أمر الرئيس الاميركي دونالد ترامب امس الاربعاء بسحب القوات الاميركية من كل الاراضي السورية زاعما أن جماعة “داعش” الوهابية هُزمت، ما أثار حالة من القلق واعتراضات داخل معسكره نفسه.
هذا الإعلان المفاجئ سيحدث تغييرا عميقا في ميزان القوى على الساحة السورية حيث لروسيا وزن كبير. وينتشر حاليا حوالي ألفي جندي أميركي في شمال سوريا لا سيما من القوات الخاصة وتدرب قوات كردية.
في الفترة الأخيرة حذر عدد من كبار المسؤولين الأميركيين من انسحاب متسرع يطلق يد روسيا وإيران حليفتي الرئيس بشار الأسد في سوريا.
ولكن ترامب أعلن الأربعاء أن “الوقت حان” لعودة الجنود الأميركيين الى الوطن. وزعم في رسالة بالفيديو بُثت على موقع تويتر عن القتال ضد “داعش” “لقد انتصرنا. لقد دحرناهم وأنزلنا بهم هزيمة قاسية. لقد استعدنا الأرض. لذا فإن أبناءنا، شبابنا من النساء والرجال سيعودون جميعا، وسيعودون الآن “.
وفي مواجهة الانتقادات التي جاءت من سياسيين جمهوريين وديموقراطيين على السواء، شدد ترامب في رسالته المسجلة على أن هذا هو التوقيت الصحيح لمثل هذا القرار.
وأكد ترامب مرارا خلال حملته أنه يريد سحب الجنود من سوريا لأن نشرهم هناك يكلف بلاده مليارات الدولارات، قائلا إنه ينبغي إيلاء الأمر إلى أطراف آخرين، ولا سيما الدول العربية في الخليج الفارسي
وأفاد مسؤول أميركي مطلع بأن عملية انسحاب قوات الولايات المتحدة من سوريا يتوقع أن تستغرق كحد اقصى 100 يوم.
وقال المسؤول، في حديث لوكالة “رويترز”، إن الأطر الزمنية لسحب كل القوات الأميركية من سوريا من المتوقع أن تبلغ من 60 إلى 100 يوم.
وأوضح المسؤول أن آخر الوحدات العسكرية للولايات المتحدة ستغادر سوريا بعد إنجاز المرحلة النهائية للعملية الأخيرة ضد “داعش” على الأرض السورية.
وعلى الصعيد الاوروبي قال توبياس إلوود وزير الدولة بوزارة الدفاع البريطانية، مساء الأربعاء، إنه لا يتفق مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن هزيمة تنظيم “داعش” في سوريا.
وأضاف أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مخطئ في قوله إن تنظيم “داعش” في سوريا قد هُزم. وتابع الوزير قائلا تنظيم “داعش” تحول إلى أشكال أخرى من التطرف، والتهديد لا يزال قائما بقوة”.
كما اعلنت الوزيرة الفرنسية للشؤون الأوروبية ناتالي لوازو أن فرنسا “تبقى” ملتزمة عسكريا في سوريا.
وقالت الوزيرة لشبكة “سي نيوز” ردا على سؤال حول قرار الانسحاب الأميركي “في الوقت الراهن، نبقى في سوريا”.
وأضافت الوزيرة أن “الحرب ضد الارهاب لم تنته”، مشيرة الى “الهجوم الإرهابى الذي وقع في ستراسبورغ” شمال شرق فرنسا وأودى بحياة خمسة أشخاص وخلف 11 جريحاً ما زال بعضهم في حالة خطرة.
وقالت إن الحرب ضد الإرهاب “حققت تقدما كبيراً، صحيح أنه كان هناك تقدم كبير في سوريا من خلال التحالف، لكن هذه المعركة مستمرة ، وسنواصل خوضها”.
ومن جانبها قالت فلورنس بارلي وزيرة الجيوش الفرنسية على تويتر إن “داعش لم يُزل من الخريطة، ولا جذوره انتُزعت. لا بد من القضاء عسكرياً بشكل قاطع على آخر جيوب هذه المنظمة الإرهابية” مع تأكيدها أنها “أضعف من أي وقت مضى”.
وقالت إن “داعش انتقل إلى العمل السري والقتال على طريقة حركات التمرد. فقد داعش أكثر من 90 بالمئة من الأراضي التي كان يسيطر عليها. لم تعد لدى داعش الخدمات اللوجستية التي كانت لديه سابقا”.
