مما لاشك فيه أن عامل القوة العسكرية المتنامي لدى اليمن، دفع بالكثير من دول العالم إلى تغيير مواقفها السلبية تجاه صنعاء.
وخلال الشهرين الماضيين وخصوصا بعد عملية توازن الردع الأولى، بدء هاجس فقدان الثقة بدول التحالف يتنامى لدى عدد من دول العالم، والتي سارعت إلى عقد لقاءات مع الوفد الوطني المفاوض برئاسة محمد عبدالسلام، كان منها سلسلة اللقاءات التي جمعت وفد صنعاء المفاوض مع سفراء أربع من الدول الأوربية خلال تواجده في طهران منتصف أغسطس الفائت.
وقد جاءت تلك اللقاءات بعد زيارة ناجحة قام بها الوفد اليمني المفاوض إلى موسكو بدعوة رسمية من الخارجية الروسية، والتي اعلنت خلالها الأخيرة عن مبادرة ” أمن الشرق الأوسط” في يوليو الماضي.
ويعتقد عدد من المراقبين السياسيين، أن مسايرة دول العالم الكبرى للتحالف الدولي على اليمن، كان نابعاً من توقعات بقدرة تلك الدول بقيادة الولايات المتحدة على حسم الحرب في اليمن، ورغم أن الوقائع كانت تثبت عجز دول التحالف عن تحقيق اهدافها في اليمن، إلا أن المجتمع الدولي ظل محتفظاً باعتقاد أن تلك الدول ستتمكن في الحد الأدنى من فرض شروط مجحفة ستجبر صنعاء على اساسها بتقديم تنازلات من منطلق فارق القدرات العسكرية والاقتصادية لتلك الدول قياساً بما تملكه صنعاء من قدرات متواضعة لا تقارن بتلك المتواجدة لدى دول التحالف.
إلا أن توقعات دول العالم سرعان ما انقلبت إلى مخاوف ناجمة عن تزايد اخفاقات دول التحالف في اليمن، وتمكن صنعاء من توجيه ضربات هجومية موجعة، قد يؤدي تكرارها مثل ما حدث في بقيق وخريص، إلى وقوف السعودية والامارات بحالة افلاس اقتصادي، خصوصاً أن الدولتين لا تساويان شيئاً دون النفط، إلى جانب ما قد تجره الضربات اليمنية على منشئات النفط في السعودية من تبعات سلبية على الاقتصاد العالمي، وأي مراهنة إضافية على قدرات التحالف في هذه الحالة، قد تجر الاقتصاد العالمي إلى مجازفات غير مجدية.
وبناء على ذلك يبدو أن عدد كبير من دول العالم على رأسها روسيا والصين، فضلت التوقف عن مجاملة الولايات المتحدة في حربها على اليمن، والتعويض بدلاَ عن ذلك بمد حبال الود باتجاه صنعاء.
فقد اعتبرت الخارجية أن ضرب منشئتي النفط السعوديتين في بقيق والخريص، أمراً طبيعياً في اطار الحرب على اليمن، بينما دعت بكين في تعليقها على الضربة دول التحالف إلى ضبط النفس وعدم جر منطقة الخليج إلى المزيد من الصراعات.
ويعد موقف موسكو وبكين موقفاً جديداً، لم ينخرط في تصدير الادانات كما جرت العادة، ولكنه وضع الأمور في سياقها الطبيعي، حيث تحتفظ الدولتين بمصالح كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، وهي مواقف تحاول من خلالها الدولتين الكبيرتين ترميم العلاقات مع صنعاء، بما يتيح للدولتين لعب دور مهم في انهاء الحرب، في ظل فقدان الثقة بإمكانية أن تلعب واشنطن أي دور في انهاء الحرب، خصوصاً أن واشنطن لم تحتفظ لنفسها بأي فرصة للعب دور الوسيط بعد تورطها المباشر في دعم التحالف.
في حين أن واشنطن لم تعد قادرة على اخفاء إحساسها بالخيبة من امكانية فرض مخططها بإعادة اليمن إلى الحظيرة الأمريكية، فقد اعاد مساعد وزير الخارجية الأمريكي ديفد شينكر تصريحات بدى من خلالها أن صمود اليمن على مدى قرابة خمسة اعوام، دفع واشنطن إلى التسليم بعدم قدرتها على احتواء الثورة الناشئة في اليمن، حيث أقر شينكر خلال مقابلة مع قناة “الحرة” أمس الأول أن الحوثيين “جزء من المشكلة” بالنسبة لواشنطن، ولابد أن يكونوا في المقابل “جزء من الحل” على حد تعبير شينكر.
وفي حين كانت صراعات طرد الشرعية تحتدم في المناطق اليمن المحتلة، كان اهتمام الادارة الأمريكية منصباً على فتح نافذة حوار مع صنعاء، من خلال تصريحات شينكر أثناء زيارته للسعودية في الخامس من سبتمبر الجاري، والتي قال فيها أن واشنطن تسعى إلى اجراء مباحثات مع صنعاء، لانهاء الحرب، دون أن تبدي واشنطن أي اكتراث للصراعات بين القوى التابعة لها في عدن.
ويبدو أن التوجهات الأمريكية الجديدة بشأن اليمن، قد انعكست في الرياض، حيث أبدى محمد بن سلمان خلال مقابلة مع شبكة “سي بي اس” مساء الأحد الماضي ترحيباً بالمبادرة التي أطلقتها صنعاء في الـ20 من سبتمبر، لوقف تبادل الهجمات، ورفع الحصار عن اليمن، بعد أن كان بن سلمان يرفض بتعالي كل المبادرات الرامية لوقف الحرب.
وهي تداعيات ستتخذ منها دول العالم مؤشراً، بعدم ابقاء “البيض” في سلة التحالف، مما يستدعي بالضرورة الانتقال إلى مرحلة جديدة سيكون لصنعاء فيها صوتاً قوياً في المنطقة .