تحليلات (وكالة الصحافة اليمنية)
لا شكّ أن العلاقات التركية السعودية بعد حادثة اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية داخل اسطنبول، لن تكون كما كانت قبلها، فالعلاقات بين الطرفين بالأصل لم تتسم بالودية، وبقيت في إطار التعامل الدبلوماسي الحذر، وذلك في ظل التنافس المحموم بين القوتين على الزعامة الإقليمية وزعامة العالم الإسلامي “السني”.
وبالرغم من الحرص على عدم المواجهة المباشرة بين الطرفين، بقيت كلتا الدولتين خلال السنوات الماضية تتحين الفرصة من أجل إضعاف الطرف الآخر، حيث شهدت العلاقات بين الطرفين مدّاً وجذراً على خلفية عدة قضايا، كالموقف المتباين من جماعة الإخوان المسلمين، أو الموقف السعودي من محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو/تموز 2016، وكذلك موقف أنقرة المؤيد لقطر في قضية الحصار المفروض على الدوحة منذ يونيو/حزيران 2017، لتأتي قضية خاشقجي وترش الملح على الجرح غير الملتئم بين الطرفين، حيث إن فرضية قيام الدولة السعودية بخطف وقتل خاشقجي على الأراضي التركية، تمثّل امتهاناً كبيراً بحق السيادة التركية.
فالرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وجّه تصريحات حادة للجانب السعودي، مؤكداً على أنه من واجب القنصلية السعودية إثبات مكان خاشقجي وأنها ستفعل ذلك، فيما لمّحت السعودية من خلال شائعات بثتها وسائل تابعة لها عن إمكانية طرد السفير التركي من السعودية.
إلا أن التصعيد التركي تجاه حادثة اختفاء خاشقجي، لا يمكن أن يُؤخذ فقط من زاوية الدفاع عن السيادة التركية، فالتقارير التركية التي تحدثت عن قتل الصحفي السعودي المعارض داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، تناولت بإسهاب تفاصيل مفترضة حول تقطيع جثته من قبل فريق اغتيالات ضم خمسة عشر شخصاً، جاء خصيصاً من السعودية لتنفيذ العملية، كما قامت بنشر صور هذا الفريق في الإعلام، وهذا يدل على أن تركيا تريد استغلال الحدث لإحراج السعودية وإضعاف مكانتها إلى أبعد حدّ ممكن، حيث كان بإمكان تركيا أن تتحفظ على التحقيقات أكثر من ذلك، وتتناول القضية مع السعودية عبر قنوات خاصة، أسوة بالتحقيقات التي تجري بينها وبين أمريكا حول المعارض التركي “عبدالله غولن”.
كما أن الدعوات التي بدأت تصدر عن أوساط تركية بضرورة مراجعة العلاقات مع السعودية، تصبّ أيضاً في هذا الاتجاه، هذا بالإضافة إلى التغطية الإعلامية التركية المكثفة للحدث، والتي يبدو أنها تشكّل نوعاً من الثأر والتشفي للتغطية الإعلامية السعودية للانقلاب التركي الفاشل، التي أظهرت انحياز السعودية الواضح ضد أردوغان.
إلا أن الموقف التركي وبالرغم من التصعيد النسبي بقي في حالة تريث دون أن يوصل الأمور إلى مرحلة التوتر، وذلك في محاولة تحصيل أكبر مكاسب ممكنة من الحادثة، إذ إن أردوغان ما زال يترقّب الموقف الأمريكي، فمن المتوقع إذا ما سحبت أمريكا الغطاء عن محمد بن سلمان المتهم الأصلي بحادثة خاشقجي، فإن تركيا لن تتردد في توجيه ضربتها وافتعال أزمة سياسية مع السعودية، وتصعيد الأمور إلى أقصى درجة ممكنة.
ومن ناحية أخرى ستجسّ تركيا نبض دولة قطر من أجل تعويض أي خسائر اقتصادية قد تنجم عن قطع العلاقة مع السعودية، ولا يبدو أن قطر ستمانع في ذلك، خاصة في ظل توتر العلاقات السعودية القطرية على خلفة الحصار المفروض على الأخيرة.
المؤكد أن السعودية ليست في أوضاع جيدة على الإطلاق، وذلك في ظل كثرة أعدائها وغياب حلفاء حقيقيين، فحتى الدول الغربية، سواء أمريكا أم أوروبا، وجهوا انتقادات حادة للسعودية في هذه الأزمة، ولا شك بأن الرئيس ترامب سيواصل سياسته المعهودة بابتزاز السعودية لتحصيل المزيد من المكاسب الاقتصادية، وقد تضطر السعودية لدفع مبلغ كبير جداً لقاء سكوت أمريكا، وتحييدها عن القضية.
وفي حين استطاعت السعودية جلب دعم أمريكا في هذه القضية، فإنها ستضع أردوغان في موقف حرج أمام شعبه آنذاك، الذي سيظهر بمظهر المفرط بالسيادة الوطنية أمام الضغوط الأمريكية.
يبدو أن بيضة القبان في العلاقة بين الطرفين هي الحليف المشترك لكليهما، أي أمريكا، في ظل النفوذ الذي تمارسه على الطرفين في علاقاتها المتشعبة معهما، وبانتظار الموقف الأمريكي يبقى الوضع في العلاقات السعودية التركية مرشحاً للانفجار في أي لحظة.