قطر تشعل حرب الموانئ في القرن الأفريقي
تقرير: وكالة الصحافة اليمنية// في خطوة تعزز من الوجود القطري إفريقيًا، وبعد الاتفاق على بناء أكبر ميناء على البحر الأحمر في السودان نوفمبر 2017، أعلنت الدوحة البدء في بناء ميناء “هوبيو” في منطقة مدغن وسط الصومال، حسبما صرح وزير النقل والاتصالات القطري، جاسم بن سيف أحمد السليطي، أمس الجمعة، وفق ما نشرته وكالة الأنباء الصومالية. […]
تقرير: وكالة الصحافة اليمنية//
في خطوة تعزز من الوجود القطري إفريقيًا، وبعد الاتفاق على بناء أكبر ميناء على البحر الأحمر في السودان نوفمبر 2017، أعلنت الدوحة البدء في بناء ميناء “هوبيو” في منطقة مدغن وسط الصومال، حسبما صرح وزير النقل والاتصالات القطري، جاسم بن سيف أحمد السليطي، أمس الجمعة، وفق ما نشرته وكالة الأنباء الصومالية.
الاتفاق على هذا المشروع جاء في إطار الزيارة التي يقوم بها رئيس وزراء الصومال حسن علي خيري، للدوحة حاليًّا، التي أكد خلالها أن إعلان بناء قطر للميناء الهدف منه تحقيق أقصى استفادة ممكنة لشعب الصومال وحكومته، مثمنًا الدور الذي يقوم به القطريون لدعم بلاده.
خيري على هامش لقائه بالجالية الصومالية في الدوحة أشار إلى توقيع 8 اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع دولة قطر لتحقيق التنمية وتعزيز البنى الاقتصادية في البلاد، لافتًا إلى أن صندق قطر للتنمية سيبدأ تنفيذ عدة مشاريع تنموية مختلفة تشمل العديد من المجالات، فضلاً عن تعزيز التعاون في مجالات النقل البري والجوي وتفعيل التعاون الاقتصادي والتجاري والفني.
نجاح قطر في تعزيز حضورها الإفريقي وفق الدبلوماسية الجديدة التي تنتهجها منذ فرض الحصار عليها في يونيو/حزيران 2017 تعيد ملف صراع النفوذ على الموانئ في منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي مجددًا، لا سيما بعد الخسائر التي منيت بها كل من الإمارات والسعودية في هذا المضمار رغم المليارات التي تنفقها الدولتان لتحسين صورتيهما وشراء ولاءات القادة الأفارقة.
حرب الموانئ
نظرًا لما تمثله موانئ الشرق الأوسط والقرن الإفريقي من أهمية إستراتيجية كونها الشريان الرئيسي لحركة الملاحة الدولية والتجارة العالمية، وفي ظل حدة الصراع بين القوى الإقليمية والدولية لتوسيع دائرة النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي، تحولت هذه المناطق إلى دوائر صراع وتنافس ساخنة.
القرن الإفريقي تحديدًا – تاريخيًا – كان أحد أبرز العوامل التي ساهمت في تقاسم القوى الإمبريالية الكبرى للقارة الإفريقية منذ مؤتمر برلين عام 1885، إذ فرضت بريطانيا حمايتها على منطقة شمال الصومال لأجل إحكام السيطرة على ميناء بربرة الذي كان يزود عدن باللحوم والأطعمة، الوضع نفسه في كينيا وذلك بهدف إبعاد فرنسا عن منابع النيل من جانب، والحفاظ على مصالحها في السودان ومصر من جانب آخر.
وفي المقابل تسللت فرنسا واحتلت جيبوتي لتجد لنفسها ممرًا مائيًا ومنفذًا على البحر الأحمر، لتتدخل بريطانيا مرة أخرى موعزة لإيطاليا باحتلال إريتريا لقطع الطريق أمام تمدد النفوذ الفرنسي، لتتحول المنطقة إلى ساحة للصراع بين القوى الاستعمارية الكبرى آنذاك.
