تقرير: وكالة الصحافة اليمنية//
لم تشهد ليبيا استقراراً منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011، ولم تحقق الثورة أهدافها بعد، إذ سرعان ما تعمّقت الأزمة نتيجة الانقسام السياسي والأمني الذي تغذيه أطراف إقليمية ودولية بناء على مصالحها وأطماعها.
وتلعب الإمارات ومصر دوراً مشبوهاً في ليبيا؛ بدعم رجل الحرب الأول المشير خليفة حفتر، الذي تلقى دعماً مباشراً هذا العام لمهاجمة العاصمة طرابلس، ضمن مخطط لدعم الثورات المضادة لإعادة منظومة الحكم القديمة وتنصيب “قذافي جديد” في ليبيا، والسيطرة على النفط في البلاد.
وتعبث التدخلات الخارجية بسيادة ليبيا وتقوّض أمنها، في وقت يزداد فيه الصمت الدولي منذ زحف قوات حفتر إلى العاصمة طرابلس في الـ4 من أبريل 2019.
ولعل الحرب الدائرة في محيط طرابلس انعكست على الكلمات التي ألقيت في الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والتي وجهت بعضها اتهاماً غير مباشر للقاهرة وأبوظبي بالتدخل في ليبيا ودعم الطرف المتمرد.
مصر تدافع عن حفتر
وبينما يعترف العالم بحكومة الوفاق، تقف مصر إلى جانب الإمارات برفض اعترافهما بالحكومة، ودعمهما لحفتر، حيث أبلغ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أعضاء الوفود المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة، أن ثمة حاجة لتضافر الجهود لمنع الفصائل المسلحة من السيطرة على ليبيا ولمنع الأطراف الخارجية من التدخل في الصراع الدائر هناك.
متجاهلاً الاتهامات الموجهة لبلاده بدعم الانقلابيين، قال السيسي في كلمته: “لا بد من توحيد المؤسسات الوطنية كافة والنأي بهذا الجار الشقيق عن فوضى المليشيات والاستقواء بأطراف خارجية دخيلة”.
وأضاف السيسي في محاولة للتغطية على دعمه لسيطرة حفتر على كامل ليبيا: “آن الأوان لوقفة حاسمة تعالج جذور المشكلة الليبية بشكل كامل من خلال الالتزام بالتطبيق الكامل لجميع عناصر خطة الأمم المتحدة”.
وتقول وكالة “رويترز” إن مصر والإمارات داعمتان لخليفة حفتر، قائد قوات شرق ليبيا الذي يحاول انتزاع السيطرة على طرابلس من قوات متحالفة مع الحكومة المعترف بها دولياً.
اتهام رسمي ليبي
وتحاول أبوظبي التهرب من مسؤوليتها بالدعم المباشر في ليبيا، وسبق أن نفى وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، طلب بلاده من حفتر غزو طرابلس، لكنه وصف ما يحدث في العاصمة الليبية بأنه “سيطرة مليشيا”، رغم اعتراف دولي بالحكومة هناك.
وفي المقابل اتهمت الحكومة المعترف بها دولياً في ليبيا، أكثر من مرة، الإمارات ومصر بتقديمهما الدعم العسكري لقوات حفتر.
وكان أبرز تلك التصريحات، ما قاله رئيس مجلس الدولة خالد المشري، الذي قال في أبريل 2019، عقب هجوم حفتر على طرابلس، إن بلاده “تعلم جيداً أن دولة الإمارات العربية، وتحديداً أبوظبي، حتى لا نظلم كل الإمارات، تسعى فساداً- للأسف الشديد- لكل الدول العربية لمنع قيام الديمقراطية. هذه الدولة تقدم دعماً مباشراً (لقوات حفتر)”.
وشدد رئيس مجلس الدولة الليبي، تعليقاً على أسباب توجيه مثل هذه الاتهامات إلى كل من الإمارات ومصر، على أن هذا الأمر تؤكده تقارير الأمم المتحدة وأيضاً “ما تم غنمه من هذه القوات من عربات مصفحة وغير ذلك، وهي إماراتية، وجاءت بتواريخ حديثة بعد الحظر، وهي أسلحة قتالية”.. وتابع: “كذلك توجد ذخائر عند هذه القوات وهي صناعة مصرية حديثة”.
الصمت الدولي
في يوليو 2019، حذرت السلطات الليبية من “استمرار الصمت الدولي على جرائم اللواء المتقاعد”، قائلة إن ذلك الصمت “يشجع حفتر والداعمين له على الاستمرار في جرائمهم”.
موقف الدول مزدوجة التعامل مع ملف ليبيا طرح تساؤلاً عن أهدافها وسبب تواصل الصمت الدولي في أعقاب التدخلات الواضحة ضمن مساراتٍ خارج المساعي الأممية.
يقول الخبير الحقوقي الليبي مهدي كشبور، إن فرنسا ترى في حفتر أداة لمشاريعها الخاصة، وذلك بالتنسيق مع ما وصفه بمثلث الشر العربي (الإمارات والسعودية ومصر)، على اعتبار أن تلك الدول أجمعت على إفشال أي حلم بإقامة دولة ديمقراطية تحكمها سلطة مدنية.
ويعتقد كشبور، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن موقف المجتمع الدولي أصبح متذبذباً تجاه الحرب على العاصمة، وأن ردود الفعل لم تتعدَّ المواقف الدبلوماسية، عازياً ذلك إلى تخوُّف المجتمع الدولي من عدم قدرة حكومة الوفاق على الوقوف بقوة لمجابهة حفتر”.
فرنسا إلى جانب مصر والإمارات
المحلل السياسي الليبي محمود إسماعيل يرى من جانبه أن الواقع على الأرض “هو أن (الإمارات ومصر السيسي)، بدعم فرنسي في مجلس الأمن، لا تريد الاستقرار أو بناء دولة ديمقراطية في ليبيا، وإنما يسعون لصناعة بيادق تنفذ أجندتها، وأن الليبيين قادرون على إحباط تلك المخططات”.
وأضاف إسماعيل لـ”الخليج أونلاين” أن المجتمع الدولي متهم بالتقصير في التعامل مع تلك الدول، “خاصةً أن حفتر تحدى كل القرارات الأممية والصادرة عن مجلس الأمن، خلال هجومه الأخير على العاصمة، ومحاولة السيطرة عليها، وأنه يواصل حصار المدنيين ويهددهم بالطيران والمدافع والصواريخ يومياً، وعمل على تهجير شيوخها وشبابها ونسائها وأطفالها وشردهم لفرض حكم شمولي دكتاتوري”.
فيما قال المحلل السياسي الليبي إسماعيل المحيشي لـ”الخليج أونلاين”، إن الدعم الفرنسي الإماراتي السعودي المصري لحفتر “أصبح معلناً دون وجود أي رادع دولي، وهذا التقصير يتحمله الليبيون، خاصةً أن الرئيس الفرنسي أعلن منذ أكثر من عامين مقتل جنود فرنسيين خلال مشاركتهم في القتال إلى جانب قوات حفتر في بنغازي”.
وأوضح أن التدخل الأجنبي المباشر في ليبيا “لم يبدأ خلال الحرب على طرابلس، بل إنه وجد منذ 3 أو 4 سنوات، وثمة دول أجنبية وعربية تزود مليشيات حفتر بالمعدات والأسلحة وحتى بالدعم السياسي، وأنه حتى هذه اللحظة ورغم الانتهاكات والعدوان الغاشم على طرابلس فإن الصمت الدولي ما زال حاضراً، وسياسة الإفلات من العقاب ما زالت قائمة”.