عندما تكون أرباح السلاح أهم من حقوق الإنسان
تحليل : وكالة الصحافة اليمنية بينما تتجه قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي نحو السيناريو الأسوأ، تبدو السعودية وولي عهدها محمد بن سلمان تحت نظر العالم بأثره في الميزان، فصورتها لدى الغرب التي أنققت ملايين الدولارات لتلميعها، وعلاقاتها المستقبلية قد لا تصمد أمام فظاعة قضية خاشقجي، فرؤساء ووزراء ونواب وشخصيات غربية تقول إذا ثبتت […]
تحليل : وكالة الصحافة اليمنية
بينما تتجه قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي نحو السيناريو الأسوأ، تبدو السعودية وولي عهدها محمد بن سلمان تحت نظر العالم بأثره في الميزان، فصورتها لدى الغرب التي أنققت ملايين الدولارات لتلميعها، وعلاقاتها المستقبلية قد لا تصمد أمام فظاعة قضية خاشقجي، فرؤساء ووزراء ونواب وشخصيات غربية تقول إذا ثبتت رواية قتل الصحفي السعودي داخل قنصلية بلاده فسيكون ما بعده تعاملاً مختلفًا مع المملكة العربية السعودية.
وفي الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، تتجه الأنظار صوب واشنطن، الحليف الرئيسي للرياض، إذ يتساءل متابعون عمَّا إذا كان لهذا الحدث أن يعكر صفو العلاقات بين الإدارة الأمريكية برئيسها دونالد ترمب وصهره جاريد كوشنر وولي العهد محمد بن سلمان، فماذا هم فاعلون إذا كانت أكثر السيناريوهات فظاعة عن مصير خاشقجي هي الحقيقة المؤجل إعلانها رسميًا؟
يجيب ترامب بعد كثرة التصريحات وردود الفعل القوية المتريثة إلى حين إعلان نتائج التحقيقات، فيتوعد الرياض بعقوبات شديدة لو ثبت التورط السعودي في قتل الصحفي، لكن ما هو فاعل لا يشمل منع مبيعات الأسلحة للسعودية كما دعت بعض الأصوات داخل مجلس الشيوخ الأمريكي، وهو الموقف الذي عبر عنه سابقًا.
تسجيل المواقف لا تكلف الرياض
شغلت قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي الرأي العام العالمي، وأثار الغموض الذي انتاب مصيره عقب دخوله القنصلية السعودية بإسطنبول كثيرًا من الاستهجان المشفوع بدعوات عالمية لكشف كل الحقائق المتعلقة به، ومحاسبة المتورطين في اختفائه، ووسط هذا الزخم، نقلت شبكة “سي إن إن” الأمريكية عمن وصفتهما بمسؤوليْن كبيرين في الإدارة الأمريكية القول “واشنطن تعمل بهدوء في قضيةخاشقجي”.
مر موقف الرئيس ترامب بتحولات يمكن وصفها بـالـ”دراماتيكية”، في البداية سُئل فأجاب بأنه لا يعرف، وفي المرة الثانية أعرب عن القلق وبدا حائرًا لا يعرف بما يجيب، وقال مسؤولون في إدارته إنه تحدث مع مسؤولين رفيعين عن هذا الأمر، وبحسب البعض، فإن ولي العهد السعودي لم يكن بين هؤلاء، بل إن ابن سلمان من بادر بالاتصال بجاريد كوشنر مستشار ترامب قبل أن ينضم لجون بولتون لمحاولة الرجلين، حيث تسرب أن ولي العهد الذي بادر سعى لتبرئة ساحته وبلاده من الاتهامات بالتورط.
بعد ذلك حدث تطور لافت في موقف ترامب، فقد بدأ يتحدث عن عمل “مروع ومفزع”، وأن خاشقجي دخل القنصلية لكنه لم يخرج منها، وأنه سيعرف ما حدث للرجل، وكوسيلة ضغط أعلن أنه يرغب باستضافة خطيبة خاشقجي التركية في البيت الأبيض، وإذا حدث هذا – وهو مرجَّح – فسيكون من أكبر مشاهد العلاقات العامة التي غالبًا ما يُدان فيها البعض علنًا في وسائل الإعلام برمتها، وستكون هناك ضحية تجد من يربت على كتفها، وجلاد ما تنصب عليه اللعنات، وقد يكون هذا أحد كبار المسؤولين السعوديين.