وفي حقبة الحرب الباردة، شهد القرن تنافسًا محمومًا بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، سابقًا، أودى إلى سباق تسلح بين الصومال وإثيوبيا، حينها حظي السوفييت بقاعدة عسكرية في ميناء بربرة، لكن سرعان ما طُردوا منهم على أيدي الأمريكان الذين تسلموا القاعدة بعد ذلك.
صراع النفوذ
خلال العقد الأخير على وجه الخصوص، تحولت منطقة القرن الإفريقي إلى ساحة للصراع، كل يدلي بدلوه، في محاولة لبسط قبضته على تلك الممرات ذات الأهمية الإستراتيجية، غير أن الأمور لم تسر وفق ما تتمنى بعض القوى رغم المبالغ الباهظة التي أنفقت لتعزيز الوجود.
إماراتيًا.. تعتبر شركة “موانئ دبي العالمية”، الذراع الملاحي لدولة الإمارات، أحد أكبر مشغلي الموانئ في العالم، حيث تشرف على إدارة أكثر من 77 ميناء عبر العالم، وقد سعت أبو ظبي لتمديد نفوذها في هذه المنطقة بصورة كبيرة خلال الأعوام القليلة الماضية نجحت في بعض المحاولات وأخفقت في الغالبية العظمى منها، وهو الحال ذاته مع السعودية.
وبالتوازي مع المساعي السعودية الإماراتية لتمديد النفوذ إفريقيًا، كانت إيران حاضرة وبقوة، حيث ذهبت إلى تعزيز وجودها الملاحي في المنطقة خاصة بعد سيطرتها على مضيق “هرمز”، وأحلامها في وضع يدها على مضيق “باب المندب” لأهميته الإستراتيجية القصوى باعتباره أهم خطوط التجارة الدولية بشكل عام وتجارة النفط من دول الخليج إلى العالم بشكل خاص.
كما برزت تركيا في السنوات الأخيرة كقوة لا يستهان بها في ذلك السباق، حيث حصلت في عام 2014 على حق إدارة وتشغيل ميناء “مقديشو” في الصومال، وتوسعت شمالاً في السودان حيث حصلت على حق تطوير وإدارة جزيرة “سواكن” السودانية ذات الأهمية الإستراتيجية التي تقع على الساحل الغربي للبحر الأحمر وهي واحدة من أقدم الموانئ في إفريقيا، وهو ما أثار قلق دول الخليج ومصر.
حتى دولة الاحتلال لم تترك هذا المضمار دون أن يكون لها دور، حيث استأجرت أرخبيل جزر “دهلك” الإريترية ذات الموقع الإستراتيجي المهم في مضيق باب المندب، هناك أقامت قاعدة عسكرية بحرية تعد هي الأكبر لدولة الاحتلال خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة.
هذا بخلاف الدور الأمريكي المحوري وانتشاره المكثف في منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، ورغم ذلك فإن وجوده البحري في هذه المناطق ينحصر فقط في قاعدتين عسكريتين بحريتين، إحداهما بالبحرين وفيها مقر الأسطول البحري الأمريكي الخامس، والأخرى بجيبوتي وتسمى قاعدة “ليمونيه” التي تعد المنفذ الأمريكي المباشر على مضيق باب المندب.
جدير بالذكر أن صراع الموانئ لم ينحصر فقط في هاتين المنطقتين، فهناك صراع من نوع آخر في عدد من المناطق الأخرى، بعضها ساخنة، فبعد تدخلها العسكري في سوريا، بدأت موسكو تجني ثمار تثبيتها لنظام بشار الأسد بعد أن كان على شفا الانهيار، ولعل أبرز هذه المكاسب إقامة قاعدة بحرية عسكرية دائمة بميناء “طرطوس” السوري.
