صلاح.. طفل لم يتجاوز الرابعة عشرة من العمر، يقود حافلة متوسطة “باص” في احدى فرز العاصمة صنعاء، بدون رخصة قيادة وبدون خوف من رجال المرور يعمل على مدار اليوم بنقل الركاب، الركاب أيضا لا يخافون من سائق الحافلة الصغير لأنه على ما يبدو متمكن من قيادة الحافلة في اكثر الشوارع ازدحاما، يستمر هذا الطفل حتى ساعات متأخرة من الليل تتجاوز الثانية عشرة، لكنه لا يقود حافلته وحيدا ففي المساء، يحرص صلاح على اصطحاب اثنين مرافقين معه في مقدمة الحافلة وكأنه قد ضمن بوجودهم حماية جسديه تقيه من أشباح ومفاجئات الليل المظلم، مرافقو صلاح يشاركونه مضع القات وتحصيل النقود من الركاب وتوليف موجات الاذاعات القصيرة والمتوسطة، احدهم لم يتجاوز سن العاشرة والآخر لم يبلغ الثانية عشر من عمره، صلاح ومرافقيه ايضا مخزنين وفاتحين اذاعة “.. اف ام” وكأنهم في مدينة ألعاب حديقة السبعين.
من وجه صلاح والطفلين المرافقين له لا يبدو عليهما الشقاء حتى يتبادر الى ذهنك أن ثمة ظروف قد اضطرتهم للعمل حتى بعد منتصف الليل، ولا تبدو على وجوههم مظاهر الرفاهية أيضاً، وهو أمر محير حقاً، لكن الحقيقة أن ثمة ثقافة مجتمعية هي من دفعت صلاح للعمل ربما كهواية، وربما “من جيز الناس”، فصلاح ما هو إلا واحد من مئات الاطفال الذين يجلسون خلف المقود، واذا الآخرين يجوبون الشوارع بسيارات فارهة ويشكلون تهديد حقيقي لأنفسهم وللمارة فإن صلاح قد جلس خلف المقود بكل هدوء وقرر قيادة حافلته من والى ” فرزة محددة” مبديا احترافية في القيادة، وحرفنة تجذب الركاب وهدوء وثقة بالنفس لدرجة أن الركاب ورجال المرور والمارة عميت أبصارهم، وكأنهم يصعدون على متن حافلة يقودها رجل ستيني او خمسيني العمر.
ويظهر في الصورة المرفقة طفل لم يبلغ الثامنة من عمره وهو يقود سيارة فارهة في أحد شوارع صنعاء، بينما يجلس والده على المقعد الآخر، الأب يريد أن يعلم إبنه القيادة في الشارع العام، وكأنه لا يعلم بأن هنالك مدارس خاصة لتعليم قيادة السيارات، وأن هناك سن محددة يجب أن يتجاوزها أي سائق كي يتم منحه رخصة قيادة، لكن الظروف الحالية التي شغلت السلطات بأولويات عسكرية واقتصادية وفرت مناخاً وبيئة مثالية لمثل هؤلاء الأباء المغامرون، كما حولت الشوارع الرئيسية الى حدائق يلهو بها أطفال تحت سن العاشرة، على مرأى ومسمع.
الأب الذي يقف الى جوار طفله واحد ممن شجعوا صلاح وغيره من الأطفال على قيادة السيارات دون خوف أو وجل، بل ومنحوهم أسباب منطقية لتجاوز نقاط المرور بكل سهولة ويسر، إذ أنه من غير المقبول أن يسمح رجال المرور لطفل أن يقود سيارة فقط لأن والده يجلس الى جواره ويمنعون أطفال آخرين قرروا أن يخوضوا المغامرة سواءً لطلب الرزق أو للاستمتاع والترفيه في شوارع العاصمة.