تقرير: وكالة الصحافة اليمنية
على غير العادة، تتجه تونس إلى عدم فرض أي ضرائب جديدة على الأفراد السنة المقبلة، مع تخفيف الضرائب المفروضة على شركات بعض القطاعات على غرار الصناعة والتكنولوجيا والاتصال، وهو ما يتناقض مع توصيات صندوق النقد الدولي والمؤسسات المقرضة، الأمر الذي جعل البعض يعتبر هذه الإجراءات بمثابة إجراءات سياسية وليست تقنية.
إجراءات تقنية
مشروع الموازنة العامة للدولة التونسية للسنة القادمة، كشف اعتزام حكومة يوسف الشاهد خفض الضرائب على الشركات من 25% إلى 13%، لإعطاء الأولوية للقطاعات ذات القيمة المضافة العالية، خاصة في الصناعات التحويلية والاتصالات والمعلومات.
وأقر مشروع قانون المالية توفير اعتماد بقيمة 100 مليون دينار (35.49 مليون دولار) كرأسمال لبنك مقرر إنشاؤه لمساعدة ومساندة المؤسسات الصغرى والمتوسطة لدى تأسيسها في الحصول على التمويل المطلوب، ليكون هذا البنك بمثابة الحاضنة للشباب المتطلعين إلى إنشاء مشاريعهم الخاصة.
بالتزامن مع خفض الضرائب على الشركات، أظهر مشروع قانون المالية، إبقاء الحكومة على دعم المواد الأساسية في نفس مستوى العام الحاليّ، وبحسب وثيقة المشروع، قدرت الحكومة نفقات إجمالي الدعم للعام المقبل بنحو 4.35 مليار دينار (1.55 مليار دولار)، مقابل 4.9 مليار دينار (1.75 مليار دولار) في 2018.
بعض الخبراء ربطوا هذه الإجراءات بالانتخابات القادمة التي ستشهدها تونس خريف 2019، وهو ما نفاه مصدر من الحكومة لنون بوست، وقال المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه إن “هذه الإجراءات تقنية بحتة لا علاقة لها بالسياسة، فقانون المالية يتضمن أهدافًا ممكن أن يكون فيهم صبغة سياسية وهو أمر عادي لكنها في الأخير أهداف اقتصادية، كالحدّ من البطالة ودفع الاستثمار، والتشجيع على بعث المؤسسات ومكافحة التهرب الضريبي”.
وبخصوص تزامن السنة المقبلة مع الانتخابات التشريعية والرئاسية وإمكانية وجود علاقة بين الإجراءات الخاصة بالضرائب وهذا الموعد الانتخابي، نفى المصدر الحكومي أن يكون هناك أي علاقة بين الأمرين، مؤكدًا أنه “لا توجد أي علاقة بين السنة الانتخابية والتوقف عن الزيادة في الضرائب، فهذا لا يعني أن السنة القادمة عندما تمر الانتخابات سنرجع للزيادة في الضرائب”.
وأضاف المصدر الحكومي أن “الزيادات التي حصلت خاصة في سنتي 2017 و2018، جاءت لإعادة التوازن المالي للميزانية وإصلاح المالية العمومية والحد من العجز في الميزانية”، موضحًا أن الحكومة اليوم استطاعت أن تحسن المالية العمومية أي أنه لا فائدة من الزيادة في الضرائب.
إلى ذلك، وإضافة إلى الوصول لأهداف الحكومة وتحسن المالية العمومية، فإن الفرد لم يعد يتحمل أي زيادة أخرى، وهو ما يستدعي التوقف عن الزيادات، مؤكدًا أن “الحكومة تسعى لتحسين مردودية المؤسسات وتشجيعها على الإنتاج والتخفيف من الضغط الجبائي، تقول الحكومة.
وغالبًا ما تعرف تونس، بداية كل سنة تحركات شعبية، احتجاجًا على الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه المواطن التونسي تزامنًا مع بداية العمل مع قانون المالية الجديد، وتضمن ميزانية سنة 2018 زيادات في بعض المواد ورفع الضرائب على الاتصالات الهاتفية والتأمين ورفع أسعار البنزين وبعض المواد الأخرى مثل الشاي والقهوة والأدوية إضافة إلى اقتطاع 1% من رواتب كل الموظفين كمساهمات للصناديق الاجتماعية التي تعاني عجزًا.
دفع الاستثمار
من جهته، اعتبر مدير مركز البحوث الاقتصادية والاجتماعية (السيراس) رضا الشكندالي، أن “المستثمر المحلي أو الأجنبي كما يطالب بالاستقرار السياسي بمعنى التواصل على مستوى الحكومات والابتعاد عن التجاذبات السياسية واستقرار المشهد البرلماني والاستقرار الاجتماعي أي غياب الإضرابات والاحتجاجات، يطالب أيضًا باستقرار جبائي”.
