خبير عسكري: الباتريوت نظام يفشل أمام الباليستي
ترجمة خاصة لوكالة الصحافة اليمنية
بقلم الخبير العسكري جوزيف سرينسيون
المصدر: مركز الدراسات العسكرية الأميركية ناشونال انتريست
لقد تبين أن التاريخ لا يعيد نفسه. إن الأنباء التي تؤكد بأن نظام باتريوت الأميركي المضاد للصواريخ فشل في إسقاط الصاروخ الباليستي الذي أطلقته القوة الصاروخية اليمنية على العاصمة السعودية الرياض في نوفمبر الماضي هو بالضبط نفس ما حدث عندما فشل نظام باتريوت بشكل مذهل في المملكة السعودية في حرب الخليج عام 1991.
ومثل ما تم تناقله عبر وسائل الإعلام في 1991 عبر تسريب المعلومات المسيطر عليها مسبقا من قبل الأنظمة الحاكمة، هو نفس ما تناقلته وسائل الإعلام اليوم. فقد تم تضليل الجمهور والمسؤولين من خلال ادعاءات سريعة كاذبة بنجاح اعتراض أنظمة الباتريوت للصواريخ الباليستية. ومثل ما تم في حرب الخليج حينها، حدث اليوم أيضا، حيث سارع المراسلون الصحفيون بنشر هذه المزاعم الكاذبة سريعا في وسائل إعلامهم على أنها الحقيقة دون تدقيق وتمحيص للمعلومات. وقد استغل النظام السعودي من نشر ادعاءات النجاح لأنظمة الباتريوت منذ أيام حرب الخليج وذلك لتبرير رفع ميزانية التسلح بالدفاعات الصاروخية الأميركية الزيادات الضخمة في ميزانيات الدفاع الصاروخي. ومن جهتها، استغلت الإدارة الأميركية كذب حلفائها السعوديين الأثرياء كدليل نجاح وروجت عبر وسائل الإعلام الأميركية فعالية أنظمة دفاعاتها الصاروخية الباتريوت.
الحقيقة المبنية على أدلة من أرضية الحدث هي أنه حتى اسقاط صواريخ بسيطة قصيرة المدى مثل سكود هو أمرٌ معقد للغاية. ومن الأسوأ من ذلك بكثير أن التجارب الاختبارية العسكرية الأميركية لم تنجح حتى الآن في اعتراض صاروخ واحد بعيد المدى من نوعية تلك الصواريخ التي تنتجها وتطلقها كوريا الشمالية في عمليات اطلاق تجريبية.
وبالمقارنة مع هذه الصواريخ المتطورة عابرة المحيطات، فإن صواريخ سكود المعدلة، مثل ذلك الصاروخ الذي أطلقه الجيش اليمني على مطار الرياض، وهو صاروخ كبير وبطيء في سرعته وعادة ما يتم اطلاقه من قواعد ثابتة على الأرض، فقد فشلت أنظمة صواريخ الباتريوت الدفاعية في اعتراض صاروخ اليمن الباليستي بسرعة ومن على مسافات بعيدة قبل أن يصل إلى مطار الرياض. فقوات الدفاع الصاروخية السعودية لم تتمكن من اعتراض صاروخ اليمن رغم إطلاق خمسه صواريخ باتريوت دفعة واحدة على الصاروخ الباليستي، وذلك وفقا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية مؤخرا، وأيضا بحسب شهادات لمحللين في معهد ميدليبري العسكري في مدينة مونتيري الأميركية.
لقد قضيت ما يقرب من العام أفحص أداء أنظمة باتريوت الدفاعية التي تم استخدامها في حرب الخليج وقدمت تقريرا مفصلا بذلك للجنة العمليات الحكومية الأميركية في عام 1992، وملخص التحقيق متاح هنا على شبكة الإنترنت في هذا الموقع ناشيونال انتريست.
