تحليل : وكالة الصحافة اليمنية//
ربما لم يكن مستغرباً أن يُخرج رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد المملكة العربية السعودية التي تحتضن الحرمين الشريفين من الحلف الإسلامي الذي تحدث عنه أثناء زيارته لتركيا في يوليو الماضي، في ظل المشاكل السياسية التي تقودها المملكة في المنطقة العربية والإسلامية.
ويبدو أن الحلف الاستراتيجي بين تركيا وماليزيا الذي ازداد في الفترة الأخيرة دفع بمهاتير محمد ليختار أنقرة لطرح فكرة تعاون إسلامي بهذا الحجم يضم الماليزيين والأتراك والباكستانيين، خصوصاً بتموضع الدول الثلاث ضمن قارة آسيا، ووجود تركيا كواجهة إسلامية مع الغرب، وقرب ماليزيا من العملاق الصيني، في حين أنّ باكستان الدولة النووية الوحيدة إسلامياً، وهو ما يعطي بعداً جيواستراتيجياً واقتصادياً جيداً فيما لو تحقق.
النهوض الإسلامي
مهاتير محمد قال خلال زيارته لتركيا، في (25 يوليو 2019): إنه” يمكن النهوض بالحضارة الإسلامية مجدداً بالتعاون بين ماليزيا وتركيا وباكستان، وذلك في ظل ما تواجهه البلدان الإسلامية في العالم من تحديات”.
وأضاف مهاتير، خلال مؤتمر صحفي عقده مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة، أنه “عبر توحيد عقولنا وقدراتنا يمكننا النهوض بالحضارة الإسلامية العظيمة التي كانت موجودة يوماً ما، وذلك بالعمل المشترك بين ماليزيا وتركيا، وبالتعاون مع باكستان في الوقت ذاته”.
من جانبه قال أردوغان أثناء المؤتمر الصحفي ذاته: “سنسعى لرفع حجم التبادل التجاري والعلاقات بين البلدين، وللتطوير الثلاثي بين تركيا وباكستان وماليزيا”.
وأضاف أردوغان “الثلاثي الذي نسعى فيه لمزيد من التطور والنمو الإيجابي في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترك بين هذه البلدان”.
تفاعلت باكستان بشكل حار مع مبادرة مهاتير عن التعاون الإسلامي؛ حيث رد وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قريشي، في تغريدة عبر تويتر: “أرحب ترحيباً حاراً بالمبادرة التي تدعو ماليزيا وتركيا وباكستان إلى التعاون، من أجل النهضة الإسلامية وتوحيد العالم الإسلامي”.
وأردف أن “هذه المبادرة الثلاثية المهمة سوف تقطع شوطاً طويلاً في تعزيز الوحدة والتعاون والتنمية في جميع أنحاء العالم الإسلامي”.
وقالت الكاتبة الصحفية في وكالة أنباء تركيا، صوفيا خوجا باشي، في حديث مع “الخليج أونلاين”: إنّ “الزيارة شددت على العلاقات الاستراتيجية بين أنقرة وكوالالمبور، وما يشكله التحالف التركي – الماليزي – الباكستاني من أهمية كبرى للعالم الإسلامي، وهي رؤية تسهم في نقل مركز القرار الإسلامي إلى الدول الثلاث مجتمعة، وعلى رأسها تركيا”.
تخريب لديمقراطية ماليزيا واقتصادها
ولعل استبعاد مهاتير للسعودية من التعاون الثلاثي الإسلامي الذي يسعى إليه هو بسبب تدخلات المملكة في ديمقراطية ماليزيا وسواها من الدول العربية والإسلامية.
وبدأت فصول قضايا الفساد الماليزي بالبروز مع المشاكل التي نجمت عن الديون التي واجهها صندوق الاستثمار الماليزي “1.إم.دي.بي” المملوك للدولة، وذلك في أوائل عام 2015، فبعد هذا العام أخذت ماليزيا تعاني من اضطرابات سياسية ناجمة عن فساد أدى إلى تراجع الأداء الاقتصادي في البلاد.
كما تراجعت قيمة العملة المحلية أمام الدولار، واستنزفت احتياطات النقد الأجنبي، وقدر محققون سويسريون ما سُرق من الشركات الماليزية المملوكة للحكومة بأكثر من أربعة مليارات دولار، كانت قد خصصت هذه الأموال لتمويل مشاريع تنمية اقتصادية واجتماعية متنوعة.
واتهم رئيس الوزراء الماليزي السابق، نجيب عبد الرزاق، بتهم فساد (ما زالت المحاكمات جارية حتى الآن) بخصوص مئات ملايين الدولارات التي وجدت في حسابه الشخصي مصدرها صندوق تنمية ماليزيا، لكن نجيب أكد أن الأموال هبة وليست من الصندوق.
وفي أبريل عام 2016 أقر وزير الخارجية السعودي حينها، عادل الجبير (يشغل منصب وزير الشؤون الخارجية الآن)، قائلاً إنّ “إيداعاً بقيمة 681 مليون دولار في حساب مصرفي لنجيب عبد الرزاق كان هبة من السعودية”.
“نحن على علم بالهبة.. وهي هبة حقيقية ولا شيء متوقع في مقابلها. كما أننا أيضاً على علم كامل بأن المدعي العام في ماليزيا أجرى تحقيقاً وافياً في الأمر ولم يجد أي مخالفة”.
وتساءل متابعون في ذلك الوقت: لماذا تهب السعودية رئيس حكومة في جنوب شرق آسيا مبالغ طائلة بهذا الحجم؟ معتبرين أنه كان للتحكم في قرارات البلد الديمقراطي الإسلامي الوحيد والتجربة الناجحة للإسلاميين في تلك المنطقة.