وأوضح الشكندالي في حديثه لنون بوست، أن “هذا يعني ألا تغير الدولة في الأداءات لمدة طويلة حتى يُقدم المستثمر على عملية الاستثمار، ويعرف الأرباح التي سيجنيها بصورة جيدة، فالاستقرار الجبائي يساعده على عمله، وعدم استقرارها يجعل المستقبل مظلمًا وغامضًا أمامه”.
وأكد مدير مركز البحوث الاقتصادية والاجتماعية، أن عملية خفض الضرائب بالنسبة للشركات، تعتبر من الإيجابيات الموجودة في مشروع قانون المالية للسنة القادمة، فالاستقرار الجبائي مطلوب من طرف المستثمرين.
إجراءات شعبوية
يقول المسؤولون التونسيون، إن مشروع الموازنة العامة للسنة المقبلة يضم العديد من الإجراءات الاجتماعية التي من شأنها تحسين حياة التونسيين، كوقف الزيادة في الضرائب وتخفيض بعضها المتعلق مثلاً بالسيارات الشعبية والإنترنت.
هذه الإجراءات، يقول عنها رضا الشكندالي إنها إجراءات شعبوية، ويضيف: “كان من الأجدر على الشاهد إن كان يريد أخذ إجراءات اجتماعية أن يتوجه إلى المشاكل الأساسية للتونسيين، فالإجراءات الواضحة في مشروع الموازنة العامة للسنة القادمة تعتبر إجراءات شعبوية، تتعلق بتخفيض كلفة السيارات الشعبية والإنترنت، لا أظن أن هذه الإشكاليات هي المشاكل الحقيقية للتونسيين”.
كما ويؤكد الشكندالي أن “المشاكل الحقيقية هي عدم توافر الدواء في الصيدليات، وإن توافر فبأسعار عالية، لذلك على الحكومة أن تدعم الدواء عوضًا عن تدعيم السيارات الشعبية لتمكين الطبقة المتوسطة في البلاد من شراء هذه السيارات، فمن الأجدر توجيه العملة الصعبة المخصصة لهذه الفئة من السيارات لتوفير الدواء ومواد أخرى كالحليب وغيرها من المواد المفقودة”.
تضمن مشروع الميزانية الجديدة أيضًا، مقترحًا بالتخفيض في نسبة الأداء على القيمة المضافة المطبقة على خدمات الإنترنت من 19 إلى 7%، وهو ما سيخول التخفيض آليًا من أسعار الاشتراكات ذات التدفق العالي، وبحسب الحكومة، فإن هذا الإجراء يهدف إلى ضمان الاندماج الاجتماعي والحد من الفجوة الرقمية بين الجهات وتأمين النفاذ إلى خدمات الإنترنت بأقل كلفة.
في هذا الشأن، يقول الشكندالي إن من المتناقضات على مستوى الميزانية أن هناك زيادة في الموارد الجبائية تقريبًا من 24.1 مليار دينار سنة 2018 محينة، إلى 26.9 مليار دينار سنة 2019 أي بزيادة تقدر بـ2.8 مليار دينار، دون أن توجد إجراءات تخص الجباية لا من حيث نسب الأداء ولا من حيث الإجراءات لتسهيل مردودية الإدارة الجبائية”.
مشيرًا في معرض حديثه إلى “عدم وجود إجراءات لبلوغ هذا الرقم الكبير من الموارد الجبائية سيصعب الوصول إليه، وهو ما سينعكس على الزيادة في مستوى الاقتراض الخارجي، وهو ما يؤثر سلبًا على اقتصاد البلاد خاصة أن الترقيم السيادي للبلاد تراجع في الفترة الأخيرة”.
ضرورة الابتعاد عن التجاذبات السياسية
بدوره، عبر الخبير الاقتصادي التونسي محمد المنصف شيخ روحه، عن أمله في أن لا تكون هذه الإجراءات مجرد إجراءات سياسوية مؤقتة فخطورتها أكثر من نفعها، وأكد ضرورة أخذ الإجراءات اللازمة لخلق الثروة الوطنية حتى تتحقق كرامة المواطن فدون هذه الثروة لا يمكن لنا الحديث عن كرامة للإنسان.
وأضاف شيخ روحه، في حديثه لنون بوست: “نتطلع لرؤية أشياء مقنعة وأن تتحمل الدولة ومؤسساتها وأعضاء البرلمان والحكومة مسؤوليتهم الكاملة والابتعاد عن التجاذبات السياسية الضيقة، والبحث عن الحلول الكفيلة بإخراج البلاد من أزمتها”.
ويقول بعض المتابعين للشأن العام في تونس إن حكومة يوسف الشاهد تبحث عن سند اقتصادي لها، لمساعدته في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بعد أن فقد السند النقابي وسند العديد من الكتل البرلمانية على رأسها كتلة حزب نداء تونس.
ويقدر حجم ميزانية الدولة بنحو 40.66 مليار دينار (14.52 مليار دولار)، وتطمح الحكومة إلى بلوغ نسبة نمو في حدود 3.1% في 2019، مقابل 2.6% منتظرة لهذا العام، وقدر البنك الدولي نسبة النمو المتوقعة لكامل 2018 بين 2.4% و2.6%.
…………….
المصدر: noonpost