المصدر الأول لاخبار اليمن

جائزة الأفضل بالعالم.. البحث عن الحقيقة وراء معايير الاختيار

تقرير: وكالة الصحافة اليمنية
في الرابع والعشرين من سبتمبر/أيلول يُفترض أن يتم وضع حد للجدل بإعلان اسم أفضل لاعب في العالم، ولكن في حالات تلك الجوائز لا تسير الأمور بتلك البساطة حقا، فالجدل يبدأ منذ إعلان القوائم، ولا ينتهي بإعلان اسم الفائز بل تبدأ نسخته الأعنف على الإطلاق. هذا العام لدينا الثلاثي نفسه المرشح لجائزة أفضل لاعب في أوروبا، الكرواتي لوكا مودريتش نجم ريال مدريد، والبرتغالي كريستيانو رونالدو نجم يوفنتوس حاليا، والمصري محمد صلاح نجم ليفربول. فاز الأول في أوروبا ومن المتوقع أن يكرر فوزه، فإغراء فكرة كسر حقبة “ميسي – رونالدو” يبدو مرتفعا تلك المرة. ولكن على أي أساس يمكن لأي واحد منهم أن يفوز؟ وعلى أي أساس تم اختيار الثلاثي وتجاهل ليونيل ميسي صاحب الحذاء الذهبي وأنتوان جريزمان بطل كأس العالم؟ أسئلة جماهيرية سنحاول البحث عن إجاباتها.

أوراق الماضي
حتى 2009 لم تشهد الجائزة كمًّا كبيرا من الجدل الجماهيري، وليس من الواضح إن كان هذا يرجع إلى عدالتها أم إلى عدم وصول منصات التواصل الاجتماعي إلى ما هي عليه من قوة في الوقت الحالي. كان الأمر أشبه بالعُرف: أبرز لاعبي الطرف الفائز بأهم بطولة هو الفائز بالجائزة، لذا مع ابتلاع مسألة فابيو كانافارو في 2006، لن تجد أي غرابة في فوز كاكا ورونالدو وميسي بين 2007 و2009 على الترتيب، حين فازت فرقهم بدوري أبطال أوروبا.

بدأ هذا الجدل مع نسخة 2010، حين فاز ويسلي شنايدر بدوري الأبطال ووصافة كأس العالم ولم يجد نفسه بين آخر ثلاثة، طالب بعض الجماهير له بالجائزة التي فاز بها ميسي، بينما طالب البعض الآخر بها لتشافي أو أندريس إنييستا، زميليه في برشلونة والفائزين بكأس العالم 2010 رفقة المنتخب الإسباني، وهذا رغم الفارق الرقمي الكاسح بين ليونيل في هذا العام وبين أي منهم.
هدأت الأمور عام 2011 بعد الخماسية الكتالونية الشهيرة، ولكن سرعان ما عاودت الطفو على السطح في 2012، كون ليونيل لم يفز سوى بكأس ملك إسبانيا في هذا العام، ولكنه فقط سجل الرقم القياسي للأهداف في عام واحد (91 هدفا) محطما الرقم التاريخي لأسطورة الغزارة التهديفية الألمانية جيرد مولر.

إلى 2013 وواحدة من أكثر النسخ إثارة للجدل، الكل ينظر إلى فرانك ريبيري باعتباره الأحق في هذا العام، ففريقه فاز بخمسة ألقاب ولم يخسر سوى السوبر الألماني، ولكنها في النهاية أتت من نصيب كريستيانو رونالدو الذي خسر كل بطولات الموسم وسط ظروف غرائبية: تصريحات سيب بلاتر رئيس فيفا آنذاك عن “ميسي الفتى الطيب ورونالدو الجندي”، احتفال صاروخ ماديرا العسكري الساخر، حملة الأقنعة لدعمه للفوز بالجائزة، مد التصويت وثلاثية السويد. خرج ريبيري لاحقا يشكو قلة الدعم الفرنسي للفوز بالجائزة، مقارنة بما لقيه منافساه البرتغالي والأرجنتيني في بلادهما.
بينما مرّت نسختا 2014 و2015 بسلام نسبي مقارنة بالبقية، عاد الجدل عام 2016 مع فوز رونالدو بعد موسم لم يكن الأفضل له، فقط لأنه فاز مع ريال مدريد بدوري الأبطال وفاز مع البرتغال باليورو، كبر دوره أو صغر، كل ما كان يقال هو إنه فاز بالألقاب، حقق أول بطولة دولية كبرى في تاريخ البرتغال حتى لو كان ذلك بـ3 أهداف في شباك المجر وويلز وبعض الصراخ في النهائي الذي غادره مصابا.