ومع قدوم الحكومة الماليزية الجديدة التي شكلها مهاتير محمد بعد فوزه بانتخابات كاسحة عام 2018، قررت سحب قواتها من الحرب التي تقودها السعودية في اليمن منذ عام 2015، معتبرة أنها كانت لتوريط البلاد في صراع رغم حرصها على الحياد.
وقال وزير الدفاع الماليزي، محمد سابو، في تصريحات صحفية، في يونيو 2018، إن وجود القوات الماليزية هناك من قبل الحكومة السابقة تسبب في جر البلاد بشكل غير مباشر إلى الصراع في الشرق الأوسط، مؤكداً أن بلاده “تبنت على الدوام سياسة محايدة، ولا تميل لأي توجه سياسي للقوى الكبرى في العالم”.
واعتبرت “خوجا باشي” أنّ استبعاد السعودية من التعاون الثلاثي يعود إلى ما “تعانيه السعودية من تخبط في سياستها الخارجية خلال السنوات الأخيرة، وهو ما أدى إلى ابتعادها عن مركزية القرار في العالم الإسلامي، وخسارتها للعديد من الملفات المهمة، كالملف السوري والملف اليمني، مما أسهم في خروجها من دائرة صناعة القرار الإسلامي”.
وأضافت الكاتبة في حديثها لـ “الخليج أونلاين: “وهناك أيضاً التوتر الذي شاب العلاقات بين الرياض وكوالالمبور بعد قرار ماليزيا سحب قواتها من السعودية، والانسحاب من التحالف الذي تقوده المملكة في اليمن”.
العداء لأي مشروع ناجح
ورغم أنّ ماليزيا بعيدة بشكل جيد عن السعودية، ولا تشكل أي مشكلة للرياض التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان، فإنّ العداء للإسلام السياسي والتجارب الديمقراطية الناشئة، بالتشارك مع الإمارات بقيادة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، دفعها لإغداق المال على نجيب عبد الرزاق للتحكم به، وجره إلى حرب اليمن.
وقال الباحث في شؤون العالم العربي والإسلامي صلاح القادري، في حديث مع قناة الجزيرة، في 13 مايو 2018: إنّ “للسعودية والإمارات دوراً أساسياً في محاولة إسقاط ماليزيا، إضافة إلى محاصرة وإعلان الحرب على أي قوة ترفض الهيمنة الغربية أو تتبنى ثورات الشعوب على الظلم”.
وأضاف أن “السعودية لديها خطة قديمة لمنع نجاح أي تجربة تستند إلى مرجعية إسلامية تخالف توجهاتها الوهابية”.
ويرى القادري أنّ السعودية سعت لإسقاط النموذج الماليزي لسببين: “الأول أنه أصبح ملهماً للإسلاميين الذين نادوا بتطبيقه في بلادهم، ومنهم الإسلاميون في مصر عندما وصلوا للحكم”.
أما “الثاني فأن هناك في ماليزيا من سعى لإلحاق بلادهم بمشروع حضاري يضم عدداً من القوى الإسلامية والعربية الصاعدة، ومنها تركيا وباكستان وقطر ودول أخرى، وهذا يشكل خطراً على نفوذ السعودية”.
وأشار القادري إلى أن ما جرى في مصر “يندرج ضمن المخطط السعودي الإماراتي ذاته؛ لأن البلدين يدركان أن مصر تمتلك أسباب القوة لتصبح منافساً يعيدها لصدارة العالم العربي، ويجعلها نموذجاً على مستوى العالم الإسلامي”.
ويبدو أنّ ذلك لا يقتصر على ماليزيا، فقد اتهمت وسائل إعلام تركية الإمارات والسعودية أكثر من مرة بضلوعهما في محاولة الانقلاب الفاشلة بيوليو 2017، حتى إنّ وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو اتهم، في مايو 2018، دولة عربية -لم يسمها- بتزعم حملة معاداة تركيا، والعمل على تعكير علاقاتها بمحيطها العربي.
ثم ما لبث أن صرح بعد أسابيع في مقابلة مع إحدى الفضائيات التركية، قائلاً إن دولاً ومؤسسات مالية ولوبيات فائدة تقف وراء الحملة الأخيرة ضد الليرة التركية، مضيفاً: “هناك بلدان مسلمان أيضاً وراء هذه الحملة، وسنفصح عن أسمائهما لاحقاً”.
وعلى ذلك علقت الكاتبة “خوجا باشي” بالقول إنّ عدم ذكر السعودية من أنقرة “هو بمثابة رسالة أرسلها رئيس الوزراء مهاتير محمد، تفيد باصطفاف بلاده الصريح مع تركيا في محورها السياسي بمقابل المحور الذي تمثله كل من السعودية والإمارات ومصر”.
ويعتبر مراقبون أنّ استبعاد مهاتير (وربما أردوغان أيضاً) مشاركة أي دور سعودي في حلف من الممكن تشكيله إسلامياً، يعود للتباين الكامل في التوجهات السياسية التي تمارسها ماليزيا وتركيا وباكستان من دعم واضح للقضايا العربية والإسلامية، ومن ضمنها فلسطين ودول الربيع العربي، في حين أنّ السعودية ومعها الإمارات أسستا حلف الثورات المضادة، وكانتا المحرك الأساسي في إفشال تلك الثورات ووضع العراقيل من أجل عدم نهوضها مجدداً.
(الخليج أون لاين)