جيبوتي، تزاحم قوى العالم بحثاً عن النفوذ في “باب المندب”
الحرب في إفريقيا، حرب الصراع على الموارد والثروات. أما عندما نتكلم عن جيبوتي فهذا الأمر لا يتعلق بها لا من قريب ولا من بعيد، فهي لا تملك أساساً ما يكفي من الموارد الطبيعة لتلبية حاجاتها، إلا أن الميزة الأكبر لهذا البلد الصغير هو موقعه الاستراتيجي. جمهورية جيبوتي هي بلد صغير جداً يقع في شرق إفريقيا تبلغ مساحته 24 ألف كيلومتراً مربعاً ويقطنها حوالي 800 ألف شخص. وتحدّها من الغرب والجنوب إثيوبيا ومن الجنوب الشرقي الصومال. وتستضيف جيبوتي عدداً كبيراً من اللاجئين اليمنيين الذين فرّوا من الحرب التي مزّقت بلادهم. جيبوتي لديها جيش ضعيف جداً عديده أقل من 200 ألف جندي وهو غير قادر على الانخراط في أي عملية عسكرية. ذلك البلد العربي الصغير والذي يقبع قرابة خمسهم تحت خط الفقر، يشكّل محل استقطاب للقوى الكبرى بسبب موقعه الفريد المطل على مضيق باب المندب في البحر الأحمر.
الموقع الجيوسياسي لجيبوتي…
وتطلّ جيبوتي على مضيق باب المندب وهي قريبة من خليج عدن، ومن هذا المنطلق تسعى الدول العالمية إلى النفوذ فيها، ويعدّ باب المندب واحداً من أهم المعابر في العالم بعرض 32 كم ويربط البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، فاصلاً بين جيبوتي في إفريقيا واليمن في آسيا. وازدادت أهمية باب المندب بعد شق قناة السويس في شمال البحر الأحمر عام 1869 بسبب ربطه البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، ليتحول إلى واحد من أهم ممرات النقل والمعابر المائية بين بلدان أوروبية والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي وشرق إفريقيا. واكتسب الممر أهمية كبيرة لما يمتاز به من عرض وعمق مناسبين لمرور كل السفن وناقلات النفط على مسارين متعاكسين متباعدين. وزاد نفط الخليج من أهميته، حيث يقدر عدد سفن النفط وناقلاته العملاقة التي تمر فيه في الاتجاهين، بأكثر من 21 ألف قطعة بحرية سنوياً، أي ما يعادل 57 قطعة يومياً، ما جعل الدول الغربية تتسابق لتقوية حضورها في الدول المجاور لباب المندب.
أهمية جيبوتي في المنافسة الإقليمية…
خوف جيبوتي من جيرانها الكبار، أدّى إلى اتباعها أمرين في السياسة الخارجية: أولاً، في قضايا القرن الإفريقي، حيث إنها تتبنى موقفاً سياسياً محايداً، ثانياً، الوفاء بالتزامات جيرانها والحفاظ على التوازن الإقليمي، وذلك عبر توسيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني ومع فرنسا كقوة عابرة للحدود الوطنية. كما أعطت جيبوتي الصلاحية لـ (الكيان الإسرائيلي وأمريكا والاتحاد الأوروبي) بالحفاظ على أمنها، حيث ذكرت بعض التقارير أنه بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، اتخذت أمريكا من جيبوتي مقراً لأكبر وأحدث مراكز الاستخبارات في منطقة الشرق الأوسط والمحيط الهندي، ونشرت بعض قواتها في جيبوتي والصومال، وانضم إليها فيما بعد الأسطول الألماني والقوات الفرنسية كما أرسلت الصين مؤخراً ناقلات بحرية إلى جيبوتي لبناء أول قاعدة عسكرية لها في الخارج، وكلّهم جاؤوا تحت عنوان التصدي لأي ضربة محتملة أو استهداف لباب المندب، وتوفير عبور ملاحي آمن للبترول العالمي.
ويشكّل باب المندب أهمية استراتيجية واقتصادية لإسرائيل أيضاً بسبب موقعه الاستراتيجي، كما أنه يعدّ الشريان الحيوي للاقتصاد الإسرائيلي، فهو يشكّل ممراً للتجارة الإسرائيلية التي تعبر البحر الأحمر ومن ثم مضيق باب المندب مثل (تجارة الفوسفات والإسمنت) إلى المناطق الإفريقية التي عملت إسرائيل على تحويلها إلى أسواق للتجارة الإسرائيلية، بالإضافة إلى أن واردات الكيان الإسرائيلي كالمواد البترولية تأتي عن طريق باب المندب من ثم البحر الأحمر من ثم ميناء إيلات الإسرائيلي.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الصين تسعى أيضاً إلى النفوذ في إفريقيا، حيث تعتبر جيبوتي مدخلاً مريحاً للقارة الإفريقية التي تعتبرها الصين شريكها التجاري الأول، إذ تصل قيمة النشاط الاقتصادي للصين في إفريقيا سنوياً لـ 300 مليار دولار. وفي 4 ديسمبر 2016 أعلن رئيس القيادة الأمريكية في إفريقيا ديفيد رودريغيز أن حكومة جيبوتي قد وقّعت عقداً مع حكومة بكين لبناء قاعدة عسكرية صينية لمدة 10 سنوات تضم 10 آلاف جندي. وإن توقيع هذا العقد سوف يمكّن الصين من تحقيق الكثير من العائدات، كما أن نشاطها في القارة سيشمل استثمارات ومشاريع بنية تحتية، وعلاقات سياسية وعسكرية، وعمليات لقوات حفظ السلام. وإن الوجود الصيني في جيبوتي سيقرب الصين من شبه الجزيرة العربية التي تستورد منها بكين نصف نفطها الخام، وهنا يجب أن نذكر أن الصين في السنوات الأخيرة امتلكت ربع ميناء جيبوتي، وهي شريكة في إنشاء البنية التحتية للموانئ ومنشآت الطاقة والقطارات، ومسؤولة عن التجارة الحرة في جيبوتي وإثيوبيا أيضاً. كما أولت أمريكا اهتماماً خاصاً لهذا البلد الصغير في شرق إفريقيا بسبب إشرافه على مضيق باب المندب، كما أنها البلد الوحيد الذي يمتلك قاعدة عسكرية علنية في إفريقيا وهي واقعة في جيبوتي.
وبالإضافة إلى ذلك، كانت جيبوتي واحدة من البلدان التي كانت لها علاقات جيدة نسبياً مع إيران، ولكن خلال الحرب اليمنية، دفعت الدولارات السعودية جيبوتي إلى قطع العلاقات مع إيران والانضمام إلى السعودية.
خلاصة القول إن الحالة الجيوسياسية الفريدة في القرن الإفريقي كانت عاملاً رئيسياً في جذب انتباه مختلف البلدان إلى جيبوتي، حيث أصبحت في الوقت الحالي ذات تأثير كبير في المعدلات الإقليمية والدولية.