وبعد دقائق من تصريحات لترامب قال فيها إنه “قلق” بشأن مصير خاشقجي، أعرب نائبه مايك بنس عن استيائه “الشديد” من التقارير المتداولة بشأن مصير الصحفي السعودي التي اعتبرها “مأساوية” حال ثبوتها، ثم تخطت ردود الفعل الأمريكية “القلق” إلى مطالبة واشنطن السعودية بإجراء تحقيق “شامل وشفاف” في اختفائه.
لكن رغم هذه المواقف، فإن ترامب أوضح في تصريحات أغضبت مؤيدي خاشقجي، أن تداعيات اختفاء الصحفي ستكون محدودة، وقال “إنهم ينفقون 110 مليارات دولار على المعدات العسكرية وأمور تؤمن الوظائف”، وأضاف أن السعوديين سيأخذون هذه الأموال وينفقونها في روسيا أو الصين أو أي مكان آخر.
وقد أثار تحفظ ترامب على دعوات وقف بيع الأسلحة للرياض، في تصريحاته الأخيرة، الكثير من التكهنات عن السيناريوهات المحتملة لمستقبل العلاقات الأمريكية السعودية، في ظل مطالب أمريكية بإعادة تقييم العلاقات مع السعودية واتخاذ إجراءات كوقف الدعم الأمريكي للتحالف السعودي الأمريكي في اليمن في ضوء تداعيات قضية الكاتب السعودي جمال خاشقجي.
وكان 23 عضوًا في مجلس الشيوخ أعربوا عن خيبة أملهم من الرد الأول لوزارة الخارجية الأمريكية على تقارير اختفاء خاشقجي المنتقد لسياسات المملكة، موضحين أن هذه القضية تستدعي بيانًا قويًا من واشنطن بأنها لن تتسامح مع هذا النوع من السلوك.
فأحد أبرز شخصيات الحزب الديمقراطي بيرني ساندرز يعتبر “كشف مصير خاشقجي أهم من أرباح صفقات السلاح”، وقال في تغريدة: “الوقت قد حان لمراجعة العلاقات الأمريكية السعودية”، متسائلاً عما إذا كانت العلاقات بين البلدين تساهم في تعزيز مصالح وقيم الولايات المتحدة.
يرى مراقبون أن هذا التحول في نبرة ترامب مؤشر على استجابة حذرة للضغوط من طرف الكونغرس ووسائل الإعلام عليه، لكنها تطرح أيضًا أسئلة وشكوكًا عن مدى استعداد ترامب للذهاب بعيدًا في معاقبة السعودية، خاصة مع تزايد عدد المسؤولين الأمريكيين المطالبين للرياض بكشف ما لديها من معلومات.
ويرى وليام لورانس أستاذ الشؤون الدولية في جامعة جوج واشنطن أن ترامب يشعر بالضغط عليه من اتجاهات كثيرة، تشمل تلك التي وجهها أعضاء في الكونغرس الأمريكي بمن فيهم حلفائه، حيث يضغطون عليه لإجراء تحقيق بموجب قانون “ماغنيتسكي”، وهو ما يعني أن لديه 120 يومًا لفرض عقوبات، لكن ذلك يطرح سؤالاً عن ماهية هذه العقوبات، خاصة أنه لا يريد الإضرار بصفقات السلاح.
وهنا، تُضاف قضية خاشقجي إلى عدد من القضايا الأخرى التي وضعت فيها الرياض واشنطن في موقف حرج، وأبرزها استهداف المدنيين في اليمن بأسلحة أمريكية، وحصار قطر الذي قوّض – حسب الأمريكيين – مواجهة إيران بكتلة خليجية موحدة، واحتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بطريقة مهينة.
لذلك ربما بحكم العادة قد لا تُشكل حياة إنسان وسلامته قلقًا كبيرًا لدى السلطات السعودية، أمام بالنسبة للولايات المتحدة فهو مواطن سعودي يعمل في صحيفة أمريكية ويحصل على إقامة طويلة على أراضيها، ولذلك تبدو ردود فعلها باردة حد الاستفزاز بالنسبة لكثيرين.
