حوار محمد العلوي // وكالة الصحافة اليمنية //
أكد الاخصائي والباحث في شؤون المياه والبيئة الدكتور أمين راجح، أن الحفر العشوائي للآبار يعد من أخطر القضايا التي تهدد مستقبل المياه الجوفية في اليمن.
وكشف الباحث راجح في حوار خاص مع “وكالة الصحافة اليمنية ” عن عدد الآبار الجوفية المحفورة في اليمن التي تتجاوز 110 ألف بئر، مبينا أن عدد الحفارات التابعة للمتنفذين والعابثين، تجاوز 900 حفار في الوقت الراهن، بينما كان عددها يصل إلى 700 حفار في العام 2010 .
– دون حسيب أو رقيب التي تجاوزت700 حفار في 2010، وتجاوزت 900 حفار في الوقت الراهن.
وأشار إلى أن الأرقام المهولة عن عدد الآبار والحفارات، تستدعي قرع ناقوس الخطر، نظراً لأن البلاد تسير نحو الجفاف الفعلي للمياه في مختلف الأحواض المائية.
وأوضح الباحث راجح أن تداخل المهام بين وزارة المياه والبيئة، والهيئات والمؤسسات التابعة لها، أدت جميعها إلى إهمال قضية المياه، لعدم وقوعها تحت إدارة موحدة أو جهة مسؤولة.
مبينا أن الجهات المعنية تفتقد لأي خطط أو دراسات لتتبع المحاصصة المائية المستغلة من قبل القطاعات الزراعية والمنزلية و الصناعية في اليمن.
كارثة بيئية
* بداية كيف تصفون الوضع المائي والبيئي في بلادنا؟
** أولا الوضع البيئي هو مفهوم واسع وشامل يحتوى على عده مجالات “موارد مائية – موارد أرضية – موارد حيوية وتنوع حيوي – المناخ”، في الوقت الذي تعاني فيه البيئة اليمنية من اعتداءات كبيرة، بدءاً بقضايا الغطاء الأخضر، ومروراً بقضايا المياه واستنزافها وتلوثها، وليس انتهاءً بإشكاليات النفايات والأكياس والعبوات البلاستيكية.
هناك قضيتين الأولى منها نضوب بعض الأحواض الجوفية نتيجة الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية والحفر العشوائي للآبار، دون الالتزام بأي مسافات وشروط قانونية وانعدام الرقابة والتفتيش واتخاذ الإجراءات القانونية من قبل الجهات المسئولة عن هذه الموارد، والقضية الثانية هي التحطيب الجائر وقطع الأشجار الحراجية في الوديان والمناطق الجبلية التي توسعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة نتيجة انقطاعات مادة الغاز المنزلي، ينذر بكارثة بيئية وهي التصحر لا قدر الله إذا ما تدخلت الدولة بإجراءات وحلول سريعة لتفادي وقوع المشكلة.
تداخل المهام بين وزارة المياه والهيئات والمؤسسات التابعة لها أدى إلى إهمال قضية المياه
* ما تقيمكم لإدارة الموارد المائية.. وهل هي كفيلة في تعويض المياه الجوفية المستخرجة؟
** للأسف قضية المياه في اليمن ليست تحت إدارة موحدة أو جهة مسئولة عن هذا المورد الهام، هناك تداخلات بين الوزارة والهيئات والمؤسسات، أدت جميعها إلى إهمال قضية المياه، لذلك تقع مسؤولية الحفاظ على المياه، على الهيئة العامة للموارد المائية دون غيرها.
الحفر العشوائي من أكبر وأخطر القضايا التي تهدد المياه الجوفية
* في الوضع الراهن.. ما أبرز المخاطر التي تشكل تهديدا للموارد المائية؟
** المخاطر كثيرة جدا وسأحاول ذكر منها 2 من المخاطر، الأولى تتمثل بالحفر العشوائي التي تعتبر أكبر وأخطر القضايا التي تهدد المياه الجوفية، فقد وصل عدد الآبار الجوفية المحفورة في اليمن حاليا الى أكثر من 110 ألف بئر، وهذا رقم خطير جدا سيؤدي إلى جفاف لبقية الأحواض المائية، و انتشار الحفارات التابعة للمتنفذين والعابثين دون رقيب او حسيب، التي وصل عددها في عام 2010 إلى 700 حفار ، وقد تجاوزت عددها حاليا 900 حفار، بينما تعد اليمن من أكبر البلدان المستوردة للحفارات مقارنة بدولة الهند التي تملك حوالي 300 حفار مملوكة للدولة وأيضا الأردن تملك حوالي 100 حفار فقط مملوكة للدولة وتعمل في إطار خطة مرسومة.