في سوريا، تشارك فرنسا في التحالف الدولي تحت قيادة أميركية عبر طائرات مقاتلة متمركزة في الأردن ومدفعية على الحدود العراقية مع سوريا لدعم قوات سوريا الديمقراطية وهي تحالف عربي كردي. ولم تؤكد فرنسا رسميا نشر قوات خاصة في الميدان، وفق ما قالت وزارة الدفاع الأميركية.
وقالت لوازو إن القرار الأميركي المنفرد “يجعلنا نفكر أكثر في الحاجة إلى الاستقلالية في صنع القرار والاستقلال الإستراتيجي في أوروبا. هذا يدل على أنه يمكن أن يكون لدينا أولويات مختلفة” عن الولايات المتحدة.
وقد يضع هذا إعلان الرئيس الاميركي سحب قواته من سوريا ، وحدات حماية الشعب الكردية في موقف صعب للغاية علما أنها تحارب بدعم من واشنطن تنظيم “داعش” في شمال سوريا بعد أن هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مجددا الاثنين الماضي “بالتخلص” من هذه القوات إذا لم يرغمها الأميركيون على الانسحاب من المناطق الحدودية.
وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية منظمة “إرهابية” مرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل ضد الجيش التركي على الأراضي التركية منذ عام 1984.
من جهته، اعلن رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ان كيانه تبلغ القرار مسبقا، موضحا ان حكومته ستدرس تداعيات الانسحاب الاميركي من سوريا لكنها “ستدافع عن نفسها” ضد أي أخطار محتملة.
وحتى الأسبوع الماضي كان مبعوث الولايات المتحدة للتحالف الدولي لمكافحة “الارهاب” بريت ماكغورك يؤكد أن الاميركيين سيبقون لوقت طويل في سوريا.
وقال للصحافة في واشنطن “حتى لو ان نهاية سيطرة الخلافة على الأراضي باتت في متناول اليد الان، فإن الانتهاء من تنظيم داعش سيستغرق وقتا أطول بكثير” لأن “هناك خلايا سرية” و”لا أحد من السذاجة لدرجة القول إنها ستختفي” بين عشية وضحاها.
وتابع ماكغورك “لا أحد يقول إن المهمة قد أنجزت. بالطبع لقد تعلمنا دروسا كثيرة. لذا، نحن نعرف أنه لا يمكننا فقط حزم الامتعة والرحيل بمجرد أن يتم تحرير الأراضي”.
ولطالما حذر وزير الدفاع جيم ماتيس من انسحاب متسرع و”ترك فراغ في سوريا يمكن أن يستغله نظام الأسد أو من يدعمه”.
وفي المعسكر الجمهوري، أعرب العديد من المشرعين عن أسفهم لقرار ترامب. وسارع السناتور ليندسي غراهام الى ابداء تحفظاته معتبرا عبر تويتر ان “انسحاب هذه القوة الاميركية الصغيرة من سوريا سيكون خطأ فادحا”.
وقال السناتور المحافظ بن ساس في بيان لاذع إن جنرالات الرئيس ليس لديهم “أدنى فكرة من أين جاء هذا القرار”.
واعتبر زميله ماركو روبيو ان هذا القرار الذي اتخذ رغم تحذيرات العسكريين يشكل خطأ “سيظل يطارد أميركا لأعوام”.
وعلى صعيد اكراد سوريا قالت المتحدثة باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، جيهان أحمد، إن القوات لا تعتمد بالأساس على أية جهة وإنما تعتمد على قدراتها الذاتية وعلى شعبها.
وقالت المتحدثة باسم “قسد” تعليقا على إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا وترك “قسد” لمصيرها أمام القوات التركية: “قسد لا تعتمد بالأساس على أية جهة وإنما على قدراتها الذاتية وعلى شعبها، وقد قلنا مرارا أننا سنواجه التهديدات التركية، وستكون حرب موت، وسنواجهها بقوة”.
وتابعت “الشعب متأهب لهذه التهديدات وسيقاوم (حروب أردوغان)، الذي يسعى لإطالة عمر تنظيم “داعش” الإرهابي في ريف دير الزور على وجه الخصوص، مضيفة: “داعش” في آخر جيوبه الآن، ولذلك تحاول تركيا القيام بعملية إلهاء لقوات “قسد”.
