مقالات وتحليلات (وكالة الصحافة اليمنية)
على الرغم من وقف إطلاق النار المؤقت، تشهد الطرق المؤدية إلى المدن الشمالية الشرقية السورية من منبج إلى القامشلي وتل أبيض ورأس العين، مرور المركبات العسكرية المختلفة.
فمن ناحية، تغادر الدبابات والجنود الأمريكيون قواعدهم، ومن ناحية أخرى، تدخل القوات التركية المناطق الکردية مصحوبةً بالهجوم المستمر لإحداث التغيير الديموغرافي والعرقي.
وقد حمل العديد من المدنيين الأكراد العزل حقائبهم وترکوا منازلهم بحثاً عن مناطق أكثر أمانًا. وفي منطقة قريبة من ذلك، يدخل الجيش السوري عبر اتفاق مع الأكراد إلی منبج لتوسيع نطاق الأمن في المنطقة.
هذا الاضطراب في شمال شرق سوريا حدث بعد قرار ترامب المفاجئ بمغادرة هذا البلد، وعبر اتفاق غير مكتوب مع أردوغان لإفساح المجال له في شمال شرق سوريا.
لکن هذه المرة، فإن ترامب وفي سياسة تتسم بالاضطراب والتناقض، أرسل نائبه “مايك بنس” إلى جانب مسؤولي البيت الأبيض بمن فيهم وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” ومستشار الأمن القومي “روبرت أوبريان” والممثل الخاص لسوريا “جيمس جيفري” إلى تركيا، لإقرار وقف فوري لإطلاق النار ووقف الهجوم، حسب ما قاله مايك بنس.
ولكن ماذا دفع ترامب للاستدارة في المواقف مرةً أخرى؟ هل الفظائع الجديدة ضد الأكراد تجبر البيت الأبيض على اتخاذ موقف أخلاقي؟ هل يرتبط الأمر بالمصلحة القومية للولايات المتحدة أم أن موقع ترامب معرض للخطر؟
الضغوط الداخلية علی ترامب
ترامب، الذي انسحب من سوريا تنفيذاً لشعاراته الانتخابية، كان يأمل أن يتسبب هذا الخروج بنزاعات ومتاعب جديدة لدول المنطقة مثل سوريا وروسيا.
كانت وتيرة التطورات عاليةً جداً، وفي الأيام السبعة الأولى، وفقًا لـ “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، وصل عدد المدنيين الذين قتلوا إلی 71 شخصاً ومن العسکريين 360، کما تشرَّد 300 ألف شخص أيضاً.
کذلك حذر مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان “عبد الرحمن رامي” من أنه، إذا وصلت القوات التي تقودها تركيا إلى كوباني، فستشن عمليات إبادة جماعية في هذه المدينة.
لذلك، أدان مجلس النواب الأمريكي الأربعاء بالأغلبية الساحقة قرار دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، ما أدى إلى الهجوم التركي علی الأکراد المتحالفين مع الولايات المتحدة الأمريكية.
بلغ عدد أعضاء الكونغرس الذين أدانوا قرار ترامب إلی 354 عضواً، ونظرًا لوجود 235 ديمقراطيًا و199 جمهوريًا في الكونغرس الحالي، فتشير الأرقام أعلاه إلى أن ما لا يقل عن 100 مشرِّع جمهوري قد أدانوا ترامب أيضًا، وهذا يشکل تهديداً خطيراً لاستمرار الحياة السياسية لترامب في الانتخابات المقبلة.
“إليوت إنجل” رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب من الحزب الديمقراطي، اعتبر قرار ترامب بأنه خيانة للشركاء. کما قال زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي “ميتش ماكونيل” إن “الانسحاب العسكري الأمريكي من سوريا لا يخدم المصلحة الوطنية للولايات المتحدة.”
من جهته وصف “ليندساي غراهام” السناتور من ولاية كارولينا الجنوبية وحليف دونالد ترامب، الوضع الحالي في سوريا بأنه “كارثة قيد الوقوع”. وأضاف أن “قرار دونالد ترامب يدل على أن أمريكا هي حليف غير موثوق به.”
يتمتع الكونغرس بقوة كبيرة، وقد حوَّل قرار ترامب الجو السياسي الأمريكي الثنائي القطب الذي کان يستفيد منه حتى الآن، إلی مناخ معارض له حالياً.
في البداية سعى ترامب إلى تهدئة الداخل الأمريكي وإلى حد ما الرأي العام الكردي، من خلال فرض التعريفة الجمركية على الصلب بنسبة 50 في المائة على الصادرات التركية وفرض عقوبات علی وزارتين في هذا البلد، ولكن کان الاستنتاج العام هو أن هذه العقوبات والألاعيب اللفظية من قبل ترامب ما هي إلا إجراءات استعراضية.
