تقرير: وكالة الصحافة اليمنية//
علان إحباط محاولة انقلاب جديدة في السودان، بالتزامن مع توصُّل “قوى الحرية والتغيير” والمجلس العسكري إلى اتفاق كامل بشأن المرحلة الانتقالية، أثار المخاوف مجدداً من انعكاسات على مجريات العملية السياسية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد.
ويضع توقيت محاولة الانقلاب، الذي يعد الرابع منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير، غموضاً كبيراً على ما يجري في السودان، ويفتح الباب أمام تساؤلات عدة حول سبب الانقلاب وحقيقته، فيما تتحدث أصوات عن محاولة رجل المجلس العسكري القوي الفريق أول محمد حمدان حميدتي، للسيطرة على الحكم بالبلاد.
آخر محاولة انقلاب
وأعلن المجلس العسكري في السودان، الأربعاء (24 يوليو)، إحباط انقلاب عسكري هو الرابع في السودان منذ سقوط النظام السابق في أبريل الماضي، بزعامة رئيس هيئة الأركان الفريق أول هاشم عبد المطلب، الذي اعتقل إلى جانب عدد كبير من كبار الضباط، حسب المعلومات الواردة من الخرطوم.
وأعلن أيضاً اعتقال قائد سلاح المدرعات، اللواء نصر الدين عبد الفتاح، وقائد المنطقة المركزية التي يقع في محيطها مقر قيادة الجيش، اللواء بحر الدين أحمد بحر.
وشملت الاعتقالات عدداً من الشخصيات ذات الارتباط بحزب المؤتمر الوطني؛ مثل أمين عام الحركة الإسلامية الزبير أحمد الحسن، ووزير الخارجية الأسبق علي كرتي، ووزير الموارد البشرية الأسبق كمال عبد اللطيف.
وأكد بيان الجيش السوداني أن “هدف المحاولة الانقلابية الفاشلة هو “إجهاض ثورة الشعب المجيدة، وعودة نظام المؤتمر الوطني البائد للحكم، وقطع الطريق أمام الحل السياسي المرتقب، الذي يرمي إلى تأسيس الدولة المدنية التي يحلم بها الشعب السوداني”.
انقلابات سابقة!
ولم تكن هذه هي المحاولة الأولى التي تحدث في السودان منذ إعلان المجلس العسكري توليه للحكم، حيث أعلن، في 12 يوليو، “كشف وإحباط مُحاولة انقلابيّة خطط وحضَّر لها مجموعة من الضبّاط وضبّاط الصفّ بالخدمة والمعاش بالقوّات المسلّحة وجهاز الأمن والمخابرات الوطني”.
وفي يونيو الماضي أعلن المجلس العسكري إحباط محاولة انقلاب هي الثانية، وقيل وقتها إن ضباطاً متقاعدين وآخرين في الخدمة، يتبعون تنظيم الحركة الإسلامية، يقفون وراءها.
وذكرت مصادر محلية يومها أن السلطات اعتقلت نحو 68 ضابطاً متورطين في محاولة الانقلاب.
وفي 18 مايو الماضي، كشفت وسائل إعلام سودانية أن قوات الأمن أحبطت أول محاولة انقلاب بعد عزل الرئيس البشير، كان وراءها ضباط متقاعدون.
صراع القوى داخل الجيش
وتفرض تساؤلات على بساط البحث، فيما يتعلق بمراكز القوى داخل المؤسسة العسكرية، ومنها ما يتعلق بالصراع الفكري والإيديولوجي داخل الجيش، الذي جاء إثر المنافسة الحادة بين زعيم العقود الثلاثة الأخيرة البشير، وحلفائه السابقين من القوى الإسلامية الذين أطاح بهم خلال العقدين الأخيرين من حكمه.
ونقلت قناة “الجزيرة” عن مصدر قوله إن رئيس هيئة الأركان المتهم بمحاولة الانقلاب “تربطه علاقة صداقة مع وزير الدفاع الأسبق عبد الرحيم محمد حسين، وإنه بدأت مشاعر الغضب عند الفريق هاشم بتخطيه في الاختيار لمنصب رئيس المجلس العسكري”.
وأضاف: “كان يشغل قبيل التغيير منصب نائب رئيس هيئة الأركان، بمعنى أنه كان هو الرئيس المباشر للفريق عبد الفتاح البرهان مفتش الجيش وقتها، وتمت ترضية عبد المطلب بترفيعه لمنصب رئيس الأركان، لكن الرجل كان كثير الانتقاد لاعتصام القيادة العامة باعتباره يكسر هيبة الجيش”.
وأوضح أن “مواقف هاشم الناقدة تطورت حتى وصلت تخوم الدعم السريع، وكانت القشة التي قصمت ظهر العلاقة بين هاشم وحميدتي هي إعادة اللواء عباس عبد العزيز للخدمة، وترقيته لرتبة فريق أول”.
