حالف الحظ هادي ليكون رجل المرحلة بعد أن ظل أكثر من ثمانية عشر عاماً مغموراً في منصب نائب رئيس الجمهورية، ليتصدر المشهد كاملاً ويتربع على كرسي السلطة الذي احتكر أكثر من ثلاثة عقود نظيفة، فحظي هادي بالتأييد المحلي والعربي والاقليمي وحظي بتصويت في انتخابات فردية بلا منافس تحت رعاية امريكية خليجية لم يكن للشعب اليمني علاقة بها الا من حيث أرادتها قوى الوصاية الاجنبية وشماعة الديمقراطية.
في الخامس والعشرين من فبراير 2012م اصبح عبدربه منصور هادي رئيساً للجمهورية اليمنية بعد تقدمه كمرشح توافقي بين القوى والاحزاب السياسية المتحركة تحت مظلة المبادرة الخليجية آنذاك، وقع الاختيار على هادي كشخص استطاع حينها أن يطمئن جميع الفرقاء السياسيين الذين دارات بينهم معارك سياسية انتهت بثورة شعبية ضد نظام صالح ربيع 2011م.
بعد أن أدى اليمين الدستورية أمام مجلس النواب كرئيس توافقي لمدة عامين وفقا لما سمي بالمبادرة الخليجية المزمنة بدأ هادي بالإعداد والتحضير مع الفرقاء السياسيين لتدشين مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وفي ال18 من مارس 2013م احتضن فندق موفمبيك في العاصمة صنعاء أولى جلسات مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي شارك فيه 565 ممثلاً لمختلف القوى السياسية.
ظل هادي خجولا في تعامله مع أصدقائه في النظام السابق الأمر الذي جعله حبيس منزله مكتفياً بالحضور والاشراف على جلسات مؤتمر الحوار التي استمرت حتى 25 يناير 2014م، بهذه الفترة لم يستطع هادي أن يفرض هيبته على كل المسئولين والعسكريين وإعمال النظام القانون بقدر ما حاول الاستمرار بسياسة سلفه والابقاء على بعض المشاكل كما هي عليه وافتعال المزيد من الأزمات التي تدار بها البلد ، ما جعله خجولا حتى في حضوره وزياراته لمؤسسات الدولة، وأصبح حكمه وظهوره اليومي يقتصر على لقاء السفراء في منزله أو لقاء الفرقاء في فندق موفنبيك. وبالمقابل سجل السفير الأمريكي بصنعاء آنذاك جيرالد فرستاين الحضور الأكبر في المهام الرئاسية وصناعة القرار السياسي وإدارة مؤسسات الدولة وهيكلة الجيش وتقسيم الوطن . والزيارات الميدانية للمجتمع والقبائل والجامعات في مختلف المحافظات.
هادي لم ينجز الكثير مما كان يفترض عليه أن ينجزه كرئيس للجمهورية اليمنية بالرغم من التأييد المحلي كأمر واقع ، والدعم الدولي الذي حظي به على مدى سنتين، وصل جميع الفرقاء الى طريق شبه مسدود ونقاط محل خلاف ساخن بعد انتهاء مؤتمر الحوار، ليبدأ الغليان الشعبي ضده وضد حكومة الوفاق التي عزمت أخيراً على تنفيذ جرعة قاتلة لم يكن الشعب ليتحمل ولو جزء منها.
بقيت المشكلات كما هي بل وتكاثرت وتعاظمت نتائجها ومخاطرها ولم ينجح هادي سوى بشيء واحد فقط ألا وهو انتزاع توافق جديد من بعض الفرقاء السياسيين قضى بتمديد بقائه في كرسي الرئاسة لعامين اضافيين.
تأكد اليمنيون بأن عليهم تغيير الواقع الذي ترسمه سفارات الدول العشر، ليفر هادي من صنعاء الى عدن في 21 فبراير 2015م بعد ثورة شعبية رفضت الجرعة والأقاليم والوصاية وطالبت بإسقاط الحكومة.
لم تمر أسابيع حتى وصل هادي الى الرياض فاراً من عدن التي سيطر عليها الجيش واللجان الشعبية وحرروا في حرب واسعة ثمان محافظات من تنظيم القاعدة الذي احتمى به هادي وحاول مؤسسته ضمن وزارة الدفاع اليمنية ، لتعلن بعدها أمريكا والسعودية إنقاذ هادي وشرعيته المزعومة ، وتدشن عدوانا بربريا وغاشماً مباغتاً استهدف اليمن بشرا وحجراً وبكل وحشية وبمساندة مباشرة من أمريكا واسرائيل وعدد من الدويلات العربية الدائرة في فلك السعودية. ليحققوا بتلك الذريعة الهدف الأهم لأمريكا والمتثمل في حماية تنظيم القاعدة واعادة توزيع معسكراته ومكاثرتها في مختلف المحافظات الجنوبية لتتجلى امام الرأي العام المحلي والدولي حقيقة الدعم الامريكي لهذا التنظيم الاجرامي الذي ترعرع في احضان الـ CIA وخدم المشروع الأمريكي في مختلف بلدان العالم.
اللافت في الأمر أن المملكة افتتحت فندقاً جديداً للرئيس عبدربه منصور هادي في عاصمتها الرياض، الفندق وإن لم يظهر اسمه للعلن لكن له مزايا أكثر من تلك المزايا التي كانت متوفرة في فندق موفمبيك صنعاء حيث قضى هادي جزءً كبيراً من حكمه فيه.
فندق الرياض بالتأكيد يوجد به أجنحه كبيرة ومتعددة ، فهادي ليس وحيداً في هذا الفندق الجديد، ففي الجناح المقابل لجناح فخامته يزاول السفراء العشرة أعمالهم بدقة وانضباط، وفي الجناح المجاور لفخامته تؤدي حكومة بن دغر أعمالها، وفي الغرف المجاورة يقوم محافظو المحافظات بأعمالهم على أكمل وجه، وفي بدروم الفندق مخزون كبير من السياسيين اليمنيين الذي قد يحتاجهم فخامته في أي لحظة صحية حرجة. فيما يقبع على أرصفة الفندق قطيع واسع من الاعلاميين والصحفيين الذين يوفرون الغطاء الاعلامي للجرائم التي يرتكبها تحالف العدوان في اليمن.