مسلمون على أعتاب الكونجرس: هكذا حشد ترامب الأقليات ضده
تقرير: وكالة الصحافة اليمنية يحل اليوم خريف انتخابي جديد على الولايات الأمريكية، تخيم عليه هذا العام سحب سياسية كثيفة نتيجة سياسات إدارة يعتقد كثير من أفراد الجالية المسلمة أنها تستهدفهم أو تجعلهم مطية لخطب ود أكثر الأجنحة تطرفًا في اليمين المتشدد، لذلك يخوض المسلمون الأمريكيون هذه الانتخابات بأعداد قياسية من مجالس المدارس إلى عضوية […]
تقرير: وكالة الصحافة اليمنية
يحل اليوم خريف انتخابي جديد على الولايات الأمريكية، تخيم عليه هذا العام سحب سياسية كثيفة نتيجة سياسات إدارة يعتقد كثير من
أفراد الجالية المسلمة أنها تستهدفهم أو تجعلهم مطية لخطب ود أكثر الأجنحة تطرفًا في اليمين المتشدد، لذلك يخوض المسلمون
الأمريكيون هذه الانتخابات بأعداد قياسية من مجالس المدارس إلى عضوية مجلس الشيوخ.
وعلى غير العادة، تبدي الجالية العربية والمسلمين الأميريكيين اهتمامًا غير مسبوق بانتخابات الكونغرس في كثير من المدن
الأمريكية، لا سيما مدينة ديترويت التي تعد معقلًا رئيسيًا للسكان المسلمين فى الولايات المتحدة، وتستعد لإيصال أول مسلمة إلى عضوية
مجلس النواب، كما تواجه العديد من المظالم التي أفرزتها إدارة ترامب أبرزها: حظر ترامب السفر وارتفاع حدة الكراهية للأقليات.
حيثما تكون الأقليات يكون الحزب الديمقراطي
تجرى انتخابات الكونغرس في منتصف ولاية الرئيس ويصوت فيها الناخبون الأمريكيون لاختيار 35 عضوًًا من أصل مئة، كما يصوتون لاختيار
كل أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435 نائبًا، كما يتم الاقتراع على حكام 36 ولاية و3 أقاليم بالإضافة إلى عدد من المقاعد
المحلية.
المفارقة أن العلاقة المتأزمة مع إدارة ترامب جعلت الكثير من المسلمين المنحدرين من أصول عربية يشعرون بالذنب بسبب التقاعس عن
التصويت في الانتخابات الماضية، بل يبدو أنها شكلت حافزًا لهم للحضور بقوة في هذا الموسم الانتخابي، بعد شعور الكثير منهم بخيبة
أمل كبيرة من سياسة الرئيس ترامب التي مست بشكل مباشر الجاليات المسلمة.
بدا ذلك في الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين التي جرت في أغسطس/آب الماضي، حيث خاض عدد قياسي من المسلمين الأميركيين السباق
الانتخابي في إطار الانتخابات التمهيدية للكونغرس الأمريكي، وسعى هؤلاء للترشح لانتخابات التجديد النصفي للكونغرس أو لشغل مناصب
حكومية على مستوى الولايات.
وزادت فرص مرشحي الأقليات في الفوز ممثلين عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات، فأكثر من 80% من سكان مدينة هامترامك بولاية
ميتشغان من الأقليات وخاصة المسلمة، وممثلوها يشكلون الأغلبية في المجلس البلدي ومن بينهم الأمريكي من أصل يمني سعد المسمري الذي
ترشح أيضًا في الانتخابات التمهيدية لشغل مقعد في كونغرس الولاية.
