ستراتفور: لماذا تحتضن السعودية القومية كبديل للدين؟
الخليج//وكالة الصحافة اليمنية// بدأت المملكة العربية السعودية، المعروفة منذ زمن بعيد بالمجتمع والثقافة والحكومة الغارقين في سياسات إسلامية محافظة، بإدخال قومية جديدة تسمح بالتعبير المحدود للديانات الأخرى. وتأمل الملكية من خلال تشجيع القومية الأوسع، أن تخلق مساحة للإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي تركز على التحديث، والتي تعد عنصرا أساسيا في خطة “رؤية 2030” الأوسع نطاقا. لكن […]
الخليج//وكالة الصحافة اليمنية//
بدأت المملكة العربية السعودية، المعروفة منذ زمن بعيد بالمجتمع والثقافة والحكومة الغارقين في سياسات إسلامية محافظة، بإدخال قومية جديدة تسمح بالتعبير المحدود للديانات الأخرى. وتأمل الملكية من خلال تشجيع القومية الأوسع، أن تخلق مساحة للإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي تركز على التحديث، والتي تعد عنصرا أساسيا في خطة “رؤية 2030” الأوسع نطاقا. لكن في حين أن تقليص دور الإسلام “المتشدد” في المملكة سيكون له فوائده، فإن إقامة مناخ أكثر علمانية يخاطر كذلك باستدعاء المقاومة الوطنية لسياسات الحكومة المحلية، وفرض قيود على السياسة الخارجية السعودية.
توظيف الدين
كانت السياسة السعودية، المعتمدة تقليديا على الإسلام “المتشدد،” قوية جدا لدرجة أن الحكومة قامت بتهميش أو قمع جميع الديانات الأخرى. ومنذ تأسيس المملكة عام 1932، شكل مزيج من الروابط القبلية وروابط القرابة والأيديولوجية الدينية الأساس للعلاقة بين الحكام والمواطنين السعوديين، مما ساعد النظام على مواجهة التحديات الناجمة عن المناطق المتباينة والطوائف والجماعات العرقية التي غزاها آل سعود لتأسيس دولتهم.
وفي معظم القرن العشرين، نظرت المملكة العربية السعودية إلى القومية التي تعطي الأولوية للولاء للدولة والنظام بدلا من الدين بوصفها تهديدا. وفي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، شعرت الرياض بهلع متزايد من القومية العربية التي تبناها رئيسها “جمال عبدالناصر”، والتي استهدفت في كثير من الأحيان الأنظمة الملكية. وتسببت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وحصار المسجد الحرام في مكة في العام نفسه، في تغذية مخاوف العائلة المالكة السعودية، وهذه المرة كانت التهديدات تتمثل في الإسلاميين المتشددين. لذا، ولتجنب أي تحد إسلامي، فقد منحت المملكة امتيازات خاصة لرجال الدين الإسلاميين المحافظين، الذين كانوا يتمتعون بتأثير قوي، في مقابل استخدام تأثيرهم لضمان ولاء السكان.
لكن بحلول أوائل القرن الحادي والعشرين، بدأت المنافع الاستراتيجية للإسلام المتشدد في الوصول إلى أقصى حدودها، خاصة بعد أن اجتذبت السعودية الانتقاد بسبب تشجيعها للأصولية في نظامها التعليمي في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول. وفي عهد الملك “عبدالله”، أدخلت المملكة سياسات تهدف إلى بناء نوع جديد من القومية السعودية، بحيث تبقى مرتبطة بأسرة “آل سعود”، ولكن مع التأكيد على التاريخ والرموز والطقوس الخاصة بالسعودية بدلا من تلك الإسلامية. وتم تصميم هذه العلامة من القومية السعودية كطريقة جديدة لتوحيد القبائل والمذاهب المتباينة في المملكة، ومحو الاختلافات السابقة التي نجح الدين في تحييدها إلى حد كبير.