حميدتي وهاشم
والرجل الذي أعيد للخدمة يرتبط بعلاقة صداقة مع الفريق حميدتي، حيث كان اللواء عباس أول قائد للدعم السريع، وعمل بتفاهم مع حميدتي حتى أحيل للتقاعد وآلت الأمور لحميدتي.
وكانت التوقعات في السودان تشير إلى أن الفريق عباس عبد العزيز سيتولى منصب وزير الدفاع، وربما رئيس هيئة الأركان؛ وهو ما تسبب في ارتفاع هواجس قلق الفريق عبد المطلب، الذي لم يستشر في الأمر، بل اتخذ القرار في غيابه.
وتكشف المصادر أنه “لم تكن الملاسنة الحادة بين الفريق حميدتي وقائد سلاح المدرعات اللواء نصر الدين عبد الفتاح الأولى من نوعها؛ فقد اعترض اللواء نصر الدين على وجود قوات الدعم السريع على أبواب سلاح المدرعات؛ مما اضطر حميدتي لسحب هذه القوات”.
وجاءت الملاسنة الثانية لتضع حداً فاصلاً في العلاقة المتوترة، وفق مصدر عسكري أكد أن “من يحاول تنفيذ انقلاب لا يدخل في ملاسنة مع قائد كبير بيده القلم كما في حالة حميدتي”.
صراع القوى
ويرى الباحث السياسي السوداني عبد الرزاق عزمي، أن الأخبار المتداولة عن الاعتقالات تأتي ضمن “سلسلة انقلابات متناسلة داخل المؤسسة العسكرية، تتساوى احتمالات تصديقها وتكذيبها”.
وأكد في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن المحاولات الانقلابية الأربع المعلنة منذ أبريل الماضي، هي “مناورات لحماية انقلاب البرهان وحميدتي المهدد بالحراك الثوري والإسلاميين”.
ويقول إن ما يحدث في السودان هو “تآكل بين قيادات الانقلاب”، موضحاً: “رئيس هيئة الأركان المشتركة هاشم عبد المطلب الذي شارك في الانقلاب على عمر البشير يُعتَقل بتهمة الانقلاب على الانقلابيين”.
ووضع عزمي سيناريوهات يمكن العمل بها عقب هذا الإعلان، أبرزها “تمكين قبضة الجنجويد من رؤساء الجيش وكل هياكل الدولة، وإظهار الجنجويد والمجلس العسكري على أنه يعمل ولا يطيل الزمن مثل قوى الحرية والتغيير، إضافة إلى إظهار حميدتي على أنه الشخص الذي يمكنه تغيير حال البلاد إلى الأفضل”.
ويؤكد الناشط السياسي حسام أبو الفتوح ما طرح حول الخلافات والصراعات، وقال إن ما يحدث “تصفية حسابات، وصراعات كبيرة داخل الجيش بسبب خلافات كبيرة، وما يتم الترويج له عن وجود انقلابات لا صحة له”.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن القيادات الجديدة التي تعيَّن حالياً تؤكد وجود صراعات بين تيارات في القوات المسلحة؛ فالفريق أول ركن محمد عثمان، رئيس هيئة الأركان المكلف، “يعتبر رجلاً محسوباً على السعودية والإمارات”.
بصمة الشريف
ويرى عدد من المراقبين أن بصمة الفريق عبد الغفار الشريف، مدير الأمن السياسي في عهد صلاح قوش والمستشار الأمني والسياسي لحميدتي، باتت حاضرة في ترتيبات المشهد السياسي ورسم خطوطه.
الشريف كان الرجل القوي في جهاز الأمن، وصديقاً مقرباً لطه عثمان، مدير مكتب الرئيس المعزول، ويشكل مع حميدتي مثلثاً متسق الأضلاع ومتفاهماً في الرؤى.
وتمكن الشريف من الإطاحة بالفريق صلاح قوش من رئاسة جهاز الأمن في 2009، وحينما عاد قوش لرئاسة جهاز الأمن أودعه المعتقل بتهمة الفساد واستغلال النفوذ، وبعد الثورة الشعبية أفرج عنه حميدتي، ورُقي إلى رتبة فريق، وأوكل له تكوين جهاز استخبارات الدعم السريع، ليكون موازياً لجهاز الأمن واستخبارات الجيش.
جهاز الشريف رسم تفاصيل ما عرف بالمحاولة الانقلابية التي أعلن عنها أمس، وهنا يبدو الشريف كمن يقتص لنفسه من ظلم إخوة الأمس، وفق ما تشير “الجزيرة نت”.
وحسب مصادر صحفية، فإن حميدتي بإعلانه الانقلاب الرابع في الخرطوم يرسل رسالة إلى حلفائه في “الحرية والتغيير” أنه “حارس الديمقراطية الوفي”، كما تخلص من كل العناصر المزعجة في الجيش، والتي أكثرت من انتقاده هو وقوات الدعم السريع، وقطع بضربة واحدة الطريق على الدولة العميقة، ومنعها من استعادة نفوذها، أو على أقل تقدير تنظيم صفوفها.
(الخليج أون لاين)