تقرير خاص//وكالة الصحافة اليمنية//
تمر الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب بفترة متقلبة من السياسة الخارجية، الأمر الذي لم يؤدي فقط إلى مفاقمة حالة الالتباس والغموض وإعاقة الحلول البناءة لمشاكل السياسات الدولية، بل انه سيؤدي أيضاً إلى تدمير الأرضية المشتركة القائمة بين واشنطن والكثير من حلفائها في منطقة الشرق الأوسط.
ترامب الذي وصف نفسه بأنه الرئيس الأمريكي الأقوى، لم يذهب بسياساته وتوجهاته نحو ترجمة وتجسيد ما يحاول إقناع الأمريكيين به بقدر ما اتجه لنسف كل ما صنعه سابقيه من نجاحات على مستوى السياسات الأمريكية وإدارتها للكثير من الملفات في منطقة الشرق الأوسط.
فعلى سبيل المثال شهدت العلاقات الأمريكية التركية تميزا وشراكة غير مسبوقة في تبادل الأدوار في إدارة الكثير من الملفات والسيناريوهات التي تستهدف منطقة الشرق الأوسط، وعلى وجه التحديد التي تستهدف الدول العربية، والتي ترجمتها تركيا وتحولت إلى حاضنة وراعية لها، ابتداء بما سمي بثورات الربيع واسقاط الأنظمة والجيوش العربية وانتهاء بتبني وتمويل وتفريخ الجماعات الارهابية وتوجيهها لتنفيذ السيناريوهات الأمريكية في المنطقة.
لكن الحسابات التركية ومراهناتها على توسيع نفوذها السياسي والعسكري في المنطقة تحت المظلة الأمريكية اصطدم بسياسات ترامب المتناقضة والتي نسفها إعلان البيت الأبيض سحب الولايات المتحدة قواتها من سوريا.
القرار الأمريكي وصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنه “منفصل عن أي سياق استراتيجي و أي سبب منطقي” كلف وزير الدفاع الأمريكي منصبه، وأثار جدلا واسعا من قبل حلفاء للولايات المتحدة مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا.
وكانت مجموعة الصراع الدولية (ICG) توقعت في بيان نشرته في 5 ديسمبر – كانون الأول بأن الانسحاب “المتسرع” من شمال شرق سوريا من شأنه أن يطلق قوى متنافسة تتصارع لتحقيق الامتيازات، وتحذر من أن “عدم وجود اتفاق مسبق متفاوض عليه يمكن أن يهدد بنشوء صراع متصاعد”.
ورأت “التايمز” أن الانسحاب سيكون له وقعاً مختلفا على الأطراف بحسب مصالحها في الوجود الأمريكي في المنطقة، وبحسب علاقتها مع الولايات المتحدة، ووضعت قائمة لمن اعتبرتهم الرابحين والخاسرين في معادلة الانسحاب.
وباعتبار تركيا طرفا خاصا ضمن سياق الصراع الدائر في المنطقة، فهي لا تندرج بيسر ضمن مجموعة الحلفاء ولا مجموعة الأعداء، وحقيقة كونها حليفا أمريكيا وعضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) أبقاها طيلة الأعوام السابقة تحت رحمة المساومات، خاصة فيما يتعلق بمسألة الأكراد، عدو تركيا الأول.
ومع تشكّل انتصارات الجيش العربي السوري ومحور المقاومة في سوريا، بدأت تداعيات الإنجازات تظهر في الأفق، ومن أهمها التراجع التركي الذي كان من أهمّ المساهمين في هذه الحرب بفضل دعمه للجماعات المسلحة تحت عنوان “المعارضة السورية” والتي أصبح واضحا اليوم أنها جماعات ارهابية ممولّة ومدعومة اقليميا ودوليا.
ورغم أن النزاع الأخير بين أنقرة وواشنطن بدأ في ظاهره خلافاً حول قس مسجون، إلا أن المشكلة تعود إلى عهد أوباما، وتتمثل في تعامل واشنطن مع حزب العمال الكردستاني والمنظمات التابعة لحركة غولين المعارضة.
كما ان أهم اسباب النزاع بين تركيا وأمريكا يكمن في مواصلة الأخيرة تقديم الدعم للأكراد السوريين الذين يحاربون تنظيم داعش الإرهابي.
اذ بدأت الشراكة بين الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب الكردية والميليشيات العربية السورية -المعروفة حالياً باسم قوات سوريا الديمقراطية- منذ عدة سنوات تحت قيادة الرئيس السابق باراك أوباما، واستمرت إدارة الرئيس دونالد ترامب الحالية بدعم قوات سوريا الديمقراطية التي يبلغ عدد أفرادها 50 ألف جندي كقوة محاربة لداعش في شمال سوريا.
لكنَّ تركيا ترى أن هذه القوات تشكّل خطراً كبيراً؛ بسبب انتمائها إلى حزب العمال الكردستاني الذي نظّم تمرداً دموياً داخل تركيا قبل ثلاثة عقود، فتسببت هذه المصالح المتعارضة بحدوث تصادم بين واشنطن وأنقرة، ولم تنجح الخطة الأمريكية بالتأثير على تركيا، فقد قامت طائرات حربية تركية بضرب وحدات حماية الشعب الكردية والميليشيات العربية السورية ومواقع لحزب العمال الكردستاني على جانبي الحدود السورية-العراقية.
وفي الوقت الذي اعتقد أردوغان أن التهديد الذي يشكله تنظيم داعش الإرهابي على تركيا يمكن أن يتم تداركه، وأن تركيا إذا تغاضت عن وجود التنظيم في سوريا، فإن داعش لن يشن هجمات على تركيا. ثبت أنّ هذا الاعتقاد لا أساس له من الصحة؛ إذ أسفر تفجير تبناه التنظيم في 20 تموز عام 2015 عن مقتل 33 شخصاً وجرح أكثر من 100 آخرين في مدينة سوروك الجنوبية في تركيا، وكان العديد من الضحايا من الأكراد الأتراك، وبعد عدة أيام قام مسلحون من حزب العمال الكردستاني بقتل اثنين من رجال الشرطة التركية مدعين أن هذا الهجوم هو انتقام من تركيا التي تتآمر مع داعش.
واعتبر محللون وسياسيون أتراك أن الشروط الأمريكية التي طرحها مستشار الأمن القومي جون بولتون خلال زيارته لأنقرة مؤخرا، وأهمها عدم شن تركيا عملية عسكرية ضد الميليشيات الكردية في شمال سوريا، أظهرت مرة أخرى عدم صدق نوايا واشنطن تجاه أنقرة.
وأكدوا أن لقاء بولتون والمستشار الخاص للرئيس التركي، إبراهيم كالن، لم يسفر عن نتائج ملموسة، “لأن الطرفين أخفقا في إقناع بعضهما بعضاً بالحاجة إلى تقديم تنازلات متبادلة حول قضية منبج، والأراضي الواقعة شرق نهر الفرات، ومكافحة الإرهاب في المنطقة، وما إلى ذلك.”
وأشاروا إلى أن مسألة الميليشيا الكردية السورية ليس نقطة الخلاف الوحيدة بين أنقرة وواشنطن، حيث لم يتوصل البلدان بعد إلى حل وسط بشأن مصير فتح الله غولن، وشراء تركيا أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية المتطورة S-400 ومحاكمة النائب السابق لمدير خلق بنك التركي في الولايات المتحدة، ولم تتخذ أي خطوات محددة بشأن أي من هذه القضايا من أجل حلها.