تقارير (وكالة الصحافة اليمنية)
لقد أثار الإعلان المفاجئ عن استقالة المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط والذي يعدّ أحد كبار المهندسين لـ”صفقة القرن”، العديد من التكهنات حول فشل هذه الخطة الأمريكية المشؤومة.
وحول هذا السياق، ذكرت مصادر إخبارية بأن إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، استلمت خلال الأيام القليلة الماضية ورقة استقالة، “جيسون غرينبلات”، الذي كان يُعدّ العقل المدبّر لـ”صفقة القرن”. ولفتت تلك المصادر إلى أن “غرينبلات” سيترك العمل في إدارة الرئيس “ترامب” رسمياً خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
لقد جاءت استقالة المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، قبيل الموعد المرتقب لإعلان الإدارة الأمريكية عن الشق السياسي لـ”صفقة القرن”، الذي سيتم الإعلان عنه بعد الانتخابات الإسرائيلية للكنيست، المقررة في 17 سبتمبر الحالي.
وحول هذا السياق، نشر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” تغريدة عبر حسابه على موقع “تويتر”، قال فيها: “بعد ما يقرب من 3 سنوات من وجوده ضمن فريق إدارتي، سيترك “جيسون غرينبلات” منصبه في البيت الأبيض، من أجل الانتقال للعمل في القطاع الخاص”.
وتابع قائلاً: “كان جيسون صديقاً مخلصاً ورائعاً أيضاً، ومحامياً رائعاً. لن ينسى أحد تفانيه من أجل إسرائيل، والسعي إلى تحقيق السلام بين إسرائيل وفلسطين”.
ومن جهته، علّق رئيس الوزراء الإسرائيلي، “بنيامين نتنياهو”، على استقالة “غرينبلات”، قائلاً: “أودّ أن أشكره لعمله الدؤوب من أجل الأمن والسلام، ولعدم تردده ولو للحظة بقول الحقيقة عن دولة إسرائيل في وجه جميع المسيئين لسمعتها، شكراً لك يا جيسون”.
وفي السياق ذاته، رحّب الفلسطينيون باستقالة “غرينبلات”، ووصفتها قيادية منظمة التحرير الفلسطينية “حنان عشراوي” بأنها “اعتراف نهائي بالفشل، ومسمار إضافي في نعش خطة السلام الأمريكية”.
وقال الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية حماس “حازم قاسم” تعقيباً على هذه الاستقالة: “اليوم يستقيل غرينبلات، وشعبنا يزداد إصراراً على مواجهة الصفقة، والمقاومة ستدفنها للأبد”.
وأضاف قائلاً: “مقاومة شعبنا هي القادرة على منع صفقة القرن المشؤومة أن تمرّ؛ فالمقاومة أسقطت حكومة الاحتلال في نوفمبر العام الماضي، وأدخلته في حالة فراغ، فلم تطرح الإدارة الأمريكية الصفقة”.
إن “صفقة القرن” هي خطة تسوية أمريكية للشرق الأوسط، يتردد أنها تقوم على إجبار الفلسطينيين، بمساعدة دول عربية، على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة “إسرائيل”، خاصة بشأن وضع مدينة القدس وحق عودة اللاجئين وحدود الدولة الفلسطينية المأمولة.
وفي حزيران الماضي أُعلن عن القسم الاقتصادي من “صفقة القرن”، من خلال ورشة عُقدت في المنامة دون مشاركة الفلسطينيين، الذين أعلنوا رفضهم للخطة، وتبيّن أن القسم الاقتصادي يستند إلى إقامة صندوق دولي يستثمر 50 مليار دولار، منها 28 مليار دولار ستستثمر في الضفة الغربية وقطاع غزة، وباقي المبلغ يستثمر في مشاريع في الأردن ومصر ولبنان ودول عربية أخرى.
وتُعد “صفقة القرن” وسيلة لتصفية القضية الفلسطينية بدءاً من القضايا الجوهرية، وعلى رأسها القدس واللاجئون والاستيطان والحدود.
ويرى مراقبون وفصائل فلسطينية وعربية أن “صفقة القرن” هي مخطط أمريكي صهيوني لتصفية القضية الفلسطينية والحقوق السياسية للفلسطينيين والاستعاضة عنها بحلول إنسانية.
ومما لا شك فيه أن استقالة غرينبلات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بفشل “صفقة القرن”، خاصة وأن هذه الخطة المشؤومة تواجه الكثير من المعارضة واسعة النطاق داخل الأراضي المحتلة وخارجها ولهذا فإنه يمكن القول هنا بأن استقالة “غرينبلات” لن تصب في مصلحة الكيان الصهيوني بتاتاً.
يذكر أن “غرينبلات” تولّى منصبه في كانون الآخر 2017، ضمن فريق أمريكي شكّله ترامب لصياغة خطة التسوية بالشرق الأوسط المرفوضة على اختلاف التوجهات السياسية للفلسطينيين، وكان من أشد المناصرين للدولة العبرية، وهو الذي شارك قبل أشهر قليلة برفقة صهر “ترامب” في افتتاح نفق “أسفل” بلدة “سلوان” بالقدس المحتلة.
وفي سياق متصل، ذكرت العديد من المصادر الإخبارية، أن إدارة الرئيس “ترامب” أجّلت عدة مرات الإعلان عن الشق السياسي لـ”خطة السلام لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”، المعروفة باسم “صفقة القرن”، على خلفية التطورات السياسية في “إسرائيل”، إضافة إلى الرفض القاطع للعمل بها من قبل الأطراف الفلسطينية، التي سبق أن قاطعت ورشة العمل “السلام من أجل الازدهار” في البحرين، والتي انعقدت بين 25 و 26 حزيران الماضي، تحت عنوان “ورشة المنامة الاقتصادية” بمبادرة أمريكا، والتي تضمّنت إغراءات اقتصادية للفلسطينيين.
ولفتت تلك المصادر إلى أن هذا التأجيل قد يكون هو السبب الرئيس وراء استقالة “غرينبلات” من منصبه.
على أي حال، يبدو أن “غيرينبلات” يعتبر الضحية الأولى لعدم كفاءة هذه الخطة وهذه الصفقة المشؤومة، وفي المستقبل القريب قد نرى استقالة مسؤولين أمريكيين وصهيونيين آخرين بسبب عدم قدرة الإدارة الأمريكية على تنفيذ “صفقة القرن”.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن القول أن هذه الخطة وهذه الصفقة قد فشلت تماماً، إلا أن استقالة أحد أبرز مهندسيها يشير إلى وجود انقسامات داخلية داخل حكومة أمريكا وتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن هناك الكثير من العوائق التي تحول دون تنفيذها.
أخيراً، ينبغي القول هنا بأن استقالة أحد أهم مهندسي الخطة الأمريكية والمسماة بـ”صفقة القرن” مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالانقسامات الداخلية الحاصلة بين السياسيين الأمريكيين والإجراءات الأحادية الجانب الأخيرة التي قام بها الكيان الصهيوني، وكذلك مقاومة الشعب الفلسطيني ومعارضته الشديدة لهذه الخطة التي كشفت الوجه القبيح للكيان الصهيوني الذي عمل خلال العقود الماضية على تجاهل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
المصدر : الوقت التحليلي