ردود الفعل الدولية
منذ البداية عارض مجلس الأمن والأمم المتحدة الهجوم التركي بشكل واضح. والاجتماع الذي عقد الأربعاء بناءً على طلب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبولندا وبلجيكا، حذر في بيانه بأن الأمم المتحدة “تشعر بقلق عميق إزاء تدهور الوضع في شمال شرق سوريا وهروب إرهابيي داعش من السجون التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية”.
وفي الاجتماع، دعا الممثل الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة “كيلي كرافت”، إلى وقف عمليات نبع السلام التركية ووقف إطلاق النار.
لذلك، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة قد عارضت العملية الترکية في اجتماع الأمم المتحدة أيضاً، فإذا لم يقم ترامب بعمل أكثر جديةً، لكان قد اتُهم بالنفاق بالإضافة إلى الإضرار بمصداقية الولايات المتحدة.
كذلك، فإن الوضع الأمني في المنطقة يشعر الکيان الإسرائيلي بعدم الأمان أيضاً. هذا الکيان الذي يعتبر الحليف الرئيسي لأمريكا في الشرق الأوسط ليس متأكداً من أمن مستقبله والذي اعتمد فيه حتى الآن على أمريكا. وفي هذا الصدد، يذهب بومبيو إلى الکيان الإسرائيلي بعد السفر إلى تركيا.
فمن ناحية، إن خطر الإبادة الجماعية في كوباني يذكر أمريكا بفترة تصاعد التوتر في هذه المدينة، ما دفع أوباما تحت الضغط الدولي بنشر قوات أمريكية في سوريا رسمياً.
ومن ناحية أخرى، رفض أردوغان دعوات الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار قبل زيارة بنس إلى تركيا، وفي نفس الوقت تقريبًا، تحدثت وسائل الإعلام عن زيارته الوشيكة إلى روسيا. وهذا يدل على أن بوتين هو أكثر مصداقيةً من ترامب عند الأطراف المعنية.
لقد دخلت القوات السورية إلى الرقة بعد خمس سنوات، كما دعم سکان الحسكة الجيش السوري. وفي أماكن أخرى مثل منبج أيضًا، حضرت القوات السورية المشتركة.
وفي العديد من الأماكن التي كان العلم الأمريكي يرفرف فيها، تم الآن رفع العلم الروسي كداعم للأكراد، وهذا ليس ما كان يبحث عنه ترامب.
بحسب تصريحات ترامب، فإن توقعه في الغالب کان مواجهة سوريا وروسيا لتركيا، وهذا ما لم يحدث حتى الآن نتيجة يقظة هذين البلدين، بالإضافة إلی دخولهما إلی مدن جديدة.
خطر داعش
رغم أن أردوغان وقبل الهجوم علی شمال شرق سوريا وکتنازل لأمريكا، قد تعهد بتحمل مسؤولية سجناء داعش، لكن الأمور لا تسير وفقًا لإرادة واشنطن وأنقرة المشتركة.
فمن جهة، خان أردوغان أمريكا أيضاً وهو يستخدم عناصر داعش في هذه الحرب؛ بحيث قالت المستشارة السياسية والمتحدثة الإعلامية للرئيس السوري “بثينة شعبان” بأن:”تنظيمي النصرة وداعش الإرهابيين يساعدان الأتراك، إلى الحد الذي أن أغلبية من يقودهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تابعين لجبهة النصرة وداعش”.
ومن جهة أخرى، فإن تركيا ليست مستعدةً ولا قادرةً على السيطرة على مجموعات داعش التي يحتجزها الأكراد خلال العمليات القتالية، وقد تسبب هذا في هروب بعض منهم في كل يوم.
شبكة “آر تي إل” الفرنسية کانت قد أفادت الثلاثاء أنه تم هروب 10 امرأة و25 طفلاً فرنسياً على صلة بتنظيم داعش الإرهابي.
کما قال “مظلوم عبدي” القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية في مقابلة تلفزيونية مساء الأربعاء:”لقد أوقفنا جميع أنشطتنا ضد داعش، ومن الآن فصاعداً سوف تنفذ قواتنا عمليات دفاعية ضد داعش فقط.”
هروب عناصر داعش سيضر بالمصالح الأمريكية في العراق والأماكن الأخرى، لأنهم یهربون بشکل غير منظم، ويصبح تعقبهم أكثر صعوبةً بالنسبة لقوات الأمن الأمريكية والغربية، بالإضافة إلى أن أي جريمة سترتكبها هذه العناصر، فسيكون ترامب أول من يتحمل المسؤولية أمام الرأي العام وفي وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية.
المصدر : الوقت التحليلي