والآن، تقوم المملكة بإيماءات خفية من التسامح مع ممارسي الديانات الأخرى، وتوسع قوميتها إلى أبعد من ذلك. وقد التقى القادة السعوديون مع الزعماء الإنجيليين والكاثوليك والأرثوذكس في الولايات المتحدة طوال عام 2018. وفي مايو/أيار، وقعت الرياض اتفاقية للسماح للكنيسة الكاثوليكية الرومانية في نهاية المطاف ببناء كنائس في المملكة. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، عقد ولي العهد السعودي، الأمير “محمد بن سلمان”، اجتماعا رفيع المستوى مع الإنجيليين الأمريكيين في الرياض. وأخيرا، في شهر ديسمبر/كانون الأول، وللمرة الأولى على الإطلاق، سمحت الرياض بأول ممارسة للشعائر الدينية الأرثوذكسية المصرية وقد تم عقدها في منزل مغترب مصري. وتشير هذه التطورات المشتركة إلى انخفاض قوة الإسلاميين الذين كانوا قادرين في السابق على قمع الممارسة المسيحية في المملكة، ومنع العلاقات الرسمية للرياض مع الكنائس المسيحية.
لماذا القومية؟
في هذه المرحلة من تاريخها، تتمتع القومية بمنافع أقوى للدولة السعودية من فوائد الممارسات الدينية المحافظة. ويضعف ربط الهوية بالجغرافيا من قوة الإسلاميين غير السعوديين وقدرتهم على التأثير في البلاد. وفي الثقافة القومية، لن تمثل الهجمات اللفظية من قبل الإسلاميين الأتراك والمصريين والإيرانيين انتقادات بارزة لإخوانهم المسلمين، بل سيتم النظر إليها كتدخلات أجنبية غير مرحب بها في الشؤون الداخلية للبلاد.
والأهم من ذلك هو أن القومية تسمح لأفراد العائلة المالكة بالحد من تحديات السياسة الداخلية القائمة على الآراء الدينية، مما يضعف جهود الطعن في شرعيتهم في الوقت الذي يحتضنون فيه سلوكيات غير مسبوق، مثل التفكير في علاقات لم تكن متصورة مع (إسرائيل). ويقلل هذا أيضا من قدرة رجال الدين المحافظين على الاعتراض على بعض الإصلاحات الاجتماعية في المملكة، مثل الاختلاط بين الجنسين، وتشجيع النساء على العمل والقيادة، وتشجيع أشكال الفن والترفيه.
وبالنسبة لأهداف السياسة الخارجية للمملكة، تعد القومية أداة مفيدة، خاصة عندما يتعلق الأمر برغبة الرياض في إعادة تشكيل الشرق الأوسط بشكل يخدم مصالحها. وبدلا من الاعتماد على الولاء القبلي أو الإعانات المالية، يمكن للحكومة السعودية أن تستخدم الكبرياء الوطني لتحفيز المواطنين على اتباع سياساتها، والتصدي للدعاية من المنافسين، مثل الرسائل القادمة من تركيا أو إيران، التي تحث السعوديين على رفض سياسات حكامهم أو تقويضها، حيث يمكن رفضها بسهولة باعتبارها مؤامرات أجنبية.
وفي حين كان التباين بين الإسلام السعودي والجماعة الدينية المسيحية في الولايات المتحدة، منذ فترة طويلة، عنصرا معقدا في العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، يوضح اجتماع “بن سلمان” مع الزعماء المسيحيين موقفا أكثر استرخاء تجاه المسيحية تأمل المملكة أن يسهم في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. وقد أضعفت القصص حول قمع مظاهر العبادة غير الإسلامية علنا في المملكة من صورة السعودية، لذا فإن العكس يعالج هذا الأمر ويقيد المتشددين؛ كما يشجع الفكر القومي على التوسع في المدارس والإعلام والفن.
