الخليج/ وكالة الصحافة اليمنية//
ساعدت مجموعة من الهاكرز الأمريكيين، الذين سبق لهم العمل لوكالة الاستخبارات الأمريكية، دولة الإمارات في التجسس على مذيعة بقناة “بي بي سي”، ورئيس مجلس إدارة قناة الجزيرة، وشخصيات إعلامية بارزة أخرى أثناء المواجهة المتوترة التي اندلعت بين الإمارات وحلفائها من جهة، ودولة قطر من جهة أخرى.
وعمل العملاء الأمريكيون في مشروع “ريفين”، وهو برنامج استخباراتي إماراتي سري، يتجسس على المنشقين والمقاتلين والمعارضين للدولة الخليجية.
وكشف تحقيق أجرته رويترز في يناير/كانون الثاني عن وجود مشروع ريفين، والأعمال التي تمت خلاله، بما في ذلك التجسس على صحفي وناشط بريطاني، والعديد من الصحفيين الأمريكيين الذين لم يتم الكشف عن هويتهم.
ووجد المشاركون في مشروع “ريفين” -الذي ضم ما لا يقل عن 9 موظفين سابقين في وكالة الأمن القومي والجيش الأمريكي- أنفسهم في خضم نزاع شديد الخطورة بين حلفاء أمريكا الخليجيين.
ويسلط دور العملاء الأمريكيين في الأزمة الإماراتية – القطرية، الضوء على كيف أن المسؤولين السابقين في المخابرات الأمريكية أصبحوا لاعبين رئيسيين في الحروب الإلكترونية للدول الأخرى، في ظل قليل من الرقابة من قبل واشنطن.
واندلعت الأزمة في ربيع عام 2017، عندما اتهمت الإمارات العربية وحلفاؤها، بما في ذلك السعودية ومصر، قطر بزرع الاضطرابات في الشرق الأوسط من خلال دعمها لوسائل الإعلام والجماعات السياسية.
وطالب معسكر الإمارات قطر باتخاذ سلسلة من الإجراءات، بما في ذلك قناة الجزيرة الفضائية الممولة من قطر، وسحب التمويل من وسائل إعلام أخري تدعمها الدوحة، واتخاذ إجراءات صارمة (تضيق الخناق) على جماعة “الإخوان المسلمون”، وهي حركة إسلامية تعتبرها بعض الحكومات العربية بمثابة تهديد.
وفي يونيو/حزيران 2017، قطع معسكر الإمارات العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وفرض حصارا جويا وبريا وبحريا على الدولة الصغيرة، لقد كانت مواجهة غير مسبوقة بين الدول العربية التي كانت تحظى بتوافق آراء تاريخي.
وفي هذا الأسبوع، انطلق عملاء مشروع “ريفين” للقيام بعملهم، وشنوا عمليات لاختراق أجهزة أيفون لعشرة صحفيين ومديرين تنفيذيين على الأقل، يعتقد أن لديهم صلات بالحكومة القطرية أو جماعة “الإخوان المسلمون”، وفقا لوثائق البرنامج التي استعرضتها “رويترز”، و4 أشخاص شاركوا في تلك الأنشطة.
واستهدف مشروع “ريفين” شخصيات إعلامية عربية، منهم مذيعة بي بي بي سي في بيروت، ورئيس مجلس إدارة قناة الجزيرة، ومنتج من قناة فضائية مقرها في لندن أسسها عضو في جماعة “الإخوان المسلمون”.
وكان الهدف من ذلك، على حد قول عملاء مشروع “ريفين” السابقين، هو العثور على مواد تظهر أن العائلة المالكة في قطر تؤثر على تغطية قناة الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام، واكتشاف أي روابط بين الشبكة التليفزيونية المؤثرة و”الإخوان المسلمون”.
ولم تتمكن “رويترز” من تحديد البيانات التي تحصل عليها عملاء مشروع “ريفين”.
ولطالما أكدت “الجزيرة” أنها مستقلة عن حكومة قطر، وقال الملحق الإعلامي لسفارة قطر في واشنطن، “جاسم بن منصور آل ثاني”: “إن حكومة قطر لا تطلب أو تسأل أو تفرض على الجزيرة أجندة على الإطلاق، الجزيرة تعامل مثل أي منبر إعلامي محترم”.
