنسبة 50% في سعة شحن الحاويات، لتصل إلى 7.5 مليون حاوية مكافئة. وتربط هذه الطرق بين “صلالة” وجيرانها الإقليميين، مما يجعلها واحدة من أكثر الموانئ التي يسهل الوصول إليها في الشرق الأوسط. كما ستضم “صلالة” محطة رئيسية للسكك الحديدية العمانية المتطورة، مما يعزز التجارة والنقل الإقليميين.

 

 

الرهانات الخارجية

وبسبب الموقع المتميز للدقم وصلالة، يصبح المنفذان جذابين للمستثمرين الأجانب. وتمتلك الدقم حاليا صفقة بقيمة 10.7 مليار دولار أمريكي مع الصين، يطلق عليها اسم “المنطقة الاقتصادية الخاصة”. وتتضمن خطة الاستثمار هذه منشأة تصنيع، وخط أنابيب، وخطط لحقول النفط، كما استثمرت كوريا الجنوبية والكويت بشكل كبير في الدقم. لكن المشاركة الأجنبية في خطة النمو المحلي تعد سلاحا ذو حدين، لذا يجب على الحكومة العمانية أن تتوخى الحذر مع تقدم الخطط والعلاقات، فقد تعني المشاركة الأجنبية المفرطة السيطرة الأجنبية بشكل كبير على المشروع.

 

 

وداخل شبه الجزيرة العربية، تمتلك الدقم وصلالة الكثير من الإمكانيات لتشكيل العلاقات الجيوسياسية بشكل أكبر، وسط التحولات الاستراتيجية في ميزان القوى الإقليمية. وتتم مراقبة أي استثمارات كبيرة من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في الدقم (وغيرها من المشاريع العمانية) عن كثب، وذلك بسبب ما قد يجلبه ذلك من تأثير على السياسات داخل منطقة الخليج.

 

 

ويؤكد بعض المحللين أن البلدين يحاولان الحد من المناورة الجيوسياسية في السلطنة، في الوقت الذي تحاول فيه مسقط وطهران الحفاظ على علاقات تعاونية. وقد تستخدم الرياض وأبوظبي أموالهما للتأثير على موقف عُمان المستقبلي في منطقة خليجية مستقطبة بشكل متزايد، ويمكنهما استخدام الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية العمانية كطريقة أخرى للحصول على النفوذ. وبالمثل، أثبتت البنية التحتية التجارية في عمان فائدتها الكبيرة لقطر العام الماضي، عندما احتاجت الدوحة إلى بدائل لـ “جبل علي” كمركز لوجيستي يربط الإمارة بالاقتصاد العالمي.

 

 

وغني عن القول أن إيران نفسها تعد عاملا أساسيا في هذه المعادلة. وإذا تصاعدت التوترات في مضيق “هرمز”، فستحتاج الدقم وصلالة إلى الاستعداد لأي تداعيات متعلقة بالتجارة. ويجب على الحكومة العمانية أن تظل متيقظة وواعية لأي تصعيد للاحتكاك، وسط الخطاب المتصاعد بين واشنطن وطهران، الذي يهدد بإطلاق صراع مسلح في، أو بالقرب من، المضيق. ومع ذلك، فإن المواقع الجغرافية المميزة للميناءين قد تساعد دول الخليج على مواصلة بيع نفطها وغازها في حالة حدوث مثل هذه الأزمة، لأن الشحنات عبر الدقم وصلالة لن تحتاج إلى السفر عبر المضيق.

 

 

وفي حين تمتلك السعودية ساحلا طويلا على البحر الأحمر، ولدى الإمارات إمارة واحدة، وهي الفجيرة، خارج المضيق، الأمر الذي من شأنه تمكين هاتين الدولتين من مواصلة تصدير النفط في حالة إغلاق المضيق، فإن البحرين والكويت وقطر يعتمدون بشكل كامل على ذلك الشريان لصادراتهم من النفط والغاز. وكما يوضح “عامر نعمان عاشور”، كبير المحللين والاقتصاديين في “سي إن بي سي العربية”:

 

 

“نعلم جميعا أن أكثر من 30% من شحنات النفط تمر عبر مضيق هرمز، ومع هذا التحول عبر ميناء الفجيرة وميناء الدقم، ستضمن دول مجلس التعاون الخليجي أن تبقى شحناتها النفطية آمنة، وهذا سيقلل من المخاطر وتكلفة التأمين على السفن. ويعد ميناء الدقم واحدا من أفضل الحلول على الإطلاق لمسألة النفط، فهو يقع على بعد 800 كيلومتر من حدود الإمارات. ونعلم أن الإمارات لديها حل جزئي عبر الفجيرة بطاقة 1.1 مليون برميل يوميا، لكن إنتاج الإمارات يبلغ نحو 3 ملايين برميل يوميا. ويتم إنتاج معظم نفط الكويت والنفط القطري والسعودي في الأجزاء الشرقية من منطقة الخليج، وسيكون هذا الميناء العماني الجديد مناسبا جدا لتصدير النفط إلى العالم.

