تحليل : وكالة الصحافة اليمنية//
على عجل ودون انتظار نتائج أي تحقيقات، أو الحصول على أي دليل ملموس، وبمعزل عن جيرانها في دول الاتحاد الأوروبي، تبنت بريطانيا رواية حليفتها الكبرى الولايات المتحدة في تحميل إيران مسؤولية الهجوم على ناقلتي النفط في خليج عُمان.
واستهدف هجوم مجهول، يوم الخميس الماضي، ناقلتي نفط خلال مرورهما عبر خليج عُمان، ووقع الحادث بعد نحو شهر من استهداف 4 سفن تجارية بأعمال “تخريب” مماثلة أمام سواحل ميناء الفجيرة الإماراتي، وألقت الولايات المتحدة باللوم على إيران في الحادثين.
واستندت بريطانيا في توجيه اتهاماتها إلى إيران حول استهداف ناقلتي النفط في خليج عُمان إلى تقديرات استخبارية، دون عرض أي وثائق تؤكد صدق اتهامها، وهو ما يجعل تلك الادعاءات تدخل في طور المناكفات السياسية وإرضاء الحلفاء.
وجاء الاتهام البريطاني على لسان وزير خارجيتها جيرمي هنت، من خلال قوله إن النظام الإيراني يقف بشكل “شبه مؤكد” وراء الهجمات التي وقعت في 13 يونيو الجاري في خليج عُمان.
وأضاف هنت في بيان له: “لدينا لقطات فيديو لما حصل، وقد رأينا أدلة، ولا نعتقد أن أي جهة أخرى تقف وراءه”.
ويقصد هنت بلقطات الفيديو ما نشرته البحرية الأمريكية، الجمعة الماضي، من تسجيل مصور يظهر الحرس الثوري الإيراني يزيل لغماً لم ينفجر من جانب إحدى ناقلتي نفط تعرضتا لهجمات في خليج عمان.
وقالت البحرية الأمريكية في تعليق على الفيديو الذي نشرته على صفحتها “بتويتر”: “فيديو سجلته طائرة أمريكية لدورية بقارب من فئة غاشتي تابع للحرس الثوري الإيراني ينزع لغماً لاصقاً غير منفجر من على السفينة كوكوكا كوريغس”.
ويأتي الموقف البريطاني الجديد المساند للولايات المتحدة بعد أيام من زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لبريطانيا في بداية يونيو الجاري، ولقائه برئيسة وزرائها، تيريزا ماي.
ومن قلب لندن أكد ترامب أن بلاده وبريطانيا متفقتان على ضرورة التأكد من أن إيران لن تطور أسلحة نووية، معتبراً أن انتشار السلاح النووي الإيراني “أكبر تهديد للعالم حالياً”.
وذكرت تيريزا ماي أنها ناقشت مع الرئيس الأمريكي “خطر إيران على العالم، وزعزعتها للاستقرار، وبرنامجها النووي”.
وطالب ترامب، في المؤتمر الصحفي أيضاً، لندن وواشنطن باستغلال الفرصة للتوصل إلى اتفاق تجاري “جوهري للغاية” بمجرد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وأبدى ترامب موقفاً متناسقاً مع الحكومة البريطانية؛ حيث حثها على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، وهو ما يدلل على متانة العلاقات الأمريكية البريطانية على المستوى السياسي، مخالفاً موقف غالبية الدول الأوروبية التي تطالب المملكة المتحدة بالتراجع عن قرارها.
ولم يكتفِ ترامب بالتصريحات المؤيدة لسياسة بريطانيا، إذ وعد بإبرام بلاده “اتفاق تجاري مهم للغاية” مع المملكة المتحدة.
علاقات استراتيجية
الباحثة السياسية رشا العزاوي أكدت أن الولايات المتحدة وبريطانيا تجمعهما علاقة استراتيجية وتاريخية وثيقة وعميقة، بالرغم من اختلافهما بشأن الاتفاق النووي الإيراني.
وتقول العزاوي، في سلسلة تغريدات عبر حسابها في موقع “تويتر”: “العلاقات العسكرية الأمريكية البريطانية متجذرة بعمق، وأي عمل عسكري أمريكي ضد إيران سيتطلب مساعدة بريطانية مباشرة أو غير مباشرة”.
وتضيف: “في الخليج قد يبدو الوجود البريطاني العسكري قوة صغيرة، ولكنها مختصة من كاسحات الألغام، والتي ستكون مطلوبة جداً لمواجهة الألغام الإيرانية”.
بريطانيا تخالف العالم
وجاء موقف لندن من هجوم ناقلتي النفط مخالفاً تماماً لموقف الاتحاد الأوروبي، الذي دعا على لسان وزيرة خارجيته، فيديريكا موغيريني، إلى تفادي “الاستفزازت” في المنطقة بعد الحادث، الذي لم تتضح ظروفه بعد، وهو ما يعد رفضاً لاتهام إيران، وموقفاً بعيداً عن الاتهامات البريطانية.