ولم ترد وزارة الخارجية الإماراتية وسفارتها في واشنطن على طلبات التعليق، ورفضت وكالة الأمن القومي الأمريكي التعليق، كما رفضت المتحدثة باسم وزارة الدفاع التعليق.
وقالت السفيرة السابقة للولايات المتحدة الأمريكية في قطر، “دانا شل سميث”، إنه أمر منذر بالخطر أن خبراء سابقين بالاستخبارات الأمريكية كانوا قادرين على العمل لحكومة أخرى في استهداف حليف أمريكي.
وقالت إن على واشنطن الإشراف على نحو أفضل من ذلك على القراصنة (خبراء التسلل) المدربين من قبل الحكومة الأمريكية، بعد مغادرتهم مجتمع الاستخبارات.
وذكرت “سميث” لـ”رويترز”: “هؤلاء الأشخاص بما لديهم من مهارات، لا ينبغي أن يتمكنوا بقصد أو بدون قصد من تقويض المصالح الأمريكية أو مخالفة القيم الأمريكية”.
جدول زمني للأحداث
وعلمت “رويترز” أنه بعد أن فرضت السعودية والإمارات والبحرين حصارا على قطر، ضاعف مشروع “ريفين” من وتيرة هجماته الإلكترونية على قطر، والأهداف الإعلامية.
العملاء الأمريكيون تمكنوا من اختراق هواتف أيفون لـ10 شخصيات إعلامية، وهكذا أصبحت مجموعة من المرتزقة الأمريكيين متورطة في أزمة إقليمية بين حلفاء الولايات المتحدة المقربين.
وكانت من بين الصحفيين العرب الذين تعرضوا للاختراق، وفقا لما تظهره وثائق مشروع “ريفين”، “جيزال خوري” مقدمة برنامج المشهد الذي تبثه قناة “بي بي سي” العربية، ويجري البرنامج مقابلات مع زعماء من الشرق الأوسط للتعليق على الأحداث الراهنة.
وبعد 3 أيام من بدء الحصار، قام عملاء مشروع “ريفين” باختراق هاتف أيفون الخاص بها، وتظهر وثائق برنامج “ريفين” أنه جرى استهدافها بسبب اتصالاتها مع “عزمي بشارة”، الكاتب الذي يتخذ من الدوحة مقرا له، وانتقد الإمارات وأسس شبكة أخبار “العربي الجديد”.
وقالت “خوري” في مقابلة بعد أن أبلغتها “رويترز” بعملية الاختراق: “إنهم (الإماراتيون) بحاجة لأن يقضوا وقتهم في تحسين بلدهم واقتصادهم، وليس على اختراق هاتف جيزال خوري”.
كما تم استهداف مقدم برنامج “الجزيرة” الشهير “الاتجاه المعاكس”، “فيصل القاسم”، وفقا للمقابلات ووثائق المشروع.
ويستضيف مقدم البرنامج ضيوفا يناقشون بحرارة موضوعات مثيرة للجدل مثل الفساد في حكومات الشرق الأوسط، وقد أبلغته “رويترز” بعملية الاختراق التي تعرض لها.
وقال “القاسم” إنه لم يندهش بأنه جرى استهدافه من قبل الإمارات، التي يتهمها بأنها “رمز للفساد والسياسة القذرة”، وأضاف: “باختصار إنهم يخشون من الحقيقة”.
واستهدف عملاء “ريفين” أيضا، هاتف الأيفون الخاص برئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية، “حمد بن ثامر آل ثاني”، ورفض المتحدث باسم “الجزيرة” التعليق.
ونفذت الهجمات باستخدام أداة تجسس متطورة تسمى “كارما”، وكما ذكرت “رويترز”، تتيح “كارما” لعملاء “ريفين”، الدخول عن بعد إلى هواتف آيفون، من خلال إدخال رقم الهاتف المستهدف أو حساب البريد الإلكتروني المقترن بالهاتف على نظام استهداف آلي.
غير أن “كارما” لا تحتاج إلى أن يضغط الهدف على رابط يتم إرساله إلى جهاز الآيفون، ورفضت شركة “آبل” التعليق على الأمر.