المشاركة الواسعة لمرشحين من المسلمين في الانتخابات تأتي في وقت وصلت فيه جرائم الكراهية ضد المسلمين إلى مستوى غير مسبوق،
فطريق الفوز في السباق بين المرشحين غير ممهد ومحفوف بكثير من المخاطر لا سيما من اليمين المتطرف، وقد واجهت الحملات الانتخابية
لبعض المرشحين تهديدات وأعمال تحريض، وهو ما يؤكد المساعى لمواجهة سياسات ترمب نحو المهاجرين والمسلمين منهم على وجه الخصوص.
وتؤكد المشاركة غير المسبوقة للعرب والمسلمين الأمريكيين في هذه الانتخابات تزايد وعي الجالية بدروس التاريخ الأمريكي المليء
بمعاناة الأقليات، ولم ينجح بعضها في تحويل مشاعر الإقصاء والمعاناة إلى نفوذ سياسي فاق أحيانًا نفوذا الأغلبية في المشاركة
السياسية الفعالة والنشيطة، وهنا يلتقي الكثير من العرب والمسلمين مع الأمريكيين في دعم مواقف الحزب الديمقراطي لقضايا الأقليات
وحقوق اللاجئين وظاهرة الإسلاموفوبيا، إضافة إلى الثورة السياسية التي يبشر بها لإصلاح النظام الديمقراطي في البلاد والحد من هيمنة
الأثرياء عليه.
ويرجع حدوث الزيادة الملحوظة في نسبة مشاركة مسلمي أمريكا في العملية السياسية إلى استغلال الحزب الديمقراطي إلى خوف الأقليات
على مصيرهم في ظل ما يتعرضون له من خطاب التحريض من قَبل مرشحي الحزب الجمهوري، كما يقدم الحزب الديمقراطي نفسه مدافعًا عن حقوق
الأقليات، لكن دعم الكثير من العرب والمسلمين لمرشحي الحزب الديمقراطي قد لا يكون كافيًا لضمان الاستيلاء على مقاعد الكونغرس أو
الوصول إلى إدارة البيت الأبيض، لكنه قد يكون كافيًا لإظهارهم ككتلة تصويتية مهمة وإبراز القضايا التي يقفون ويتوحدون خلفها.
مسلمون على أعتاب الكونغرس
نحو مئة مرشح ومرشحة من المسلمين خاضوا سباق الانتخابات التمهيدية في أنحاء البلاد لشغل مقاعد نيابية أو مناصب حكومية في مشاركة
قياسية تعززت بفوز غير مسبوق لمرشحتين مسلمتين هما إلهان عمر المرشحة لمقعد نيابي عن ولاية مينيسوتا ورشيدة طليب المرشحة لمقعد
نيابي عن ولاية ميتشيغان التي تضم ديترويت، المدينة الأكثر عددًا للسكان المسلمين فى الولايات المتحدة.
وبات شبه مؤكد وصول السيدتين المسلمتين للكونغرس الأمريكي، فالأولى من أصول صومالية والثانية فلسطينية الأصل، وقد ضمنت الأخيرة –
التى تبلغ 42 عامًا وتعمل محامية – مقعدها بالكونغرس لعدم وجود منافس لها، كما يشيد بها سكان ولاية ديترويت حيث تعيش، باهتمامها
بمشاكلهم وإيجاد حلول لها.
تؤكد رشيدة طليب المرشحة عن الحزب الديمقراطي التي سبق أن مثلت مقاطعتها في مجلس الولاية أن عملها الميداني الدؤوب وقربها من
مشاكل جيرانها هي العوامل التي أهلتها لنقل همومهم إلى العاصمة الفيدرالية، وهي الصفات التي أكدها كثيرون ممن عرفوها عن قرب،
وخلال أحد التجمعات الانتخابية لترامب طُردت لقيامها بمقاطعته وانتقاده، وعلقت طليب: “لا أعرف ما إذا كان مستعدًا لى”.