تم تصميم صواريخ سكود ليطير حوالي ثلاثمائة كيلومتر. ولزيادة المدى، قام المهندسون العراقيون في عام 1991 بتطويل مدى هذه الصواريخ من خلال تخفيف حمولة الرؤوس الحربية. ويبدو أن هذا – تقريبا – ما فعله المهندسون اليمنيون لإنتاج الصواريخ الباليستية المعدلة “بركان إتش 2” التي يستخدموها في هجومهم على السعودية. وكنتيجة لهذا التعديل في تخفيف حمولة الرؤوس الحربية، فإن هذا يزيد من مدى نطاق الصاروخ إلى حوالي ستمائة كيلومتر، ولكن هذا التعديل يتسبب في زعزعة استقرار سرعة وثبات الصاروخ أثناء الطيران.
فمثلا في حرب الخليج، فإن إحدى عمليات الإطلاق قد سرعت صاروخ سكود إلى الخروج خارج الغلاف الجوي، حيث بلغ الصاروخ ذروته عند ارتفاع مئة كيلومتر تقريبا ثم سقط نحو الأرض. ولأن الصاروخ تم تعديله وتخفيف رأسه الحربي، فهذا نتج عنه أن يسقط الصاروخ على بطنه بشكل أفقي بدلا من أن يسقط عموديا على مقدمة رأس الصاروخ بسبب خفة وزنه بعد تخفيف كمية المتفجرات في الرأس الحربي للصاروخ.
ووفقا لبيانات أجهزة الكمبيوتر المربوطة بنظام باتريوت في حرب الخليج، فقد فشلت أنظمة كمبيوتر الباتريوت من تحديد موقع الصواريخ الباليستية بدقة واعتراضها. حيث عرضت شاشات الكمبيوتر المتحكمة في نظام باتريوت صورة لصاروخ باليستي واحد يطير في السماء ثم بعد لحظات قليلة ظهر هذا الصاروخ الباليستي وكأنه انشطر إلى صاروخين، ثم ظهر على شاشات الرادار صورة لعشرة صواريخ سكود تطير بسرعة خاطفة دفعة واحدة في السماء. لقد ظهر للمختصين والمهندسين الذين يجلسون في غرفة التحكم لنظام الباتريوت أن صاروخ سكود قد انشطر إلى عشرة صواريخ باليستية في نفس اللحظة مما أدى لإرباك كمبيوتر التحكم لنظام دفاع الباتريوت في إطلاق الصواريخ الدفاعية لاعتراضه، وهو الأمر الذي حدا بالمهندسين للتدخل فورا وإطلاق جملة من صواريخ الباتريوت دفعة واحدة لاعتراض كل صاروخ باليستي ظاهرا على شاشة الرادار عندهم، أو يشغلون النظام الأتوماتيكي لنظام الباتريوت فيطلق من نفسه عشرات الصواريخ لاعتراض صاروخ باليستي واحد.
أين المشكلة إذا؟ غالبا ما يفسر المراقبون المتخصصون بأن انفجار الرؤوس الحربية لصاروخ الباتريوت نفسه كدليل على أنها اعترضت هدفها. حيث صممت صواريخ الباتريوت لكي تنفجر من على بعد عشرات الأمتار قبل أن تصل إلى الهدف على اعتبار أن الشظايا قد تصيب الهدف وتفجره في الجو.
وفى حالة بعد حالة، يتم اطلاق صواريخ الباتريوت على حطام الصواريخ التي أطلقت مسبقا من نظام الباتريوت نفسه لتقوم الصواريخ الجديدة بتفجير حطام صواريخ الباتريوت التي انفجرت مسبقا قبل أن تصل إلى الهدف الحقيقي.
وهذا يربك الطاقم العامل على أنظمة الباتريوت، حيث يحصل الطاقم على إشارة صريحة واضحة عبر شاشة الكمبيوتر بأنه تم اعتراض وتفجير الصاروخ الباليستي في الجو. وإذا فشل الطاقم العامل على أنظمة الباتريوت في اعتراض الهدف الحقيقي فإنهم يرسلون فريق فني إلى مكان سقوط الصاروخ الباليستي للتحقق وفحص حطامه، وبعدها يؤكدون للمسؤولين بـأن صواريخ الباتريوت قد نجحت في اعتراض الهدف.
وهذا بالضبط ما بدا أنه حدث في الرياض. . . مرة أخرى صواريخ الباتريوت تعترض أهدافا كاذبة من حطام بعضها البعض بعيدا عن الهدف الحقيقي.