كشف ستيفان لاكروا أستاذ العلوم السياسية والخبير الاستراتيجي في شؤون الشرق الاوسط الابعاد الحقيقية للأزمة الخليجية ، محذرا من دور ابو ظبي في تفتيت المنطقة مؤكدا انها هي المحرض الحقيقي على حصار قطر ومحاولة فرض العلمانية على دول المنطقة.
وقال لاكروا في حوار مع صحيفة أورينت الفرنسية ان ولي عهد ابو ظبي هو من اقنع ولي عهد السعودية بحصار قطر وبإجراء تحولات حادة في السعودية لفرض العلمانية على المجتمع مؤكدا انه يقود السعودية الى الدمار.
وقال إن أبوظبي تعمل في الخفاء وتفضل التحرك باستمرار في الكواليس وسياستها في المنطقة متداخلة وسرية، حيث يقوم مشروعها على الليبرالية الاقتصادية و الاستبداد السياسي.
وأعتبر ستيفان لاكروا أن طبيعة العلاقة بين ولي العهد السعودي وولي عهد أبوظبي محرك أساسي لسياسة المنطقة ، حيث إن ولي عهد أبوظبي يلعب دور المعلم بالنسبة لولي العهد السعودي ، فالأول له خبرة طويلة في السياسة و له شبكة علاقات دولية ضخمة ،واستطاع التأثير على ولي العهد الشاب و إقناعه برؤيته لمستقبل المنطقة.
ويراهن ولي عهد أبو ظبي على تشجيع ولي العهد السعودي بحثا عن الشرعية الدولية فولي عهد أبو ظبي هو الذي ساعد ولي عهد السعودية لإقامة علاقة متينة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حتى قبل انتخابه، حيث عمل ولي عهد أبوظبي عن كثب مع مستشاره إريك برنس الرئيس السابق لشركة بلاك ووتر المرتزقة، ، وشقيقته بيتسي ديفوس، وزيرة التربية والتعليم في حكومة دونالد ترامب لخلق شبكة علاقة قوية مع الرئيس الأمريكي لدعم ولي العهد الجديد و سياسته في المملكة و المنطقة و هو الأمر الذي يصب في مصلحة أبوظبي، على حد قول الصحيفة .
ويضيف الكاتب أن الإمارات بلد صغير، ولديه طموحات سياسية واقتصادية أكبر من حجمه فمن الضروري ان يقيم تحالفا مع دولة كبيرة في المنطقة و هي السعودية.
و يقول ستيفان لاكروا أن الإمارات تدعم الأنظمة الاستبدادية في منطقة الشرق الأوسط وتعمل على طمس كل معارضة أو نفس ثوري لحماية مصالحها، فقد واجهت أبو ظبي و بقوة الربيع العربي لأنها تخشى من عودة الإخوان المسلمين، الذين تعتبرهم أبو ظبي أكبر المستفيدين من الثورات العربية كتونس ومصر.
و يضيف لاكروا أما من الناحية الاقتصادية، فإن الأمر يتعلق بجعل الشرق الأوسط سوقا كبيرة، تستطيع الإمارات الاستثمار و الكسب فيها وتصدير النموذج النيوليبرالي.
و يعتبر الكاتب أنه بالنسبة للإمارات الاستقرار في المنطقة لا يتحقق إلا بإحكام هيمنتها و سيطرتها ، حيث تدعم بقوة كل دكتاتور مثل عبد الفتاح السيسي في مصر و تعمل أبوظبي على نشر الليبرالية الاقتصادية في المنطقة لتحقيق أرباح اقتصادية و ترى في إسرائيل شريكا استراتيجيا لا تمانع في التطبيع معه إذ كان الأمر سيجلب لها مكاسب اقتصادية كبيرة.
و يقول لاكروا لتحقيق هذه النتيجة، تخوض الإمارات الكثير من الحروب في ليبيا و اليمن. كما أنها تدعم الأنظمة المتورطة في ارتكاب انتهاكات واسعة النطاق، كما هو الحال في مصر حيث قتل ألف من أنصار مرسي في يوم واحد.
