هل يدفع جمال خاشقجي ثمن معارضته لسياسات ابن سلمان؟
تحليل : وكالة الصحافة اليمنية
بات مصير الكاتب والصحفي السعودي جمال خاشقجي مجهولاً إثر تضارب الأنباء بشان مكان اختفائه منذ أمس الثلاثاء بعد ساعات قليلة من دخوله مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول، فيما فتحت الشرطة التركية تحقيقًا عاجلاً بشأن هذا الحادث.
وقد نُقل عن خطيبة المعارض السعودي خديجة آزرو، أنه دخل قنصلية المملكة في منطقة باشيكطاش بإسطنبول عند الواحدة ظهر أمس للحصول على بعض الوثائق الخاصة بإتمام زواجه، والقنصلية السعودية كانت على علم مسبق بقدومه إليها، مضيفة أنه سلمها هاتفه المحمول ودخل القنصلية ولم يخرج منها، وبعد نحو ثلاث ساعات راجعت مسؤولين في القنصلية، لكنهم أبلغوها بمغادرته المكان فاتصلت بالسلطات التركية.
الحديث عن اختفاء خاشقجي جاء بعد ساعات قليلة مما أعلنته وكالة الأنباء السعودية بشأن استردادها عبر الإنتربول مطلوبًا في قضايا احتيالية، قائلة إن المواطن السعودي الذي استردته – بعد أن فر من البلاد – كان مطلوبًا في قضايا تتعلق بشيكات دون رصيد، دون أن تسميه، ما دفع البعض إلى الاعتقاد بأن هذا الشخص هو خاشقجي وإن استبعدت مصادر أخرى ذلك.
حساب “معتقلي الرأي” في السعودية على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” كان قد نشر أن خاشقجي وصل بالفعل إلى السعودية غير أنه حذف التغريدة بعد دقائق معدودة من نشرها، ما أثار حالة من الجدل عن مصير الكاتب السعودي الذي ترجح بعض الآراء فرضية اختطافه بعد خروجه من القنصلية.
ولد جمال أحمد حمزة خاشقجي بالمدينة المنورة في الـ13 من أكتوبر عام 1958، وتلقى تعليمه في جامعة ولاية إنديانا الأمريكية، عمل في بداية حياته مراسلاً لصحيفة “سعودي جازيت”، ثم أصبح مراسلاً لعدد من الصحف العربية اليومية والأسبوعية في الفترة الممتدة من 1987 إلى 1990.
في الفترة من 1991 وحتى 1999 تميز بتغطية الأحداث الساخنة في أفغانستان والجزائر والكويت والسودان والشرق الأوسط، ليعُيّن بعدها نائب لرئيس تحرير صحيفة “آراب نيوز” من 1999 إلى 2003، وبعدها بعام واحد فقط عين رئيس تحرير صحيفة الوطن اليومية، غير أنه لم يستمر في منصبه الجديد سوى 52 يومًا وبعدها تمت إقالته.
منذ عام 2004 عمل مستشارًا إعلاميًّا للأمير تركي الفيصل (السفير السعودي في لندن ومن ثم في واشنطن)، وفي عام 2010 عين مدير عام لقناة “العرب” الإخبارية التي يمتلكها الأمير الوليد بن طلال التي تم بثها في عام 2015 ولم يستمر إطلاقها إلا يومًا واحدًا، كما عمل معلقًا سياسيًا للقناة السعودية المحلية ومحطة MBC ومحطة BBC وأيضًا قناة الجزيرة القطرية.
نجح خلال مسيرته الإعلامية في إثراء المكتبة العربية ببعض المؤلفات على رأسها كتاب “علاقات حرجة – السعودية بعد 11 سبتمبر” وكتاب “ربيع العرب زمن الإخوان المسلمين” وكتاب “احتلال السوق السعودي”.
آراؤه السياسية لم تتوافق مع توجهات المملكة عقب تصعيد محمد بن سلمان، ما دفعه لمغادرة البلاد متنقلاً بين تركيا وبريطانيا والولايات المتحدة، ليواصل مسيرته الصحفية عبر كتابة المقالات في عدد من الصحف أبرزها صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، فضلاً عن لقاءاته التليفزيونية المتعددة وهو ما جعله هدفًا لسلطة الانتقام في المملكة التي تلاحق معارضيها في الخارج قبل الداخل.