وقالت موغيريني: “لا تحتاج المنطقة إلى أسباب جديدة مزعزعة للاستقرار ومسببة للتوتر، ومن ثم تجدد الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي دعوتها لأقصى درجات ضبط النفس وتفادي أي استفزاز”.
وعلى عكس بريطانيا، شككت ألمانيا بمقطع الفيديو الذي نشرته الولايات المتحدة، مؤكدة أنه لا يكفي لإثبات أن إيران تقف وراء الهجوم على ناقلتي النفط في خليج عُمان.
وقال وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، للصحفيين خلال زيارة للعاصمة النرويجية أوسلو: “نستطيع أن نفهم ما يُعرض بالطبع، لكن بالنسبة لي هذا لا يكفي لوضع تقييم نهائي”.
كذلك، خلافاً لموقف الأمم المتحدة التي دعت إلى تحقيق مستقل في ما حصل في خليج عُمان، وتأكيدها ضرورة الوقوف على الحقيقة بعد الهجوم على ناقلتي النفط، ذهبت بريطانيا إلى اتخاذ موقف مختلف عن الجميع والاصطفاف إلى جانب الولايات المتحدة.
غضب إيراني
الاتهامات البريطانية أثارت غضب إيران؛ إذ اتخذت قراراً سريعاً بسحب سفيرها من لندن كخطوة أولى.
وأكدت الخارجية الإيرانية، في بيان، أن بريطانيا تعد البلد الوحيد الذي دعم الادعاءات الأمريكية بشأن وقوف إيران وراء الهجوم، معتبرة أن موقفي لندن وواشنطن غير مقبول ولا أساس له، ويتعارض مع تصريحات الشركات المالكة للسفن والبحّارة عن الحادث.
وطالبت الخارجية الحكومة البريطانية بتقديم توضيح وبإصلاح موقفها تجاه الأمر، مضيفة أن السفير البريطاني تعهد بنقل رسالة طهران إلى لندن.
علاقات تاريخية
وتاريخياً دعمت المملكة المتحدة حليفتها الولايات المتحدة في حروبها التي خاضتها في الشرق الأوسط، كان أبرزها الغزو الأمريكي للعراق، في 2003.
وخلص تحقيق بريطاني داخلي استغرق سبع سنوات، ونُشر في 2006، إلى أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، أخفق حين دعم الولايات المتحدة في حربها.
ووجد التحقيق أن بلير قال للرئيس الأمريكي الأسبق، جورج دبليو بوش، قبل ثمانية أشهر من غزو العراق، إنه سيدعمه “أياً كان الأمر”، وفي نهاية المطاف أرسل 45 ألف جندي بريطاني إلى المعركة، بينما لم تكن الخيارات السلمية قد استُنفدت.
تشكيك بريطاني داخلي
زعيم حزب العمال البريطاني المعارض، جيريمي كوربين، رفض الاتهامات التي ساقتها حكومة بلاده لإيران، وتحميلها المسؤولية الكاملة عن الهجوم على ناقلتي النفط في خليج عُمان دون امتلاكها أي دلائل.
ودعا كوربين، في تغريدة له عبر حسابه في موقع “تويتر”، الخارجية البريطانية للامتناع عن تصعيد التوتر مع إيران.
وأكد كوربين أن غياب أي أدلة موثوق بها تثبت تورط طهران في استهداف ناقلتين في خليج عُمان، والاكتفاء بقول: “يقفون بالتأكيد وراء الهجوم”، يعد موقفاً غير صحيح.
وقال: “يتعين على بريطانيا التصرف لتخفيف التوتر في الخليج لا تأجيج التصعيد العسكري، بدءاً بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي”.
ووصف زعيم حزب العمال تصريحات الخارجية البريطانية بشأن الحادثة بأنها مجرد “لغة خطابية”، محذراً من أنها لن تسفر إلا عن زيادة خطر اندلاع الحرب في المنطقة، ما لم تُقدّم أدلة موثوق بها بشأن الحادثة.
ولم تتوقف المملكة المتحدة عند اتهام إيران فقط؛ إذ أرسلت قرابة 100 جندي من مشاة البحرية إلى مياه الخليج بهدف حماية سفنها، وهو ما يعد أول تحرك عسكري لها بالمنطقة.
ونقلت صحيفة “صنداي تايمز”، اليوم الأحد، عن مصادر عسكرية بريطانية أن وحدات من القوات الخاصة البريطانية للرد السريع ستبدأ دوريات في مياه الخليج.
وأوضحت الصحيفة أن القرار اتُّخذ في وقت سابق، وينص على إرسال قوات بريطانية إلى مياه الخليج في حال اقتراب نشوب صراع عسكري بين الدول الغربية وإيران.
(المصدر: الخليج أون لاين)