وجود أكثر من 110 ألف بئر وانتشار 900 حفار في اليمن
* ما هي المؤشرات حول حجم الفاقد المائي ونسبة المخزون ومقدار الاستهلاك ؟
**حقيقة الوضع المائي مخيف ومستقبلها ينذر بالخطر ويهدد بكوارث على مختلف الجوانب الحياة، ما لم يكن هناك وقفة جادة للتصدي لمشكلة قضية المياه ووضع حد لهذا النزيف المستمر للمخزون المائي، بفعل الاستنزاف الجائر لأحواض المياه الجوفية، مما تسبب بعجز مائي كبير يتزايد بشكل يومي؛ إذ يصل الفارق بين ما يستهلك من المياه وما يتم تعويضه منها إلى 40 % ويتم تغطية الجزء الكبير من هذا العجز من المياه الجوفية وهو ما يهدد بقرب نضوب المخزون المائي.
حيث تشير الأرقام والمؤشرات بدراسات سابقة إلى أن اليمن كان يستهلك قبل 10 سنوات قرابة 3 مليار متر مكعب سنوياً، ويقدر الاستهلاك حاليا بحوالي 4 مليار متر مكعب من المياه سنويا، في حين لا يتجاوز التعويض 1 مليار و 500 مليون متر مكعب وهو ما يعكس حجم الفجوة المائية بين التعويض والاستهلاك والتي تصل إلى أكثر من2 مليار ونصف متر مكعب، ومع ذلك فان حصة الفرد من المياه في اليمن لا تتعدى120 متر مكعب في العام، وهو من أقل المعدلات الإنسانية في العالم، هذه الكمية لا تفي لسد عشر احتياجاته الضرورية للحياة حيث يحتاج الإنسان لسد احتياجاته المختلفة من المياه كمية تقدر بـ 1000 متر مكعب كحد أدنى وهو ما يسمى بخط الفقر المائي. وتصنف اليمن من الدول الأشد فقرا حسب المؤشرات الشائعة، حيث اعتمد المعيار العالمي، على ان حصة الفرد 1700 متر مكعب سنوياً، كحد فاصل بين الغنى والعجز المائي ، أقل من هذا الحد تظهر علامات شدة المياه “water stress” ، وإذا وصل المعيار إلى أقل من 1000 متر مكعب / فرد /سنة، فهو علامة على شحة المياه، أو الفقر المائي، التي تسبب صعوبات في التنمية الاقتصادية، ويكون الوضع حرجا وخطيرا إذا بلغ نصيب الفر السنوي من المياه أقل من 500 متر مكعب، مثل وضعنا الحالي وهنا تسمى الفقر الشديد مائيا.
شجرة القات تغطي 176 ألف هكتار من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة
* ماذا عن مقدار الاستهلاك من المياه المستخرجة في ري وزراعة القات؟
** يستحوذ القطاع الزراعي على معظم الموارد المائية حيث تصل حصته إلى قرابة 93% من إجمالي المياه المستخدمة” 40% ” من هذه النسبة مخصصة لزراعة القات وهذه النسبة الهائلة للمياه المستغلة في زارعة شجرة القات ترجع ذلك إلى استخدام الري بالغمر وهو نظام ري قديم، لا يزال يستخدم حتى الآن في بلادنا بشكل كبير؛ لذلك تعد هذه المشكلة من ابرز الأسباب الرئيسية لتفاقم أزمة المياه في اليمن.
قضية اتساع زراعة القات من أخطر القضايا التي تقاسم البيئة والمجتمع اليمني نصيباً وافراً من معضلاته. وقضية اتساع زراعة القات كان من أهم الأسباب لظهور القضية الأولى التي ذكرتها سابقا وهي ظاهرة الحفر العشوائي واستنزاف الأحواض الجوفية المتزايدة سنويا.
لأن معظم الغطاء النباتي المزروع في اليمن هي شجرة القات، حيث تقدر المساحة المزروعة حاليا بحوالي 176 ألف هكتار 15% من إجمالي المساحة الصالحة للزراعة وهي 1مليون و 500 ألف هكتار.
يجب تبني استراتيجية وطنية في حماية الموارد المائية وتغذية الأحواض الجوفية
* كيف يمكننا حماية الموارد المائية وما الإجراءات التي يجب أن تتخذها الدولة للحفاظ على الأمن المائي؟
** هناك عدة إجراءات يمكن ان تتخذها الدولة في حماية الموارد المائية، ومنها تنفيذ مشاريع استراتيجية لتغذية الأحواض الجوفية، والتوسع نحو إنشاء السدود والحواجز المائية بطريقة علمية وفنية صحيحة وذات جدوى عالية يستفاد منها.
حيث يقدر عدد المنشئات المائية التي تم إنشائها بالأعوام السابقة بحوالي 400 سد وحاجز أيضا 62000 منشأة مائية صغيرة مثل البرك والكرفانات والقنوات والسقايات، مع وجود تعثر لبعضها أو أنها لا تفي بالغرض الذي أنشأت من أجله.
تطبيق تقنية الخزن الجوفي الاصطناعي حصاد مياه الأمطار، وتطبيق القوانين والتشريعات في الجانب المائي، واستغلال الموارد المائية الغير تقليدية لتخفيف الضغط على المياه الجوفية المستغلة.