كذلك ما بدأته باكستان بتنسيق وتمويل وتنفيذ صيني قطري في تطوير وتوسعة ميناء “غوادر” الباكستاني والبنية التحتية المرتبطة به والمتمثلة في ميناء جديد خاص بالحاويات وفنادق جديدة وأكثر من 2700 كيلومتر من السكك الحديدية السريعة وفائقة السرعة، وهو الميناء الذي ترى فيه أبو ظبي تهديدًا مباشرًا لها ولنفوذها الملاحي الدولي.
إفريقيا والدبلوماسية القطرية
ساهم الحراك الدبلوماسي الدؤوب لقطر في أرجاء واسعة من القارة الإفريقية في تعزيز مكانتها وترسيخ علاقاتها بدول القارة خلال الآونة الأخيرة، فخلال مدة لم تتجاوز ثلاثة أشهر (فبراير ومارس وأبريل 2017) زار أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني نحو تسع دول في شرق إفريقيا وغربها وشمالها وجنوبها.
الكاتب الصحفي السوداني عادل الباز في مقال نشرته الجزيرة لفت إلى أن الأحداثُ التي أعقبت فرض الحصار على قطر في يونيو/حزيران 2017 كشف أن الاستثمار القطري للقوة الناعمة في إفريقيا، لم يضع هباءً، ففي أول قمة للاتحاد الإفريقي – بعد فرض الحصار – أعلنت مؤسسة الاتحاد موقفًا محايدًا من الأزمة، رغم المجهودات الكبيرة التي بذلتها دول الحصار لمحاولة استقطاب دول إفريقية إلى جانبها.
وأضاف أنه من جملة 54 دولة إفريقية، لم تنحز إلى موقف دول الحصار سوى خمس دول (موريتانيا وإريتريا وجيبوتي والسنغال وتشاد)، ثم تراجعت مؤخرًا ثلاث منها (السنغال وتشاد وجيبوتي) عن موقفها السابق، وهو إنجاز – وفق الكاتب – يضاف إلى الدبلوماسية القطرية الجديدة التي انتهجتها في أعقاب الأزمة الخليجية.
الوساطة القطرية كذلك ساهمت في حلحلة الأزمة بين السودان وتشاد وتخفيف حدة التوتر بينهما وصولاً إلى المصالحة الكاملة، نفس الشيء بين إريتريا وجيبوتي إذ نجحت في إبرام اتفاقية سلام لتسوية النزاع الحدودي بين البلدين على جزيرة دميرة، وذلك في 2010، هذا بخلاف تجسير العلاقات بين الفرقاء الصوماليين، على هامش زيارة الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو للدوحة في مايو/أيار 2017.
مراقبون أرجعوا سر نجاح الدبلوماسية القطرية في أنحاء إفريقيا إلى ما تتمتع به من مرونة وحياد ونشاط فعال وثقة متبادلة، إذ اتبعت الدوحة سياسة خارجية خلاقة عبر الوسائل الناعمة التي اعتمدتها أداة لتحركها الدبلوماسي في القارة الإفريقية، بحسب ما نقله الباز في مقاله.
وفي السياق ذاته أكدت مفوضة الشؤون الاجتماعية بالاتحاد الإفريقي، أميرة الفاضل، أهمية الدور المحوري لقطر إفريقيًا، ففي تصريحات لها على هامش جولة أمير قطر الإفريقية في أبريل قبل الماضي (إثيوبيا وكينيا وجنوب إفريقيا) وصفت الدوحة بأنها تمثل أحد الشركاء الرئيسيين لإفريقيا وهي عضو مراقب بالاتحاد الإفريقي، ولسمو الأمير جهود فاعلة في منطقة شرق إفريقيا خاصة في القضايا الإنسانية، مشيرة إلى جهود قطر الرائدة في السودان والصومال.