وكان على رشيدة طليب كجميع المرشحين العرب والمسلمين حشد التأييد لحملتها الانتخابية ومواجهة خطاب الكراهية المعادي للإسلام
والمسلمين، وتؤكد رشيدة أنه على الرغم من اختلافها العميق مع الرئيس ترامب، فإن الأمر الأهم بالنسبة لها هو خدمة مصالح من فوضوها
في الذهاب إلى واشنطن لتمثيلهم.
وعلى الرغم من ضمان مقعدها أصرت رشيدة طليب على مواصلة حملتها حتى آخر لحظة من خلال طلب دعم سكان مقاطعتها والاستماع إلى
مشاكلهم ومواطن قلقهم، فضمان رشيدة طليب مقعد تشريعيً وتاريخي كأول مسلمة عضوة في مجلس النواب الأمريكي تزامن مع رئاسة ترامب
وربما بسببها، لتحل بذلك محل النائب الديمقراطي جون كونيرز الذي ظل حكرًا على مقعد دائرة الكونغرس الـ13 بولاية ميشيغان منذ عام
1965 حتى ديسمبر/كانون الأول الماضي حين استقال بسبب اتهامات بالتحرش الجنسي.
وفى مينيسوتا تنتظر إلهان عمر – ذات الـ36 عاما التى هربت مع عائلتها من الصومال عندما كانت طفلة – دخول الكونغرس، ومن
المتوقع أن تفوز المرشحة الديمقراطية بمنطقتها التى تضم مينيابوليس، خلفًا لكيث إليسون أول مسلم ينتخب لعضوية الكونغرس.
ورغم وجود منافس جمهوري لإلهان عمر المسلمة المحجبة في ولاية مينسوتا، لكن دائرتها التي ترشحت لمقعدها ديمقراطية خالصة، ما
يعطيها حظوظًا كبيرة بالفوز، خصوصًا أنها تمكنت خلال الانتخابات التمهيدية من التغلب على 5 منافسين من الديمقراطيين وحصدت تأييد
48% من أصوات الناخبين، ما يفسح الطريق أمامها لأن تكون أول لاجئة مسلمة محجبة تدخل مجلس النواب الأمريكي.
أما محمود محمود الأمريكي من أصل مصري فيخوض سباقًا أكثر صعوبة في ولاية نيوجيرسي، حيث ترشح كمستقل على أمل أن يقنع ناخبيه بسجل سنوات من خدمة قدامى المحاربين والمهاجرين واللاجئين، لكن على خلاف محمود، ترشح أغلب المرشحين العرب والمسلمين على قائمة الحزب الديمقراطي الذي يقدم نفسه كمدافع عن حقوق الأقليات، وذلك لزيادة فرصهم بالفوز في سباقات على كل المستويات في المقاطعات والمدن والولايات.
أما محمد سيف الدين الأمريكي من أصل سوداني ينافس على مقعد في مجلس مدينة ألكسندريا بولاية فرجينيا، كان يشغله قديمًا جورج
واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة، وقد تغلب المهاجر سيف الدين على 13 منافسًا في الانتخابات التمهيدية، ويعزي بعض المحللين هذا
الارتفاع إلى حدّة خطابات ترامب بخصوص المهاجرين من جهة ورغبة المسلمين في تمثيلهم على الصعيدين المحلي و الوطني.
ويهتم المرشحون العرب والمسلمون بقضايا الهجرة والتعليم والتأمين الصحي والأجور والضرائب وغيرها من القضايا الحياتية الكثيرة
لمخاطبة ناخبيهم واستمالتهم، فالمشاركة تأتي في وقت تتنامى فيه قوة أقصى اليمين، وبلغت فيه جرائم الكراهية ضد المسلمين مستوى
غير مسبوق.
ترامب يحشد الأقليات ضده
أثارت قرارات حظر السفر التي أصدرها الرئيس الأمريكي وشملت مواطنين من دول ذات أغلبية مسلمة، موجة استياء واسعة بأمريكا، لا
سيما لدى الليبراليين والجماعات اليسارية والحقوقية والأقليات، بينما تلتزم إدارة ترامب الصمت إزاء مئات الحالات التي تضرر فيها
مواطنون أمريكيون ينحدرون من الدول المشمولة بالحظر وبينها سوريا وليبيا والصومال وإيران.
