تقرير: وكالة الصحافة اليمنية//
يبدو أن استغلال حلول عيد الأضحى المبارك لإطلاق سراح معتقلين لن يحقق مبتغى حكومة الإمارات في إسكات صيحات المنظمات الحقوقية الدولية.
فالمنظمات الحقوقية أخذت تطالب بهذه المناسبة، بإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي، ومن جهة أخرى ساعدت عملية الإفراج عن ثلاثة من معتقلي الرأي مهمة تلك المنظمات، في فضح انتهاكات أبوظبي بحق المفرج عنهم.
وأفادت جماعتان معنيتان بالدفاع عن حقوق الإنسان، هما “الحملة الدولية من أجل الحرية في الإمارات العربية المتحدة” و”مركز الخليج لحقوق الإنسان” في 8 يوليو الجاري، بأن الإمارات أفرجت عن ثلاثة نشطاء سجنوا باتهامات متعلقة بأمن الدولة، بحسب “رويترز”.
وقالت “هيومن رايتس ووتش”، إن الناشط على الإنترنت أسامة النجار إضافة إلى عثمان الشحي وبدر البحري، وتصفهما جماعات حقوق الإنسان بأنهما ناشطان لهما صلات بجماعة “الإصلاح”، سجنوا بعد محاكمات في 2014 و2016.
أسباب الاعتقال
المعتقلون الثلاثة المفرج عنهم لم يكن لهم من نشاط سوى الدفاع بـ”الرأي” عن المعتقلين المنتمين لجماعة “الإصلاح”، وهي حركة سياسية إسلامية “غير عنيفة” مسجلة قانوناً، حظرتها الإمارات عام 2014 على أنها “إرهابية” رداً على الاضطرابات في تونس ومصر وأماكن أخرى.
وعلى الرغم من عدم وجود ما يثبت الاتهامات التي توجهها أبوظبي إلى أعضاء جماعة الإصلاح المعتقلين، فضلاً عن المدافعين عنهم، بحسب منظمات حقوقية، فإن أكثر من سبعين عضواً من الجمعية يمضون أحكاماً قاسية تصل إلى 10 و15 سنة سجناً، علماً أن غالبية المحكومين من كبار الأكاديميين والدعاة والمسؤولين السابقين في الإمارات.
فضائح الانتهاكات
انتهاكات حقوق الإنسان، والاختفاء القسري، واعتقال أصحاب الرأي، تستمر منظمات حقوقية دولية في فضحها منذ سنوات.
وكان من بين ما تحدثت عنه هذه المنظمات أن معتقلي رأي، ورغم انتهاء مدة سجنهم فإن السلطات الإماراتية لم تطلق سراحهم.
وكان الثلاثة المفرج عنهم مؤخراً بين هؤلاء المعتقلين الذين كان يفترض أن يطلق سراحهم منذ وقت طويل، ويعتبر عدم الإفراج عنهم بعد إتمامهم مدة السجن انتهاكاً آخر تسجله سلطات الإمارات بحق مواطنيها.
ففي التاسع من يوليو الماضي، اتهمت “هيومن رايتس ووتش” السلطات الإماراتية باحتجاز خمسة سجناء إماراتيين، على الأقل، رغم أنهم أنهوا محكومياتهم منذ سنة أو ثلاث سنوات.
ونسبت المنظمة الحقوقية إلى نشطاء إماراتيين قولهم إن المحتجزين ما يزالون وراء القضبان لـ”المناصحة” دون أساس قانوني، بحسب ما ذكرت “الجزيرة نت”.
وقالت أيضاً إن ثلاثة من هؤلاء المحتجزين كانوا قد حكم عليهم بالسجن ثلاث سنوات وسنتين وخمس سنوات؛ بتهم تتعلق بأمن الدولة، في أعقاب ما عدته المنظمة “محاكمات جائرة” عامي 2014، و2016.
وهؤلاء هم الناشط الرقمي أسامة النجار، وخليفة ربيعة وعثمان الشحي، الناشطان الرقميان والعضوان في “جمعية الإصلاح”، بالإضافة إلى بدري البحري وأحمد الملا، وهما ناشطان لهما صلات بالجمعية.
وقال نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة الحقوقية: “حرمان المعتقلين من الحرية لسنوات طويلة بعد انتهاء أحكامهم يُظهر ازدراء صارخاً بسيادة القانون. ولهؤلاء الرجال جميعهم حياة وعائلات ليعودوا إليهم، وينبغي ألَّا يواجهوا احتمال الاحتجاز إلى أجل غير مسمى، وهو أمر قاسٍ وغير قانوني”.
وأشارت المنظمة إلى أنها سبق أن وثقت مزاعم خطيرة بانتهاك الإجراءات القانونية وضمانات المحاكمة العادلة في الإمارات، خاصة القضايا المتعلقة بأمن الدولة. ويشمل ذلك الاعتقالات والاحتجازات التعسفية، وكذلك مزاعم التعذيب وسوء المعاملة في مراكز أمن الدولة.