 

 

الجيوسياسية العالمية

لا تتعلق مشاركة الصين في الموانئ العمانية فقط بمصالحها الاقتصادية، ولكن أيضا بأهداف بكين الجيوسياسية. وبالنظر إلى أن الصين لديها مصالح تجارية وعسكرية عميقة في ميناء “غوادر” الباكستاني، وقوات عسكرية في قاعدتها في جيبوتي، فسوف تكون عمان حريصة على القيام باستثمارات كبيرة في علاقة السلطنة مع الصين، حيث تعزز بكين بصمتها البحرية حول شبه الجزيرة العربية. وقد سمحت مسقط لسلاح البحرية الصيني بالفعل باستخدام موانئ عمانية للراحة والتزود بالوقود، وسط عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن.

 

 

وبالنسبة للهند، التي تتمتع بعلاقة حميمة مع السلطنة، تتأصل في التاريخ القديم والروابط الاجتماعية والثقافية العميقة، فإنها تشارك أيضا في الدقم، عسكريا وتجاريا. وهذه المشاركة الهندية تمكن مسقط ونيودلهي من تعزيز جهودهما لمكافحة القرصنة، في إطار علاقة ثنائية أقوى وأكثر فاعلية. كما وقعت سلطنة عمان على اتفاقية النقاط الثمانية مع الهند في فبراير/شباط؛ لتشجيع التعاون المستقبلي فيما يتعلق بالدفاع والتجارة والصحة والسياحة، مما يضمن المزيد من التعاون بين نيودلهي والسلطنة في المستقبل.

 

 

ومما لا شك فيه، فإنه إذا زادت الدول القوية من وجودها العسكري في عمان، فسوف تحصل السلطنة على نفوذ جيوسياسي أكبر كشريك استراتيجي متزايد القيمة لتلك الدول. وفي الوقت نفسه، إذا استمر التنافس بين الصين والهند في التصاعد، فقد تجد عمان نفسها تحت ضغط قد يكون من الصعب إدارته. وبينما يبدو أن علاقة الصين المتنامية مع سلطنة عمان لم تخلق أي مشاكل بين واشنطن ومسقط حتى الآن، فإن المسؤولين الأمريكيين قلقون دائما من أي مناطق في العالم تعزز فيها الصين من نفوذها، ومن المرجح ألا تكون السلطنة استثناء.

 

 

وقد تتصاعد مثل هذه الضغوط الجيوسياسية في مسقط، مع سعي المزيد من الدول لتأكيد نفوذها في جنوب شبه الجزيرة العربية. ومع ذلك، منذ وصول السلطان “قابوس” إلى السلطة في عام 1970، عززت عُمان العلاقات الدافئة مع مجموعة متنوعة من القوى، مع الحفاظ على استقلال السلطنة وأمنها، رغم وجودها في حي فوضوي بشكل خطير.

 

 

وشأنها في ذلك شأن دول شبه الجزيرة العربية الأخرى، ستحرص سلطنة عمان على الحفاظ على علاقاتها الوثيقة مع حلفائها الغربيين التقليديين، المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا، في الوقت الذي تستفيد فيه أيضا من التحولات الجيواقتصادية العالمية باتجاه الشرق لتعميق روابطها مع القوى الإقليمية. وفي ضوء الأزمة المالية لعام 2008، وعدم التيقن من السياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال رئاسة “دونالد ترامب”، فإن دول الخليج العربية مصممة بشكل متزايد على موازنة اعتمادها على واشنطن كضامن أمني؛ من خلال توسيع علاقاتها الدبلوماسية. ومن المؤكد أن علاقات عمان المتنامية مع الصين والهند تجعل مسقط بالتأكيد أكثر استقلالية عن المدار الجيوسياسي للولايات المتحدة.

 

 

وبالنظر إلى المستقبل، فإن “الدقم” و”صلالة” يحتمل أن يصبحا يوما ما اثنين من أهم الموانئ والمراكز السياحية واللوجستية في الشرق الأوسط والمحيط الهندي. ويمكن لهذين الميناءين أن يساعدان السلطنة بشكل كبير على تحقيق التنويع الاقتصادي المأمول، والذي يعتبر أكثر إلحاحا في سلطنة عمان مقارنة بجيرانها الأكثر ثراء، مما يجعل تطوير الدقم وصلالة أولوية قصوى للسلطنة، مع استعداد مسقط لمستقبل ما بعد النفط خلال فترة مضطربة من عدم الاستقرار الجيوسياسي في الخليج.

قد يعجبك ايضا