وأتاحت “كرما” لعملاء “ريفين” الوصول إلى جهات الاتصال، والرسائل والصور، وغيرها من البيانات المخزنة على أجهزة آيفون، ولم تتح لهم مراقبة المكالمات الهاتفية.
وحينما اخترق عملاء “ريفين”، الأجهزة المستهدفة، لم يتمكنوا من الوصول لكامل البيانات المجمعة، وقاموا بنقل ما عثروا عليه إلى مسؤولي المخابرات الإماراتيين الذي يشرفون على العملية، ولم يتم التبين ما هي المعلومات التي وجدوها.
وفي يناير/كانون الثاني، سئل وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية “أنور قرقاش”، من قبل المراسلين في نيويورك عن مشروع “ريفين” بعد التقرير الأولي لـ”رويترز”، وأقر بأن بلاده لديها “قدرة إلكترونية”، لكنه لم يتناول المشروع على وجه التحديد، ونفي استهداف مواطنين أمريكيين أو دول تجمعها ببلاده علاقات طيبة.
وأنشأت الإمارات مشروع “ريفين” في العام 2009 بمساعدة متعاقدين ممن كانوا يعملون في المخابرات الأمريكية ومسؤولين كبار آخرين ممن عملوا في البيت الأبيض في إدارة “جورج دبليو بوش”، وامتنع مجلس الأمن القومي الأمريكي عن التعليق على هذا المشروع.
في البداية كان الهدف هو تضييق الخناق على الإرهاب بمساعدة الإمارات في مراقبة ذوي الأفكار المتطرفة في المنطقة، لكن الوثائق تبين أن مهمة المشروع سرعان ما توسعت لتشمل المراقبة وقمع مجموعة من خصوم الإمارات السياسيين.
واستهدف المشروع بين ما استهدف قطر التي تتهمانها الإمارات والسعودية منذ مدة طويلة بدعم المعارضة السياسية في أنحاء المنطقة من خلال وسائل من بينها تمويل الحكومة القطرية لقناة الجزيرة.
وخلال احتجاجات الربيع العربي في 2011 اعتبرت دول خليجية التغطية الواسعة التي نفذتها قناة الجزيرة للمظاهرات محاولة متعمدة من جانب قطر لتعزيز المعارضة لحكامها.
وقالت “إليزا كاتالانو أيوارز”، المستشارة السابقة لشؤون المنطقة بمجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس السابق “باراك أوباما” إن قناة الجزيرة “اعتُبرت أداة لتأجيج الاضطرابات الشعبية”.
وقال الرئيس التونسي السابق “المنصف المرزوقي” الذي انتخب عام 2011 بعد إطاحة انتفاضة الربيع العربي بالرئيس “زين العابدين بن علي” إن تغطية قناة “الجزيرة” للاحتجاجات “كان لها أثر نفسي هائل” على المتظاهرين.
وأضاف أن التغطية كانت بمثابة رسالة للمحتجين أن “هذه المعركة تحدث في كل مكان ولستم وحدكم”.
وقال “القاسم” مقدم البرامج الذي اخترق المشروع “ريفين” هاتفه إن قناة الجزيرة تقدم كل الآراء دونما رقابة، وأضاف: “يمكن للشارع والشعب العربي أن يقرر ما هو الصواب”.
وبدافع التوجس من نمو نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة بعد احتجاجات 2011 شنت الإمارات حملة على عشرات الإسلاميين المشتبه بهم وكثيرون منهم أدينوا بالتخطيط للإطاحة بالحكومة.
وفي 2014 أعلنت الإمارات رسميا جماعة الإخوان والجماعات المنتسبة لها محليا منظمات إرهابية.
كما استغل الإماراتيون المشروع “ريفين” في مسعى احتواء المعارضة في الداخل وذلك وفقا لما قاله عاملون سابقون في المشروع ولوثائقه.
وفي السنوات التي أعقبت انتفاضات الربيع العربي تزايد تكليف العاملين في مشروع “ريفين” باستهداف ناشطي حقوق الإنسان، وصحفيين ممن كانوا يشككون في الحكومة.
