مقالات وتحليلات (وكالة الصحافة اليمنية)
بالرغم من أنها جاءت بشكل خاطف ودون إعلان مسبق إلا أنها لم تكن مفاجأة وفقاً للظروف السياسية والعسكرية التي تمرّ بها سوريا، ومع ذلك يبقى لزيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى سوريا الأحد وقع خاص يشي بنقلة نوعية في طبيعة العلاقة مع سوريا على الأقل من الجانب العربي، الذي كان السودان أول مبادريه.
التكهنات حول زيارة الرئيس السوداني إلى سوريا كثيرة وتبقى في إطار الاحتمالات إلا أن هناك مجموعة من الحقائق لا يمكن تجاوزها دفعت من دون أدنى شك بالبشير للقدوم إلى سوريا ولقاء رئيسها بشار الأسد والدفاع عنها، حيث جاء في أول تصريح للبشير عقب الزيارة أن سوريا دولة مواجهة “وإضعافها هو إضعاف للقضايا العربية وما حدث فيها خلال السنوات الماضية لا يمكن فصله عن هذا الواقع وبالرغم من الحرب بقيت متمسكة بثوابت الأمة العربية”، حسب وكالة الأنباء السورية.
السودان لم تكن وحيدة في مغازلة دمشق فقد شاركتها تركيا ذلك ولكن بطريقة أقل وطأة على اعتبار أن الصراع مع دمشق مباشر ولا يمكن التنازل لها والاعتراف بالحكومة السورية دون الحصول على شيء تتمكن من خلاله بحفظ ماء وجهها بعد كل هذا الدعم المطلق لمعارضي الرئيس الأسد، ومع ذلك فقد خرج علينا السيد مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجيّة التركيّ، خلال “منتدى الدوحة” بتصريح قال فيه: إنه إذا فازَ الرئيس السوريّ بشار الأسد في انتِخابات ديمقراطيّة تحت إشرافٍ أُمَمِيٍّ، وذات مِصداقيّة، فإنّنا قَد نَتعامَل معه”، وأضاف: “لا بُدّ أن تَكون هُناك عمليّة ديمقراطيّة شفّافة، وفي النِّهاية الشَّعب السوريّ هو مَن سيُقَرِّر مَن يَحكُم بِلاده بَعد الانتِخابات”.
سبق السودان وتركيا وفود سعودية وإماراتية وأخرى أردنية ولكل منها عروضها المختلفة على دمشق التي على ما يبدو أنها صدقت عندما قالت: “إن الدول العربية التي قاطعت سوريا هي التي سوف تأتي إليها”، وها نحن نشهد جهوداً حثيثة لفتح السفارة الإماراتية في دمشق وقد يحصل الأمر ذاته مع بقية السفارات العربية والأجنبية تباعاً، ولكن يبقى السؤال ماذا يريد أردوغان والبشير من الأسد؟، وما سرّ زيارة الرئيس السوداني إلى دمشق على هذا النحو ودون سابق إنذار؟.
أولاً:
زيارة الرئيس السوداني اعتراف واضح وصريح بأن سوريا بقيادة الرئيس بشار الأسد تمكّنت من الحفاظ على هيكلها كدولة قادرة وقوية بمساعدة حلفائها، وبالتالي أدرك الجميع أنه لم يعد بالإمكان تجاوز هذه الدولة التي تمثل “قلب العروبة” وفهم الجميع أن جميع المعادلات تمرّ من دمشق وبالتالي لا بدّ من التعامل معها بشكل دبلوماسي وعلى أعلى مستوى لكي يتمكّن محاوروها من التوصل إلى نتائج مشتركة تخفف من الاحتقان الذين افتعله أغلب الذين يطلبون ودّ دمشق اليوم.
ثانياً:
ما قام به الرئيس البشير يعدّ أول خطوة صحيحة في مسيرة التعامل مع دمشق منذ 7 سنوات وحتى اللحظة، فدمشق لم تكنّ العداء لأحد ولم تتدخل بشؤون أحد، وما فعلته طوال السنوات الماضية كان يمثل صراعاً من أجل الوجود فهي لا تريد أن يحصل بها وبشعبها مثلما حصل مع دول مجاورة لها، وبالتالي كان “الانتصار على الإرهاب” هدف الجيش السوري منذ البداية وبالفعل حقق ما كان يصبو إليه، وتمكّن من الحفاظ على وحدة سوريا وأراضيها وما تبقّى من مناطق لا يعني أن دمشق غير قادرة على تحريرها وإنما لا تريد أن تكلّف جنودها والمدنيين مزيداً من الدم وتبحث عن حل سياسي يجنّب الجميع إراقة المزيد من الدماء.
ثالثاً:
قد يكون البشير يحمل رسالة عدة دول عربية وليس فقط “السودان” لأن الجميع أدرك اليوم أن تجاوز دمشق بأي معادلة قادمة في سوريا مصيره الفشل، الأمر ذاته أدركه الأكراد الذين اتجهوا لعقد جلسات حوار مع دمشق منذ عدة أشهر، فقيادة وحدات حماية الشعب الكرديّة التي تُسيطر على ما يَقْرب مِن نصف المَناطق السوريّة شمال شرق الفُرات، طلَبت مُساعدة القيادة السوريّة لحِماية المناطق التي تُسيطر عليها بعد إعلان الرئيس أردوغان عزم بلاده إطلاق حملة عسكريّة في غُضون أيّام لتخليص شرق الفرات مِن سيطَرة “الإرهابيين” في إشارة إلى قُوات الحماية الكردية.
رابعاً:
تركيا التي تهدد وتتوعد الأكراد اليوم قالت إنها مستعدة في حال نجح الرئيس السوري بشار الأسد في انتِخابات ديمقراطيّة تحت إشراف أُمَمِي، وذات مِصداقيّة للتعامل معه.
ولكن لا نعلم كيف يمكن لتركيا أن تتحدث بمثل هذه الطريقة وهي نفسها اقترحت على الرئيس الأسد منذ اليوم الأول من عمر الأزمة أن يقبل ضم عدد من رموز الإخوان المسلمين للحكومة مقابل دعم جهود وقف الاحتجاجات التي تجتاح البلاد، لكن الرئيس السوري رفض هذا الاقتراح، بحسب مصادر فرنسية، وأكد دبلوماسي غربي آخر أنه منذ حزيران/يونيو 2011 دعا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الرئيس السوري بشار الأسد إلى تشكيل حكومة يكون فيها ربع أو ثلث الوزراء من الإخوان المسلمين مقابل التزامهم باستخدام نفوذهم لوضع حدّ لحركة التمرد التي تهزّ البلاد.
إذن الجميع يعلم أن جميع الطرق الدبلوماسية تمرّ من دمشق ولكن كل طرف يبحث عن أفضل طريق وأقصر طريق له لتحقيق مصالحه، أما العرب فطموحهم احتواء سوريا من جديد عبر زيارات دبلوماسية ستكون بمثابة مقدمة للتقرّب من دمشق قبل إعلان نصرها الكبير وبهذا قد يجد هؤلاء منفذاً لهم قبل فوات الأوان، لكن كل ما سبق يبقى محكوماً بما تريده الحكومة السورية وما هي تطلعاتها لمرحلة ما بعد الأزمة.