بحثا عما لا وجود له
لا يتعلق الأمر بالانتقاص من هذا أو التشكيك في ذاك، بل هي باختصار محاولة للبحث عن جسد صلب لهذا المفهوم الهلامي المعروف اصطلاحا بـ”معايير الجائزة”، وفي ضوء الماضي سنلتزم أقصى درجات التهذيب ونقول إنه شيء غير واضح على الأقل، فتارة هو الألقاب، وتارة أخرى هو الأرقام الفردية، وثالثة هو الأرقام في الألقاب، ورابعة هو التأثير في الألقاب. فقط لنتأمل ماذا سيقال لصالح وضد كل فرد من المرشحين، مع الوضع في الاعتبار أننا الآن نتعامل مع ما لدينا، ولذلك حاول أن تتجاهل الأسماء الواضحة التي تم تخطيها في الترشيحات، لأن ما قدمته في هذا الموسم واضح للغاية وليس بحاجة إلى دفاع أو شرح، نحن الآن نبحث فقط عن معيار اختيار الفائز بالنسخة الحالية وليس طريقة انتخاب المرشحين النهائيين.
رونالدو هو رونالدو، بطل دوري الأبطال وهدافه مع ريال مدريد. مودريتش هو هذا الوجه المحبوب في واحد ليس من أفضل مواسمه مع ريال مدريد، ولكن الفوز بدوري الأبطال ووصافة تاريخية لكأس العالم مع كرواتيا، إلى جانب الدعم المدريدي الذي لم يعد ملكا لرونالدو بعد رحيله إلى يوفنتوس، كلها أسباب ترشحه بقوة. محمد صلاح هو هداف الدوري الإنجليزي التاريخي في موسم واحد بنظام 20 فريق (32 هدفا) ووصيف دوري أبطال أوروبا.

في ضوء الاختيارات الماضية، أي من تلك المقومات أصلح لتسمية أفضل لاعب في العالم لهذا الموسم؟ أيهم أكثر مطابقة للمعايير؟ إن لم تكن قد توصلت للأمر بعد فيؤسفنا إبلاغك أنه لا يوجد أي معايير على الإطلاق، الأمر ليس وكأنه اجتماع للجنة فنية من حكماء اللعبة لاختيار الفائز وفقا لأسس وقواعد محددة، بل هو مجرد تصويت يكشف عن اسم ما وبعدها سنتصرف، فـ”التاريخ يكتبه المنتصرون”، والمعايير أيضا. فاز رونالدو ستسمع ما أتى في السطور المجاورة لاسمه، فاز مودريتش أو صلاح سيحدث الشيء نفسه، إذًا لندَع عنَّا هراء المعايير السنوي، لا معايير هنا، سنأخذ الفائز ثم نلصق به المعيار المجاور لاسمه ليصبح هو معيار هذا العام، وهكذا في كل عام إلى أن يتغير النظام القائم للجائزة.

أسطورة الكيان الحاكم
إن كانت الأمور تسير بهذا النسق الفوضوي فعلينا أن نتساءل عن القيمة الحقيقية لتلك الجائزة، فهي لا تكتسب أي قوة سوى من كونها تصدر تحت شعار ورعاية الكيان الحاكم لكرة القدم “فيفا”، ولكن ما دور هذا الكيان أصلا في العملية؟ لا شيء. نفض فيفا يده من الأمر تماما منذ إقرار نظام التصويت، ليصبح القرار بيد قادة ومدربي المنتخبات ومجموعة منتقاة من الصحفيين بحد أقصى صحفي واحد من كل بلد، بينما تجلس “دولة كرة القدم” في مقاعد المتفرجين شأنها شأننا جميعا.

وطالما أن الأمر عبارة عن مجرد تصويت بشري لأفراد من مختلف الأوساط الكروية على غناها وفقرها، فإنه يبقى محل شبهة لكافة الأهواء والإغراءات البشرية نفسية كانت أو مادية، إذ ربما يكون هناك من يصوتون لأصدقائهم، أو من لا يشاهدون هؤلاء اللاعبين بما فيه الكفاية قبل التصويت، أو من يصوتون لمن يحبونه أكثر، أو يصوتون بمن يرشحهم لهم ذوو الثقة، أو يتم شراء أصواتهم استغلالا لقدومهم من بلدان فقيرة أو حتى لمجرد الرغبة في الحصول على الأموال، كلها سيناريوهات غير مثبتة بطبيعة الحال، ولكنها الثغرات الواردة والواضحة لهذا النظام.

يرى الكثيرون أن مودريتش لا يستحق كونه أفضل لاعب في أوروبا، وأنه حصل عليها لأنه محبوب وقصته تبدو أكثر ملحمية هذا العام من قصة رونالدو المكررة، البعض الآخر يلمح لدور ريال مدريد في إبقاء الجوائز بين جدرانه ولو بمجرد الاسم والشعبية فقط، فهذا البعض تحديدا يكاد يقسم أن رونالدو كان ليحتفظ بتلك الجائزة أيضا إن لم يغير قميصه. في حالتنا تلك حتى “البروباغاندا” بإمكانها التأثير في التصويت، وقد ظهرت بعض ملامح هذا الأمر في 2013، وهو ما يتم إعادة إنتاج شيء شبيه له مع لوكا هذا العام.

الأمر إن نظرت إليه بعين مجردة لن تجد أي اختلاف بينه وبين استفتاء أي صفحة رياضية عبر فيسبوك، “لايك” لكريستيانو و”قلب” لصلاح و”هاها” لمودريتش، هل يبدو هذا شيئا يجب أن نعتدّ به أصلا كمقياس لاختيار الأفضل؟ لا، ولكن النادي الذي يفوز لاعب له بالجوائز الفردية يستفيد من الأمر دعائيا وتسويقيا. يوفنتوس اشترى رونالدو بهذا الرقم في هذا العمر، لأنه قيمة تسويقية كبرى كونه الفائز بخمس كرات ذهبية. ولهذا يسعى يوفنتوس جاهدا ليفوز رونالدو بالجوائز الفردية، حتى ولو عنى الأمر الترويج لأهداف سجلها في شباك يوفنتوس نفسه!

قد يعجبك ايضا