واستخدم النجار “تويتر” في حملة لإطلاق سراح والده وغيره من المعتقلين السياسيين في أبوظبي، وانتقاد إدانة 69 مواطناً، في يوليو 2013، في محاكمة جماعية للنشطاء الذين طالبوا بالإصلاحات السياسية.
أما ربيعة والشحي فكان من المقرر إطلاق سراحهما في يوليو 2018، في وقت كان البحري والملا مقرراً الإفراج عنهما في أبريل 2017.
انتهاكات جسيمة
النداءات والحملات التي أطلقتها منظمات حقوقية ونشطاء، للإفراج عن المعتقلين في سجون الإمارات، دليل على وجود انتهاكات جسيمة بحق المعتقلين.
ففي مطلع 2018 أصدرت المفوضية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، تقريراً وجهت فيه انتقادات لاذعة لأوضاع حقوق الإنسان في الإمارات.
وأعرب التقرير عن قلقه من توثيق حالات “اختفاء قسري”، ومحاكمة نشطاء حقوقيين لتعبيرهم عن آرائهم، وتعذيب سجناء، وظلم العمال الأجانب، والتمييز ضد المرأة، وتبعية القضاء للسلطات التنفيذية.
وفي مايو 2018 طالب تقرير الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان بضرورة تدخل المجتمع الدولي ومنظماته المعنية بحقوق الإنسان، للإفراج عن مئات من معتقلي الرأي في الإمارات والسعودية لمجرد نشاطهم في الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة.
ونشرت الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان تقريراً في مؤتمر “رايتس كون” الدولي المنعقد في مدينة تورنتو الكندية، بشأن معتقلي الرأي في كل من دولتي الإمارات والسعودية.
وذكر التقرير أن الإمارات تعتقل، بحسب إحصائيات حقوقية موثقة، أكثر من 204 معتقلين على خلفية الرأي والتعبير، يحملون جنسية 13 دولة هي: الإمارات، مصر، ليبيا، اليمن، قطر، تركيا، سوريا، فلسطين، لبنان، الأردن، تونس، جزر القمر، الجزائر، في حين تفوق حالات الاعتقال منذ 2012 حتى أكتوبر 2014 أكثر من 500 حالة اعتقال.
وجاء الناشطون الإماراتيون أولاً بواقع 108 معتقلين؛ بينهم 79 من النشطاء المطالبين بالإصلاحات السياسية، وشنت السلطات عليهم حملات متعاقبة منذ 2012.
وجرى الحكم على 69 في أحكام سياسية فجّة تتعلق بحرية الرأي والتعبير في البلاد، في حين ينتظر عشرة آخرون محاكمتهم، كما تجري محاكمة واحد فقط منهم وهو الناشط أسامة النجار.
وأشارت الفيدرالية العربية إلى شيوع حوادث الاختفاء القسري في الإمارات، واستمرار السلطات في تشديد قبضتها الأمنية على منتقدي الحكومة ومعارضيها، وتقديمهم لمحاكمات جائرة بتهم فضفاضة، وبموجب قوانين التشهير الجنائي ومكافحة الإرهاب، وبتهم الإساءة إلى قادة الدولة ومؤسساتها السياسية.
وفي يونيو 2018، ندد ناشطون حقوقيون بريطانيون ومعارضون إماراتيون، بانتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات، وذلك خلال مسيرة بالحافلات جابت شوارع العاصمة لندن.
وطالب المشاركون في المسيرة الحكومة البريطانية بالضغط على السلطات الإماراتية من أجل الإفراج عن معتقلي الرأي من السياسيين والحقوقيين.
ونظمت الفعالية في مجموعة من المدن البريطانية تحت اسم “الحملة الدولية للحرية في الإمارات”، من أجل لفت انتباه الرأي العام البريطاني إلى قضايا المعتقلين في الإمارات.
حكم المضطر
استمرار النشطاء والمنظمات الحقوقية والإنسانية في فضح انتهاكات سلطات الإمارات شكل ضغطاً كبيراً على أبوظبي، وكان لا بد أن تفرج عن بعض المعتقلين للتخفيف من حدة هذا الضغط، بحسب مراقبين.
لكن الإفراج عن المعتقلين الثلاثة أدخل سلطات الإمارات في حرج جديد؛ إذ فتحت باباً جديداً للحديث عن معتقلي الرأي في سجونها بشكل عام.
أما بشكل خاص فإن الباب سيكون أوسع للحديث عن المفرج عنهم الثلاثة؛ فهؤلاء انتهك حقهم مرتين؛ الأولى أنهم سجنوا لإبدائهم الرأي، وفي الثانية عندما واصلت السلطات حبسهم على الرغم من إنهائهم مدة محكوميتهم.
وفي هذا الصدد طالب المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان، على صفحته في “فيسبوك”، بأن “تقوم سلطات دولة الإمارات بالإفراج عن باقي معتقلي الرأي”.
(الخليج أون لاين)