لماذا تنجح قطر وتفشل الإمارات والسعودية؟
في مارس الماضي، مني المحور الإماراتي السعودي على الصعيد الإفريقي بحزمة من الضربات الموجعة، فبعد أيام قليلة من إعادة تشاد علاقتها الدبلوماسية مع قطر التي كانت قد قطعتها بضغوط سياسية واقتصادية خليجية، جاءت الضربة الأكثر إيلامًا حين ألغت حكومة جيبوتي عقد تشغيل مينائها مع شركة موانئ دبي الإماراتية.
الانتكاسات لم تتوقف عند هذا الحد، إذ دخلت أبو ظبي في نزاع سياسي مع حكومة الصومال، بعد إلغائها عقدًا أبرمته الإمارات مع حكومة شمال الصومال وإثيوبيا بشأن ميناء بربرة الإستراتيجي، دون أخذ الإذن من الحكومة الصومالية المركزية، ما دفع حكومة الصومال لتقديم شكوى عاجلة لجامعة الدول العربية ضد الإمارات.
وبينما تتقهقر الدولتان الخليجيتان فإن الخطوات القطرية تشهد حالة من الرخاء والتقدم داخل دول القارة، ولعل انتخابات اليونسكو الأخيرة كانت مثالاً حيًا لهذا النجاح، إذ ساهم الدعم الإفريقي في وصول المرشح القطري حمد بن عبد العزيز الكواري إلى التصفيات النهائية أمام مرشحة فرنسا أودري أزولاي، بعد أن ظل متصدرًا للسباق طيلة الجولات الأربعة الأولى من السباق.
انحسار النفوذ الإماراتي السعودي في مقابل القطري داخل إفريقيا أرجعه الكاتب المتخصص في الشأن الإفريقي وائل نصر الدين، إلى عدة أسباب، على رأسها تعالي القيادة السياسية في كلتا الدولتين على الأفارقة وتراجع هموم القارة في ترتيب قائمة أولويات القادة في أبو ظبي والرياض.
نصر الدين في مقال له كشف أن السعودية بالتحديد “لا تمتلك أي مشروع سياسي اليوم، وقد كانت تمتلك نفوذًا كبيرًا في إفريقيا، لا لأنها غنية كما تظن، بل لأنها كانت تحمل مشروعًا سياسيًا ودينيًا هو المشروع الوهابي، ووقت أن تخلت عنه السعودية فإنها انتهت عمليًا”، لافتًا إلى أن إفريقيا ليست وجهة مجدولة على أجندة سفريات العاهل السعودي أو ولي عهده على الإطلاق، في حين يقطع أمير قطر ورئيس تركيا إفريقيا شرقًا وغربًا كأكثر الرؤساء زيارة لإفريقيا.
إماراتيًا.. يشير الكاتب إلى أن أبناء زايد يعرفون ماذا يريدون جيدًا من إفريقيا، وهو ما يظهر في تدخلاتهم لتأجيج الحرب الأهلية في ليبيا، وما يفعلونه في الصومال من دعم تفكيكه وزعزعة استقراره، وذلك بتوقيع اتفاقية ميناء بربرة مع الإقليم الانفصالي رغمًا عن الحكومة الشرعية، كل هذا أدى إلى تأجيج مشاعر العداء لدى الإمارات في كثير من العواصم العربية، ومن ثم كان التراجع عن بعض الاتفاقيات المبرمة في السابق.
وفي المجمل.. فإن إعلان بناء قطر ميناء “هوبيو” وسط الصومال هو امتداد لنجاح الدبلوماسية القطرية التي استطاعت في وقت قصير أن تخترق أعمدة القارة وتنفذ إلى دواخلها بفضل ما تتبناه من رؤية وإستراتيجية مبنية على الاحترام المتبادل وتعزيز سبل التعاون دون تبني أجندات محددة تحول مناطق القارة الهادئة إلى آبار قابلة للاشتعال.
……………………..
المصدر:noonpost