ومن منظور تاريخي، فسوف يكون السرد الذي يؤكد على الهوية الجغرافية العربية للمملكة، بدلا من كونها مسلمة بحتة، في بعض النواحي، عودة إلى شكلها القديم قبل مجيء الإسلام في القرن السابع، حيث كانت المجتمعات المسيحية تنتشر في مقاطعة الحجاز الغربية، كما تواجدت الأديرة على طول الساحل الشرقي للجزيرة العربية. وقد أغلقت الحكومة السعودية لعقود موقعا أثريا مسيحيا واحدا تم اكتشافه عام 1986 خارج “الجبيل” وإذا استمرت المملكة في تقليص القيود المفروضة على المسيحية، فقد تعترف بهذا التاريخ بشكل أكثر علنية، مما سيمكنها من إنشاء جذور أعمق للهوية الوطنية.
تعقيدات القومية
وعلى الرغم من أن القادة السعوديين يأملون أن يؤدي التوسع في القومية إلى الحد من التدقيق في السلطة الملكية، فإن الفكر القومي نفسه، وخاصة عندما يعتنقه المواطنون العاديون بشكل كامل، قد يحل محل الدين كمنطلق لمساءلة الحكام ومحاسبتهم. وقد كان الملوك السعوديون السابقون ينظرون إلى الفكر القومي على أنه خطر على الملكية المطلقة، مفضلين الإسلاميين الهرميين والمتوقعين نسبيا عن القوميين الأكثر ابتكارا وإبداعا في القرن العشرين. وقد يتحدى الدفع الجديد للقومية السعودية النظام الملكي بالطريقة التي أراد حكام القرن العشرين تجنبها.
وتدعو مطالبة السعوديين بالولاء للمصالح الوطنية إلى زيادة تفاعل المواطنين مع بعض الأسئلة الشائكة مثل ما هي بالضبط المصالح الوطنية، وهو سؤال احتكرت العائلة المالكة إجابته. ومع تصاعد النزعة القومية،س يصبح الرأي العام السعودي أكثر تعقيدا، وأقل حماسا للأدوات القديمة، بما في ذلك المساعدات والشرعية الدينية.
وبالإضافة إلى ذلك، إذا كانت النزعة القومية سوف تخاطر بإظهار الهويات المحلية المكبوتة، أو التي تم تهميشها. وجدير بالذكر هنا أن أماكن مثل القطيف، التي يهيمن عليها الشيعة في المنطقة الشرقية، وعسير في الجنوب الغربي، والحجاز، التي تستضيف مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، جميعها لها هويات محلية قد تستدعيها القومية، وقد تنتصب ضد قيام الدولة بفرض الرموز والطقوس والثقافة النجدية.
ماذا يعني المزيد من القومية؟
سوف تترك النزعة القومية المتنامية النظام السعودي مع قيود أكثر تعقيدا لفرض سلطته؛ حيث سيكون لدى المواطنين آراء متنوعة ومتطورة، وسيكونون أقل خضوعا في علاقتهم مع حكومتهم. وبينما يمكن للمملكة الآن استخدام الدعم والإعانات المالية لشراء الولاء، سيجد الزعماء السعوديون المستقبليون أن الأدوات التقليدية لن تكون كافية لتحفيز السعوديين على معارضة ما قد يرونه مصالح وطنية أو تأييد ما يرونه ضارا بمصالحهم. وقد يدعم الجمهور تحركا أكبر ضد الخصوم التقليديين مثل إيران، وقد يطالبون أيضا باتخاذ إجراءات ضد الدول التي يُنظر إليها على أنها تهين الوطن، حتى لو كان ذلك يعني المخاطرة بالتحالفات القديمة.
وفي نهاية المطاف، لن يخلق ظهور القومية السعودية مجتمعا يتمتع فيه النظام الملكي بسلطة وامتياز غير مراقبين، بل سيخلق مجتمعا تقوده مجموعة من الأولويات والمصالح.
المصدر/ستراتفور