وختمت المتحدثة بالقول “الشعب هو الذي سيحدد النتيجة ببقائه أو عدم بقائه”.
وعلى الصعيد السوري أكد أمين سر مجلس الشعب السوري، خالد العبود، أن انسحاب القوات الأميركية من سوريا لم يتم نتيجة لتسوية أو صفقة أو مفاوضات بين سوريا والولايات المتحدة وأوروبا، ولكن بسبب صمود الدولة السورية.
وقال العبود في تصريح له : الذي حصل في إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا، أن الدولة السورية بصمودها وقدرتها على إنجاز تحالفاتها الإقليمية والدولية بتضحيات شعبها وذكاء قيادتها استطاعت أن تسقط العدوان”.
وأضاف أن “سوريا الآن هي مفتاح استقرار المنطقة وهي رافعة استقرار الإقليم، ويجب الانتباه أن أميركا منيت بهزيمة كبيرة على مستوى المنطقة تحديدا على الساحة السورية الأمر الذي أدى إلى استدارة تترجم الآن واقعيا وموضوعيا وبشكل حقيقي من خلال استدارة الأدوات على المستوى الإقليمي”.
وتابع “ليس بداية بزيارة الرئيس السوداني ولا انتهاء بتصريحات الأميركي عن الانسحاب وإنما هناك هزيمة حقيقية للعدوان بكليته انعكس ذلك على أدوات إقليمية وأطراف إقليمية، وكذلك مصداقية هذه الاستدارة وهذا الصمود وهذا الفشل للأميركي أرغمه على الإعلان عن انسحابه من سوريا، نتيجة هزيمته لأنه لم يعد يملك مفتاحا واحدا في الجغرافيا السورية”.
وقال إن “الأميركي لم يستطع أن يستثمر في أدوات الفوضى التي هزمت، ولم يستطع أن يرتب منصة ضاغطة في سوريا على القرار السوري وقرار حلفاء سوريا، لم يكن أمامه بدءا من الإعلان عن خروجه من أراضي سوريا لأن وجوده أصبح عبئا عليه.
كما شكك عضو مجلس الشعب السوري، بطرس مرجانة بانسحاب القوات الاميركية من سوريا وقال “الفعل هو الأساس لا الأقوال”، مشيرا بهذا الخصوص إلى أن تصريحات واشنطن حول سحب القوات الأمريكية من سوريا لا يعول عليها.
وقال رئيس لجنة الشؤون العربية والخارجية في المجلس: “الفعل هو الأساس وليس التصريح، لأنه خلال الحرب على سوريا التصريحات كانت كثيرة ومتناقضة، أما الفعل فكان قليلا جدا، وهذا يندرج تحت التصريح حتى يبدأ الانسحاب من الأماكن التي يوجدون فيها في سوريا، معتبرا أنه إذا كان تصريحا صحيحا، فإنه اعتراف بأن سوريا انتصرت”.
ولفت مرجانة إلى أنه سبق، وأن صرحت الولايات المتحدة منذ نحو 4 إلى 5 أشهر، بأن أيامها أصبحت معدودة في سوريا، ولكنها لم تنسحب، “ورأينا كيف تضرب هجين في شرق الفرات وكيف يقصف طيرانها أهالي دير الزور”.
وأضاف مرجانة: “هذه التصريحات لا يعول عليها، إلا عندما تبدأ خطوات عملية على الأرض بالانسحاب”.
ورأى مرجانة، أنه ممكن أن يكون هناك رابط قوي بين الإعلان الأمريكي والتهديدات التي يطلقها النظام التركي بشن عدوان على مناطق شرق الفرات.
ونوه النائب السوري إلى أن الأكراد، قد خسروا الرهان الذي كانوا يعولون عليه ألا وهو أمريكا: “أقول للأكراد الذين عولوا على أمريكا الآمال الكبيرة، هو إنذار لهم بالدرجة الأولى. هم خانوا وطنهم. الولايات المتحدة ليس عندها كبير، عندها مصالح وناس توظفهم بالوكالة، وعندما ينتهي دورهم تتخلى عنهم بأبسط الأمور وبأسهل الطرق وليس لديها مشكلة. العميل يبقى عميلا والاستغناء عنه سهل دائما”.