المصالح أولاً
بلغة السياسة والمصالح لا شيء يجبر الرئيس الأمريكي على محاسبة شريكه السعودي الثري على أي ضلوع لبلاده في قضية الصحفي جمال خاشقجي، فالغرب في شقه الأمريكي لن تقوده قضية جمال خاشقجي إلى قطع العلاقة مع الرياض، فتلك العلاقة لم تتأثر رغم تدمير الأخيرة لبلد مثل اليمن، فكيف تتأثر بقضية صحفي؟.
وبحسب محللين، تمثل السعودية عنصرًا مهمًا في تحريك الاقتصاد وشراء السلاح من الولايات المتحدة، ففي البيت الأبيض، أحرج ترامب الأمير الشاب، وهو يعدد المشتريات السعودية من الأسلحة الأمريكية وقيمتها عشرات مليارات الدولارات، ويستمر في إحراجه وإحراج السلطات السعودية خلال الأيام التي تلت “جريمة القنصلية”، حين يقول “أنا قلت للملك يجب أن تدفع، آسف لكن عليك أن تدفع”، وكررها 4 مرات
في فترة وجيزة لا تتعدى فترة اختفاء خاشقجي.
لكن ذلك لا يهم، فولي العهد السعودي نجح في أن يكون حتى الآن الشريك المطيع لترامب، حين قبل ضخ الأموال السعودية دون كلل، باستثناء تلك التي يقايضها ترامب بالحماية، وتباهى الأمير الشاب بالانخراط فيما يأمل أن يكون حلفًا إستراتيجيًا ضد إيران، وربط جسور تواصل مع الحليف الأمريكي الأول في المنطقة “إسرائيل”.
أبعد من ذلك، لم يفوت الأمير محمد بن سلمان فرصة البوح لترامب بحبه له وسعادته بالعمل معه، فبحسب قوله لوكالة “بلومبرغ” الأمريكية: “أحب العمل معه، وقد حققنا الكثير معًا في الشرق الأوسط”، وشأن المحب ألا يتأخر عن تقديم الجواب، لكن الأمير السعودي لم يحدد إن كان يضع حرب التحالف السعودي الإماراتي في خانة إنجازاته، لكنه مطمئن حتى الآن أن الموقف الأمريكي من مطالب بعض أعضاء
الكونغرس الملحة بوقف صفقات السلاح للسعودية لم تتغير بتفجر قضية الصحفي جمال خاشقجي.
ومع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للرئاسة، يستغل ترامب عمليًا موضوع خاشقجي لغايات انتخابية، وبحسب أستاذة علم الاجتماع السياسي الزائرة بكلية لندن للعلوم الاقتصادية والسياسية مضاوي الرشيد، يراهن ترامب على الوقت وسيبقي على علاقة بلاده بالرياض، وهناك أسباب تمنع قطع العلاقة بين السعودية وأمريكا، فـ”العلاقة السعودية الإسرائيلية تعيش أفضل فتراتها”.
في ضوء هذه المعطيات، لا ترفع الصحفية الأمريكية ميشال غولدبرغ سقف التفاؤل عاليًا، لأنها تعتبر بالأساس، في مقال نشرته في نيويورك تايمز، أنه “ليس من المستغرب مع ذلك أن الحكومة السعودية ستعتقد بأنها يمكن أن تفلت من العقاب، فلطالما حافظت الولايات المتحدة على علاقة إستراتيجية وثيقة مع السعودية، على الرغم من سجل المملكة المريع في مجال حقوق الإنسان، وبدأ الدعم الأمريكي الضمني لحربها الوحشية في اليمن خلال إدارة باراك أوباما، لكن لم يكن هناك قط رئيس أمريكي متحمس للسعودية مثل ترامب”.
أما في حسابات كثير من تلك الدوائر الغربية التي تقترب بعضها من البراغماتية الأمريكية، فإن الرجل صحفي مرموق، وحكومته المتهمة بقتله موصومة سلفًا بالكثير من السوابق المشابهة وعالقة في كثير من الانتهاكات الإنسانية والحقوقية حاليًّا، وسواء في اليمن أم في الداخل مع معارضيها فسجلها الحقوقي لا يدعو كثيرًا لاستبعاد الهواجس الأسوأ بحق خاشفجي.
المصدر: noonpost