وتطمح الإمارات لفرض الليبرالية الاقتصادية، على الصعيد الإقليمي تضم فيه دولا كبيرة مثل مصر و السعودية.
ويرغب ولي العهد السعودي أن يستنسخ النموذج الإماراتي للسلطوية النيوليبرالية في السعودية ، إلا أن فرض مثل هذا النموذج قد يولد في نهاية المطاف المزيد من عدم الاستقرار في المملكة.
و يكشف الكاتب ازدواجية الإمارات ، ففي الوقت الذي ترتبط فيه مع ايران بعلاقات تجارية هي الاكبر في المنطقة تحرض السعودية ضد إيران، وتريد دفع شركائهم الأمريكيين والإسرائيليين إلى الصراع مع إيران رغم أن الخطر الإيراني ليس من أولوياتها. ولكن بسبب تحالفها مع السعوديين، الذي تستمد منه فوائد أخرى، فهي جزء من هذه الحرب ،و محرك دائم لها و هي سياسة تساعد على زعزعة استقرار المنطقة.
وتحدثت الصحيفة عن علاقة أبوظبي مع الإخوان المسلمين حيث قالت أنها تعود إلى الستينيات، فقد استقبلت السعودية والإمارات عددا كبيرا من الإخوان المسلمين، في فترة الحرب الباردة العربية بين مصر ورئيسها جمال عبد الناصر من ناحية والسعودية ودول الخليج من جهة أخرى.
وتضيف الصحيفة، انه في سياق هذا الصراع، اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين حليفا لهذه الأنظمة الملكية. وباعتبارهم لاجئين سياسيين، فقد أصبحوا مساهمين في بناء الدولة وتحديثها. غير أن الاحتجاجات في السعودية أوائل التسعينات، اثر دعوة الملك فهد القوات الأميركية إلى تدخل في المنطقة بعد غزو صدام حسين للكويت. كانت نقطة التحول في علاقة الإمارات مع الحركة الإسلامية حيث اعتبرت أن الإخوان مصدر الاحتجاج .وبحلول أواخر 1990، ارتبط الإخوان المسلمون بحزب الإصلاح وتعرضوا لضغوط و ملاحقات مع صعود محمد بن زايد آل نهيان، الذي يعرف بكرهه الشخصي للجماعة.
و منذ سنة 2011، بدأت الإمارات حملة إقليمية ضد الإخوان المسلمين، حيث لعبت أبوظبي دورا هاما، مع الرياض، في الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في أوائل يوليو 2013.وفي ليبيا، دعمت الإمارات خليفة حفتر عسكريا في حربه ضد الإخوان وحلفائهم.
و في تونس، حاربت أبوظبي حزب النهضة لراشد الغنوشي لصالح حزب نداء تونس بقيادة الباجي قائد السبسي، قبل معاداته في 2017 لعدم الانحياز للإمارات ضد قطر.
و يعتبر ستيفان لاكروا أن الإمارات و السعودية تخوضان رسميا حربا مشتركة ضد الحوثيين لاستعادة الحكومة الشرعية، لكن في الحقيقة هدف الإمارات هو جعل اليمن منطقة خالية من الإخوان المسلمين وقد قرر الإماراتيون أخيرا تأييد استقلال الجنوب، لأنه خيار يسمح لهم بالسيطرة على جنوب اليمن الذي تهيمن عليه الحركة الانفصالية التي يدعمونها. وفي أوائل فبراير 2018، شنت هذه الحركة هجوما في عدن ضد قوات الحكومة التي تدعمها السعودية.
وبالتالي فإن الاستراتيجية تختلف بين البلدين ، فالسعودية على استعداد لإجراء تحالفات على أساس كل حالة على حدة مع جماعة الإخوان المسلمين.
و يقول لاكروا بالنسبة للإماراتيين، فإن الحوثيين ليسوا قضية رئيسية لكنهم في المقابل، سيحصلون على دعم السعودية في صراعهم مع قطر، ففي الأزمة مع قطر، الصراع الحقيقي ليس سعوديا -قطريا ، ولكنه إماراتي –قطري فبدون تحريض أبوظبي لم تكن الرياض لتقدم على حصار الدوحة.