وقد نجح التحرك الشعبي والقانوني في إجبار الإدارة على تعديل القرار مرتين، وكان النجاح حافزًا لكثيرين لمواجهة نسخته الثالثة
عبر ترشح ممثلي الأقليات في الانتخابات، فقد بدأت الأقليات في الولايات المتحدة مؤخرًا التوجه نحو الانخراط في عالم السياسة، بعد أن
ظلت لفترة طويلة تقف على الحياد إزاء السياسات العنصرية التي تمارسها إدارة ترامب ضدهم.
ويأتي المسلمون في مقدمة الأطراف التي يستهدفها ترامب، إذ حظر الأخير دخول مواطني عدة دولة إسلامية إلى الولايات المتحدة، مشبهًا
إياهم بـ”المجرمين والإرهابيين”، ما دفع الأقلية المسلمة الأمريكية إلى التوجه نحو الحياة السياسية، لكونها الطريقة الأنجع في
إعلاء صوتها لمواجهة تلك السياسات العنصرية.
على سبيل المثال، تتخذ رشيدة طليب وإلهان عمر مواقف معارضة لترامب وحزبه الجمهوري، فهما تعارضان سياساته التي تفرض قيودًا على
الهجرة وتدعمان نظامًا عامًا للصحة يرفضه الجمهوريون، وتريدان إلغاء جهاز الشرطة الخاص بالهجرة الذي شن حملات عديدة في جميع
أنحاء البلاد أثارت الذعر بين المهاجرين الذين يخافون أن يتم إبعادهم، على غرار لاجئين عراقيين يقيمون منذ فترة طويلة في ولاية
ميشيغن.
وفي المجمل فإن الانتهاكات العنصرية بحق المسلمين في الولايات المتحدة تمثل نحو 4.4% من إجمالي الانتهاكات ضد الأقليات هناك، على
الرغم من أن تعداد المسلمين في الولايات المتحدة لا يتجاوز 1%، بحسب براين ليفين الباحث في علم الجريمة في مقال نشرته مجلة “ذي
كونفرزايشن” نقلًا عن “بي بي سي”. ”
وتُظهر الأبحاث الأمريكية أن أكثر من 90 أمريكيًا مسلمًا ـ أغلبهم من الديمقراطيين ـ يستعدون للمشاركة في انتخابات الكونغرس
النصفية، ويعتبر ذلك العدد من المرشحين المسلمين هو الأعلى من نوعه منذ أحداث 11 من سبتمبر/أيلول 2001 التي تعرضت فيها مؤسسات
اقتصادية وأمنية أمريكية لهجمات إرهابية بطائرات مدنية.
تأتي هذه التطورات التاريخية في وقت يتحدث فيه مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية “كير” عن زيادة بنسبة 21% في الجرائم ضد
المسلمين خلال النصف الأول من العام 2018، من هنا تسعى منظمة حركة تقوية المسلمين الأمريكيين المنخرطين “إمغيج” إلى تحفيز
المرشحين والناخبين المسلمين على وجه الخصوص للعب دور أكثر فعالية في مجال السياسة الأمريكية.
وعلى الضفة المقابلة لم يتوان منافسوه من الديمقراطيين عن استغلال ما يعتبرونه ارتفاعًا لوتيرة العنف المبنية على كراهية غير
البيض والمهاجرين الذين يقولون إن ترامب لعب دورًا رئيسيًا في تأجيجه على مدى العامين الأولين من رئاسته وما زال، بينما يبقى
رهان ترامب الذي دخل بثقله في الحملات الدعائية كبيرًا على تحقيق نصر في انتخابات هي بمثابة استفتاء على رئاسته.
……………………
المصدر: noonpost