بالنظر إلى سجل ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» للسياسة الخارجية، فهناك احتمال كبير أن تغريه الاحتجاجات – واسعة النطاق – المناهضة للحكومة في إيران للدخول في مغامرة جديدة، والشروع في حلقة جديدة من مستنقعاته الإقليمية المتعددة، التي تشمل الحرب المدمرة في اليمن، والجهود الفاشلة لإجبار رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» على الاستقالة.
ويواجه «بن سلمان» – من نواح كثيرة – نفس الاعتبارات التي قد تشكل كيفية الاستجابة للأحداث في إيران التي يواجهها الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب». ولن يختار «ترامب» في هذا الشهر فقط ما إذا كان الامتثال للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، ولكن أيضا ما إذا كان سيتم التخلي عن العقوبات الأمريكية على إيران. ومن شأن قرار إعادة فرض العقوبات الاقتصادية أن يعني انسحابا أمريكيا من الاتفاق.
وقد يرى «ترامب» و«بن سلمان» في محاولة تعزيز الاحتجاجات في إيران فرصة لاحتواء الجمهورية الإسلامية على الأقل، وربما هندسة وضع ما من شأنه أن يفضي إلى تغيير النظام.
الاتفاق النووي
وقالت «سوزان مالوني»، خبيرة شؤون إيران بمعهد بروكينغز: «السيناريو الأكثر احتمالا هو أن تعزز الأدلة على عدم الرضا الشعبي والقمع الحتمي من موقف إدارة ترامب بشأن الاتفاق، مع توفير حوافز إضافية لتخفيف الضغط الاقتصادي على الحكومة، كما قد يرى ترامب في الاحتجاجات فرصة لتحويل وجهة نظر الأوروبيين، إذا كانت الحملة شرسة ومنظمة بشكل جيد»، وكان «ترامب» قد سبق وحث أوربا على عدم إبرام الاتفاق النووي.
وسعى الرئيس الإيراني «حسن روحاني» – على النقيض من المتشددين – إلى التواصل مع المتظاهرين، من خلال الاعتراف بحقهم في الانتقاد، فيما أدان العنف، ووعدهم بمعالجة مظالمهم الاقتصادية.
وقد يكون «روحاني» قادرا على معالجة بعض القضايا، مثل المؤسسات المالية الفاسدة التي حرمت البلاد الكثير من مدخراتها، ولكنه سيكافح من أجل إصلاح القضايا الاقتصادية الهيكلية للبلاد، بما في ذلك قوة المؤسسات المتشددة، مثل الحرس الثوري الإيراني. وقد يكون أيضا قادرا على إضفاء الطابع المؤسسي على حق الاحتجاج ودعمه في القانون. لكن معالجة المسائل الاقتصادية ستكون أكثر صعوبة إذا انسحب «ترامب» من الاتفاق النووي.
لكن في نهاية المطاف، من المرجح أن تفقد الاحتجاجات الزخم مع الوقت، لأن النظام يحد من إمكانية الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وقد يلجأ إلى سحق الاحتجاجات بوحشية كملاذ أخير، أو لأن الضغوط الخارجية المتزايدة ستوحد الفصائل المتناحرة، وتعزز خيبة الأمل – واسعة النطاق – من الاتفاق النووي، الذي فشل في توفير منافع اقتصادية ملموسة لأغلبية الإيرانيين.
استغلال «بن سلمان»
وتلوح في الخلفية المخاطرة بأن يسعى «بن سلمان» – مع أو بدون دعم أو تعاون أمريكي – إلى استغلال مشاكل الحكومة الإيرانية، من خلال محاولة زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية، عن طريق إثارة الاضطرابات بين جماعات الأقليات العرقية مثل الأكراد والبلوش. وكانت مدينة كرمانشاه – وهي مدينة تقع في غرب إيران ذات الأغلبية الكردية – واحدة من أولى المدن التي انتشرت فيها الاحتجاجات بعد اندلاعها لأول مرة في مدينة مشهد، معقل المحافظين.
وكانت السعودية قد دفعت مبالغ كبيرة من المال خلال الأشهر الـ 18 الماضية إلى الجماعات المسلحة والمدارس الدينية في إقليم بلوشستان الباكستاني، الذي يحد منطقة سيستان وبلوشستان الإيرانية، التي يسكنها سكان البلوش المضطربين. وكان مركز أبحاث مقره الرياض يعتقد أنه مدعوم من قبل «بن سلمان» – في العام الماضي – قد نشر مخططا لتحريك الاضطرابات بين البلوش الإيرانيين.
وقد أعرب «ترامب» – ووزارة الخارجية الأمريكية – في الأيام الأخيرة عن تأييده للمتظاهرين، وحث المجتمع الدولي على التحرك، وقال إنه يجب مساعدة الإيرانيين الذين يسعون إلى الانتقال السلمي للحكومة.
وقد جادل العديد من المحللين الأمريكيين بأن سجل «ترامب» المناهض لإيران، بما في ذلك محاولته حظر منح تأشيرات دخول الإيرانيين، يحد من تأثير دعمه للمتظاهرين، بل قد يعزز المتشددين من خلال السماح لهم بتوجيه أصابع الاتهام بتحريض أجنبي مزعوم.
وبدلا من التحدث، اقترح المحللون خطوات ملموسة قد تتخذها الولايات المتحدة لدعم المتظاهرين. واقترحت «مالوني» والصحفي «مازيار بهاري» أن تستخدم الولايات المتحدة نفوذها في مجال التكنولوجيا ومزودي خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية وشركات وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام، لمحاولة إبقاء قنوات اتصال المحتجين مفتوحة.
وقال مسؤول وزارة الخارجية السابق «رضا ماراشي» إن المشورة التي قدمها – وآخرين – عام 2009، عندما واجهت الحكومة الإيرانية احتجاجات أكبر بكثير ضد تزوير مزعوم للانتخابات، لا تزال صالحة في الوضع الحالي.
وقال «ماراشي»: «ننصح رؤساؤنا بالتعبير عن قلقهم إزاء العنف ضد المتظاهرين، وإبراز أهمية احترام حرية التعبير، والعملية الديمقراطية، والمعارضة السلمية. وشددنا أيضا على ضرورة أن تعبر الحكومة الأمريكية علنا عن احترامها للسيادة الإيرانية ورغبتها في تجنب تدخل أمريكا في احتجاج إيراني داخلي، وإيمانها بأن الأمر يرجع إلى الإيرانيين لتحديد قادة إيران».
وقد تجاهلت إدارة «ترامب» الكثير من هذه المشورة. وبذلك لم تسمح الإدارة فقط لـ «روحاني» – والمتشددين – باستخدام الدعم الأمريكي كبش فداء، بل عززت فكرة المؤامرة، ولا سيما مع دخول السعوديين على الخط وتركيز التعليقات على دعوات تغيير النظام.
وأضاف: «سيكون من الحكمة أن تعترف واشنطن بحدود سلطتها داخل إيران. ولا يمكن لصانعي السياسات أن يغيروا من هذه الحقيقة البسيطة، وهي أن المشاكل إيرانية، والمحتجون إيرانيون، والحل سيكون إيرانيا».
وكالات