متابعات : وكالة الصحافة اليمنية
لم يعتد سكان العاصمة البريطانية لندن رؤية لوحات إعلانية على الطرقات العامة أو على شاحنات متنقلة ترحب أو تندد بزائر أجنبي مهما علا شأنه . لكن تم كسر تلك القاعدة مع وصول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في أول زيارة رسمية له إلى بريطانيا، وفي الوقت الذي تعاقدت السعودية مع شركات اعلامية بريطانية بعشرات الملايين للقيام بحملة دعائية ترافق وصول بن سلمان ونشر لوحات اعلانية تشيد به وتتحدث عنه وتعتبره إصلاحيا يعمل على انفتاح بلاده على العالم الخارجي، شهدت شوارع العاصمة البريطانية لندن حملة شعبية طوعية قادتها منظمات حقوقية تندد وتعلن رفضها زيارة بن سلمان إلى بريطانيا والذي وصفته بـ”مجرم حرب” واتهمت الحكومة البريطانية بالتواطؤ مع السعودية ومشاركتها في ارتكاب جرائم ضد الانسانية في اليمن.
ملايين بن سلمان وسلطة المال لم تجد نفعا وسقطت أمام سلطة الاخلاق التي لم تكن تنتظر دعما ماليا أو توجيها سياسيا لتقف في وجه بن سلمان وتفضحه أمام العالم.
وبرغم أن الحكومة البريطانية وضعت برنامجاً حافلاً لزيارة الأمير الشاب –كما تصفه- حيث استقبلته الملكة اليزابث الثانية وأقامت على شرفه مأدبة غداء في قلعة ويندسور خارج لندن، وكذلك استقباله من قبل ولي العهد الأمير تشارلز وزوجته والأمير ويليام إضافة إلى لقاء رئيسة الوزراء وأعضاء الحكومة البريطانية، إلا ان كل ذلك لا يعني أن العلاقات بين البلدين جيدة وسلسلة دائماً، فهناك العديد من الأصوات العالية داخل البرلمان وخارجه تنتقد الحكومة البريطانية وتتهمها بمهادنة السعودية، خاصة في مجال حقوق الانسان وحرب اليمن.
وليس هذا وحسب بل ان بعض المراقبين يقولون إن بن سلمان يجيد خلق المشاكل، لكنه يفتقر إلى القدرة على حلها أو السيطرة عليها، ويعطون مثالاً على ذلك الحرب في اليمن والأزمة مع قطر.
كما يرى البعض الأخر أنه شخص مندفع إن لم يكن متهوراً، ومثال على ذلك تقديم رئيس وزراء لبنان سعد الحريري استقالته عبر التلفزيون السعودي بعد استدعائه إليها، وعودته بعد تدخل فرنسا إلى لبنان وتراجعه عن الاستقالة، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول ما جرى وما الهدف الذي حققته السعودية عبر هذه العملية.
مجلس العموم البريطاني، أهم رموز الحياة السياسية البريطانية، حتما لم يكن من الأماكن التي يحرص ابن سلمان على زيارتها. فقد علت في أروقته ولا تزال الأصوات التي تندد بسجل السعودية في مجال حقوق الانسان والحرب على اليمن.
فقد اتهم زعيم حزب العمال المعارض جيريمي كوربن يوم وصول الضيف الحكومة البريطانية بتوجيه الحرب التي تشنها السعودية على اليمن وأضاف أن بريطانيا شريكة في “جرائم حرب تقع في اليمن حسب الامم المتحدة”.
وقال إن ألمانيا أوقفت صادرات الأسلحة للسعودية بسبب ما يجري في اليمن بينما بريطانيا زادت الصادرات والمستشارون العسكريون البريطانيون “يوجهون المعارك”، بحسب منظمة بريطانية مناهضة لتجارة الأسلحة.
وبريطانيا هي ثاني أكبر مصدر للأسلحة إلى السعودية بعد الولايات المتحدة، ووصلت قيمة الأسلحة والمعدات العسكرية التي باعتها بريطانيا للسعودية منذ بدء الحملة العسكرية على اليمن 2015 إلى 4 مليارات دولار تقريباً، أهمها الطائرات المقاتلة والعمودية وطائرات بلا طيار بقيمة وذخائر وصواريخ وقنابل وعربات مدرعة ودبابات.
وتقود المنظمة البريطانية حملة لوقف مبيعات السلاح إلى السعودية، لأن السلاح البريطاني “يُستخدم في عمليات عسكرية تنتهك القانون الدولي” كما تقول. وأضافت أن استطلاعا للرأي قامت به بيّن أن 6 في المئة فقط من البريطانيين يؤيدون بيع السلاح للسعودية.
ومن بين الشركات تعاقدت معها السعودية BAE، ثالث أكبر شركة منتجة للسلاح في العالم وتنتج مختلف أنواع الأسلحة وعلى رأسها طائرات “تايفون”، وتأمل بريطانيا إبرام عقد جديد بقيمة 12 مليار دولار لتوريد المزيد من هذه الطائرات للسعودية.
ولا يزال البريطانيون يتذكرون جيداً قرار حكومة توني بلير قبل عقد من الزمن وقف التحقيق في صفقة “اليمامة” العسكرية التي تجاوزت قيمتها 100 مليار دولار وشابتها “أعمال فساد” على نطاق واسع بعد تهديد السعودية وقف التعاون الأمني بين البلدين إذا استمرت بريطانيا في التحقيق، ولم تجد الحكومة بداً من الرضوخ.