تفاصيل الاختفاء
بعد 3 ساعات كاملة من دخوله القنصلية السعودية، قُطع الاتصال فيها بين خاشقجي وخطيبته، لجأت الأخيرة لمسؤولين بداخل القنصلية لكنهم أبلغوها بمغادرته المكان بعد دقائق من دخوله، ما دفعها للاتصال بالسلطات التركية والإبلاغ عن اختفائه، وعلى الفور تحركت دورية شرطة لمقر القنصلية غير أن القوانين والأعراف الدبلوماسية لا تسمح لها بالدخول.
وبحسب الشرطة فإنها سألت واستجوبت مسؤولي القنصلية عن مصير خاشقجي إلا أنها لم تفصح عن ردود فعلهم واكتفت بها في سجلات التحقيق، فيما أكدت وسائل إعلام تركية أن السلطات هناك تتابع القضية على أعلى المستويات، كونها قضية تمس الأمن التركي، خاصة بعد تردد أنباء – لم يثبت صحتها – عن وصوله السعودية.
جمعية بيت الإعلاميين العرب في تركيا قالت هي الأخرى إنها فقدت الاتصال بخاشقجي بعد توجهه لمقر القنصلية السعودية، ذاكرة في بيان لها أنه توجه لمقر القنصيلة ولم يخرج منها منذ دخولها، مطالبة السلطات السعودية ببيان عاجل عن وضعية المعارض السعودي والإفراج عنه فورًا حال احتجازه بمقر القنصلية.
صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية التي يكتب بها خاشقجي نشرت تقريرًا عن الحادث، قائلة: “أصدقاء وأقارب جمال خاشقجي، وهو صحفي مخضرم من المملكة العربية السعودية، الذي أصبح مؤخرًا من أشد منتقدي قيادة المملكة، قالوا إنهم قلقون على سلامته يوم الثلاثاء بعد أن فقد الاتصال به خلال زيارته للقنصلية السعودية في إسطنبول”.
وأضافت الصحيفة: “دخل خاشقجي القنصلية نحو الساعة الواحدة بعد الظهر، بحسب خطيبته، التي قالت إنها رافقته، لكنها انتظرت في الخارج، واتصلت المرأة التي طلبت عدم كشف اسمها، بالشرطة عندما لم يخرج خاشقجي في الخامسة مساءً، بعد إغلاق القنصلية رسميًا”.
وتابعت أنه بحلول العاشرة مساءً بتوقيت إسطنبول ظل الغموض يرافق اختفاء خاشقجي، ولم تسمع خطيبته عنه، وكذا أصدقاؤه الذين تجمّعوا خارج مبنى القنصلية، ولم تجب وزارتا الخارجية السعودية أو التركية على رسائل تطلب توضيحات عن مكان وجوده.
من جانبه أكد محرر الآراء الدولية في الصحيفة إيلي لوبيز، في بيان “لم نتمكن من الاتصال بجمال اليوم ونحن قلقون جدًا بشأنه”، وأضاف “نتابع الوضع عن كثب ونحاول جمع معلومات، سيكون اعتقاله بسبب عمله كصحافي ومعلق ظلمًا وأمرًا مشينًا”، فيما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها تقوم بالتحقيق في اختفاء الصحافي.
كتب خاشقجي عددًا من المقالات التي انتقد فيها سياسة ولي العهد السعودي، مطالبًا بإعادة النظر في التوجهات الأخيرة التي سيكون لها تبعات سلبية على السعوديين في الحاضر والمستقبل، وهو ما عرضه أكثر من مرة للتنكيل والتوبيخ، حتى قبل مغادرته المملكة تم منعه من استخدام موقع “تويتر” وذلك عندما حذر من المبالغة في الحماس للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عند انتخابه.
وفي مقال كتبه بالصحيفة الأمريكية في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، قال خاشقجي: “عندما أتحدث عن الخوف والترهيب والاعتقالات وتشويه صورة المثقفين ورجال الدين الذين يتجرأون على قول ما يفكرون به، ثم أقول لك أنا من السعودية، فهل تُفاجأ؟”.
العلاقات السعودية التركية
رغم الخلاف بين أنقرة والرياض بشأن عدد من الملفات الإقليمية على رأسها الأزمة الخليجية والموقف من جماعة الإخوان المسلمين، فإن كلا البلدين يسعى للحفاظ على شعرة معاوية في العلاقات البينية، في ظل المصالح المشتركة بينهما التي تدفعهما إلى طي بعض الصفحات لحساب أخرى في إطار المستجدات الإقليمية والدولية الأخيرة.
لو ثبتت صحة الرواية التي تشير إلى اختطاف خاشقجي وترحيله إلى المملكة لا شك أن ذلك سيؤثر على العلاقات بين السعودية وتركيا، إذ إن حادثة بهذه الكيفية تمس الأمن التركي من الدرجة الأولى، خاصة أنها تقفز على كل القوانين الدولية واللوائح والبروتوكولات المتعارف عليها بين الدول.