في يونيو/حزيران 2017 وبعد أن بدأت دول خليجية مقاطعتها لقطر صعدت الإمارات جهودها للتجسس على صحفيين كانت هناك شواهد على أن لهم صلات بقطر.
وفي ذلك الشهر توسعت مهمة المشروع “ريفين” فيما يتعلق بقطر فزاد عدد المكلفين بالعمل في تلك المهمة من اثنين متفرغين لها إلى سبعة.
وتبين وثائق المشروع أن العاملين في “ريفين” اخترقوا في 20 يونيو/حزيران هاتف الآيفون الخاص بـ”عبدالله العذبة”، رئيس تحرير صحيفة “العرب” أقدم الصحف القطرية.
وفي مقابلة مع “رويترز” قال “العذبة”، إنه يعتقد أنه تم استهدافه “لأنني مؤيد للربيع العربي منذ البداية”، ولأنه انتقد الإماراتيين مرارا على معارضتهم لهذه الحركة.
واستخدم العملاء أداة التجسس “كارما” في استهداف الهواتف المحمولة لشخصيات إعلامية أخرى كانت الإمارات تعتقد أن قطر تدعمها بما في ذلك صحفيون بمنفذين إعلاميين عربيين يعملان انطلاقا من لندن هما “التلفزيون العربي” و”الحوار”، وللشبكتين قنوات باللغة العربية لها شعبية في الشرق الأوسط.
وقال المتحدث القطري “آل ثاني” إن الحكومة لا تدعم “التليفزيون العربي” ولا قناة “الحوار” ولا صحيفة “العرب”.
ويتبع “التلفزيون العربي” والموقع الإلكتروني الذي يحمل الاسم نفسه شركة فضاءات ميديا المحدودة التي تتخذ من لندن مقرا لها ويملكها رجال أعمال قطريون ويدعمونها.
وقال “عبدالرحمن الشيال” مدير “التليفزيون العربي”، إن هذا المنفذ الإعلامي يعتبر نفسه صوت العرب “العلمانيين والليبراليين والمؤيدين للديمقراطية”.
وتبين وثائق المشروع “ريفين” أن هاتف “الشيال” وهاتفي اثنين آخرين من العاملين في “العربي” تعرضت للاختراق في الأسابيع التي تلت بداية المقاطعة.
وقال “الشيال” في مكالمة هاتفية: “هو اتجاه مقلق للغاية أن تستخدم دولة كل هذه الأشياء للتجسس على من ينتقدونها، أنا لست إرهابيا ولا أعمل بغسل الأموال”.
كما تم استهداف “بشارة” مؤسس “العربي الجديد”، وقال لـ”رويترز”، إنه يعتبر منفذه الإعلامي “مستقل نسبيا” في إطار العالم العربي.
وأضاف “بشارة” المسيحي الفلسطيني الذي يعيش في قطر: “لا أحد يحدد لنا ما نقوله” رغم أنه “في بعض الأحيان قد تشعر الصحيفة بحساسية مما لا يصح أن يقال لأنك لست موجودا هناك لاستفزاز الناس الذين يمولونك”.
واستهدف المشروع “ريفين” قناة “الحوار” الفضائية في اليوم الذي بدأت فيه مقاطعة قطر، وقال “عزام التميمي” مؤسس قناة “الحوار” إنه يعتقد أن الإمارات تخشى تأييد قناته للإصلاح السياسي ونشر الديمقراطية في العالم العربي.
وعلى النقيض من الآخرين الذين استهدفهم المشروع “ريفين” فإن قناة “الحوار” لا تنفي تعاطفها مع جماعة الإخوان المسلمين التي قال “التميمي” إنه يؤيدها “لأنها الضحية”.
وقال “التميمي” لـ”رويترز” إنه عضو قديم في الإخوان المسلمين ومن أنصار حركة حماس الفلسطينية.
وامتنع “التميمي” عن قول ما إذا كانت القناة تحصل على أموال من الحكومة القطرية لكنه قال إنه يقبل أي دعم بشرط ألا يكون مشروطا، وقال إن القناة تتيح المجال لمجموعة من الآراء وتشجع الحوار، لكن ثمة قيودا.