تأسيس قاعدة معلومات مائية وطنية من خلال إجراء الدراسات والمسوحات المائية لتحديث البيانات حول الموارد المائية، التي ستوفر المعلومات الكاملة عن الموارد المائية كماً ونوعاً والتغيرات الحاصلة عليها في معظم الأحواض المائية، حتى تكون مرتكزاً لإدارة للموارد المائية، وتحديث الخطط المائية.
لا توجد خطط أو دراسات لتتبع المحاصصة المائية المستغلة في القطاعات الزراعية و الصناعية
*هل هناك تتبع منهجي لاستهلاك المياه سواء في الزراعة أو مياه الشرب؟
** حقيقة هناك توقعات أن إجمالي المياه المستخدمة في اليمن بحدود 4 مليار متر مكعب موزعة على ، الزراعة 3700 مليون متر مكعب بنسبة 93%، و الاستخدامات المنزلية 250 مليون متر مكعب 6%، والصناعة بحدود 50 مليون متر مكعب 1%، ولا توجد أي خطط أو دراسات لتتبع المحاصصة المائية المستغلة من قبل القطاعات الزراعية والمنزلية أو الصناعية فقط هناك توقعات لا تبنى لا تبنى على أي دراسات او مسوحات تأكيدية لذلك.
اليمن تواجه تحديات الفقر المائي بفعل التأثيرات الاقتصادية البيئية والصحية والاجتماعية
* ما التحديات التي تواجه مستقبل المياه؟
** هناك العديد من التحديات التنموية الاقتصادية، التي تؤدي إلى تدني مستوى الدخل الاقتصادي لدى الفرد من خلال تكاليف استهلاك المياه، بالإضافة إلى تأثيراتها الصحية على الإنسان بسبب تلوث المياه وتأثير مياه الصرف الصحي على التربة وعلى المياه العذبة.
بالإضافة إلى التأثيرات البيئية والصحية والاجتماعية، التي تعد من أبرز التحديات التي تواجهها اليمن نتيجة الفقر المائي، تتمثل التأثيرات على الوضع البيئي والاجتماعي في شحة مياه الشرب والتصحر وهجرة المواطن من منطقة إلى أخرى، كما تؤثر على الزراعة بالنسبة لنمط المحصول الزراعي، كما تتعرض بعض مناطق مساقط المياه إلى الجفاف والتعرية وجفاف الينابيع والمياه السطحية واختفاء الغطاء النباتي.
الاتجاه نحو تحقيق الأمن الغذائي في اليمن يتطلب الحفاظ على الأمن المائي
*الاتجاه نحو الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي يتطلب تأمين الموارد المائية المستدامة. ما الذي تود الحديث عن ذلك؟
** لا يتم تحقيق الأمن الغذائي في ظل غياب أو ندرة الأمن المائي، الذي يعد أساس أي تنمية أو تقدم أي بلد اقتصاديا واكتفاء ذاتي، وتقدم صناعي واستقرار اجتماعي إلا بوجود مصدر كاف للمياه.
أتمنى ان نركز جهودنا في الاهتمام بقضية المياه ووضعها في أولويات القضايا الهامة في مستقبل اليمن.
حيث يوجد لدينا مصدرين أساسيين للمياه، الأول مصدر مياه الأمطار، الذي لم يستغل استغلال أمثل للاستفادة منه، والمصدر الثاني وهو المياه الجوفية، التي تم استنزاف خلال العشرة السنوات السابقة منذ بداية الثمانينات، المياه الجوفية المخزونة في باطن الأرض منذ ملايين السنين دون وضع أي خطط أو حلول مستقبلية تخفف من تفاقم المشكلة، لنسأل أنفسنا ماذا تركنا لأجيالنا القادمة؟
* ما مستوي الوعي المجتمعي بمخاطر نضوب المياه؟
** مستوى الوعي المائي ضعيف جدا وأتمنى ان تكون التوعية المائية أساس الحلول لمشكلة المياه في اليمن، بقطاع مستخدمي المياه وبالذات في القطاع الزراعي والذي يأخذ النصيب الأكبر من استخدام المياه الجوفية وتكون التوعية من خلال، اللقاءات الحقلية مع المزارعين، وإيصال مفهوم التوعية للمستفيدين عن طريق المحاضرات ومواد التوعية المختلفة كالملصقات والكتيبات والتي من شأنها التعريف بالمشكلة، وحث المزارعين بضرورة الإبلاغ عن أية تجاوز مثل الحفر العشوائي، وزرع روح المسؤولية الجماعية في أوساطهم، لانّ المشكلة تخص الجميع، بالإضافة إلى إلزام المزارعين استخدام طرق الري الحديثة، وتجنب زراعة المحاصيل المستهلكة للمياه واستبدالها بمحاصيل اقتصادية أخرى.