بعض المصادر أشارت إلى إنكار القنصلية السعودية معرفتها بمكان اختفاء خاشقجي وأنه غادرها بعد 20 دقيقة فقط من دخولها، وهو ما أثبتته كاميرات المراقبة التي استعانت بها الشرطة التركية، الأمر الذي يرجح تعرضه لعملية اختطاف، غير أن الجهة التي قامت بذلك تظل – حتى كتابة هذه السطور – غير معلومة، وهو ما يبقي الخيارات كافة مفتوحة.
فيما نفت مصادر تركية أخرى مطلعة نبأ وصوله إلى الرياض بعد اختفاءه بحسب موقع “عربي21” الذي قال إنه تواصل مع القنصلية السعودية في إسطنبول التي أكدت بدورها عدم وجود أي تفاصيل لديها بشأن القضية من الأساس.
استهداف المعارضين
لم يقبل محمد بن سلمان منذ تنصيبه وليًا للعهد عقب عزل ابن عمه الأمير محمد بن نايف وفرض الإقامة الجبرية عليه في أواخر شهر يونيو/حزيران الماضي، بأنصاف الولاء، فإما الولاء الكامل أو التنكيل والاعتقال والملاحقة، فكانت حملات القمع والاعتقال الواسعة التي راح ضحيتها مئات الأكاديميين ورجال الدين والنشطاء، فضلاً عن التضييق الكبير على الحريات عبر فرض قيود على منافذ التعبير عن الرأي، العامة والخاصة.
لم تقتصر حملات التنكيل والملاحقة على المعارضين في الداخل فحسب، بل في الخارج أيضًا، وذلك عبر الضغط عليهم بوسائل وأساليب عدة، منها اعتقال أقارب وذوي المنتقدين لسياسة المملكة وولي عهدها في الخارج، كنوع من الضغط عليهم، كما حدث مع المعارض السعودي المقيم في لندن عبد الله الغامدي الذي اعتقلت السلطات السعودية والدته عايدة الغامدي التي تجاوز عمرها الـ60 عامًا في مدينة جدة، غرب البلاد، في مارس الماضي.
ولم تكن حادثة اختفاء خاشقجي الأولى لاستهداف معارض خارجي في تاريخ المملكة، كما أنها كذلك لن تكون الأخيرة في ظل سياسات ابن سلمان، حيث سبق أن تعرض كل من الأمير سلطان بن تركي بن عبد العزيز والأمير تركي بن بندر والأمير سعود بن سيف النصر لعمليات اختطاف من عواصم أوروبية وأعيدوا إلى الرياض ليدفعوا ثمن انتقادهم سياسة الحكم في البلاد.
تفاعل كبير
تفاعل عدد كبير من النشطاء العرب والمعارضين السعوديين مع حاثة اختفاء خاشقي، حيث دشنوا وسم #اختطاف_جمال_خاشقجي بعد وقت قصير من نشر خبر اختفائه، ورغم مقاومة اللجان الإلكترونية للتفاعل معه عبر تدشين وسم آخر، فإنه كان ضمن الأكثر تداولاً في السعودية.
من جانبه غرد المعارض السعودي المقيم في كندا عمر عبد العزبز قائلاً: “ستكون قضية رأي عام عالمية وفضيحة جديدة بكل المقاييس.. من المسؤول عن تشويه صورة بلادنا؟!”.
أما الأكاديمي السعودي المقيم في الخارج مهنا الحبيل، فقال في تغريدة على حسابه في تويتر: “إن كان الأمر قد تم وقبل ساعات فهذا يعني أنه أُخرج من تركيا عبر اختراق أمني تم التخطيط له، وواضح تمامُا أنه لا حدود لتوحش الموقف الأمني السعودي اليوم، ولا يوجد أي سقف لمراعاة الأعراف الدبلوماسية، خاصة موقف أنقرا الحرج جدُا الآن، وأجزم بتواطؤ إدارة ترامب”.
فيما علق الناشط الحقوقي المصري جمال عيد على الحادث بقوله: “خبرين عن السعودية في خلال ساعة: خبر عن اختطاف جمال خاشقجي في اسطنبول” لم يتم التأكد بعد لكنه مختفي بعد دخول القنصلية السعودية هناك ومحكمة ترفض زواج امرأة سعودية من رجل، لأنه يعزف العود!! أخبار تليق بمملكة الظلام”.