ليست علاقة الهندوس بدول مجلس التعاون الخليجي والإمارات بشكل خاص، وليدة اليوم. بل تعود إلى مئات السنوات، إذ كان ملايين من الهنود، وغالبيتهم من الهندوس، يهاجرون إلى الدول الخليجية الغنية بالنفط بحثاً عن لقمة العيش، سواء كانوا عمالاً أو رجال أعمال.
يقول نارين ساولاني، أحد أعضاء اللجنة الإدارية لـمجمع دبي لمعبدي الهندوس Shiva and Krishna Mandir: “الهندوس يعيشون في الإمارات منذ أكثر من قرن. يعملون من دون التدخل بشؤون الآخرين. وطالما كانوا جزءاً من تطور البلاد التي تقدّر جهودهم. حتى أن الحكومة كثيراً ما كانت متعاونة جداً ومتفهمة، وعملت على مساعدة واحترام الجالية الهندوسية” وحرية العبادة، باستثناء تسجيل الزواج، الذي يقام في المعبد في الدوائر الرسمية.
فمجمع معبدي شيفا وكريشنا مندير، بُني عام 1958 بعد أن سمح الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم ببنائه في منطقة بُر دبي القديمة. ويضم اليوم المعبدين الوحيدين في الإمارات: الأول مكرّس للإله شيفا، والثاني للإله كريشنا.
في هذا المجمع، يحضر الآلاف للصلاة وتأدية واجباتهم الدينية. ويضيف ساولاني: “لا نواجه أي مشاكل في ممارسة ديننا الهندوسي في دبي، حتى أننا لم نضطر إلى تعديل أو تغيير أي شيء في طقوسنا”. ويتابع: “الهندوس يمارسون دينهم كما يفعلون ذلك في الهند. فنحتفل، على سبيل المثال، بعيد ديوالي أو مهرجان هولي، أو مهرجانات جنوب الهند بالطريقة نفسها التي نحتفل بها في وطننا الأم”. ويوضح: “في بعض هذه المناسبات، يحضر 100 ألف يومياً إلى المعبد في دبي”.
الإمارات العربية الوجهة المفضلة
يشار إلى أن الهندوسية هي ثالث أكبر ديانة في العالم بعد المسيحية والإسلام. وتضم الهند أكبر عدد من الهندوس في العالم (أكثر من 5 ملايين). ومن المتوقع أن يزداد عددهم في العالم من مليار عام 2010، إلى نحو 1.4 مليار عام 2050. وهذا ارتفاع طفيف، إذ سيبقى الهندوس يشكلون 15% من سكان العالم، بحسب مركز بيو للأبحاث. إلا أننا اعتبرناها أقلية في المنطقة العربية، خصوصاً أنها غالباً ما تكون ديانة الوافدين إلى دول المنطقة التي تشمل غالبية مسلمة.
وقدّر مركز الأبحاث نفسه في آخر دراسة أجراها عام 2010، بإجمالي يصل إلى 1.77 مليون هندوسي في مختلف الدول العربية، غالبيتهم، في دول مجلس التعاون الخليجي. ففي الإمارات 490 ألف هندوسي، وفي السعودية 390 ألفاً، وفي قطر 240 ألفاً، وفي الكويت 230 ألفاً، وفي سلطنة عمان واليمن 150 ألفاً، وفي البحرين 120 ألفاً.
أما الدول العربية الأخرى كلبنان والأردن وجيبوتي ومصر وفلسطين، فلا تضم كل منها، بحسب الدراسة، إلا نحو 10000 هندوسي.
معابد أكثر مما نتخيّل
في الثامن عشر من فبراير الفائت افتتحت حكومة أبو ظبي أكبر معبد للهندوس في الشرق الأوسط على أراضيها، مما أثار جدلا واسعا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أبدوا استغرابهم الشديد من حرص الإمارات على تشييد وبناء المعابد الخاصة بالهندوس والبوذيين في حين أنها تمارس تضييقات واسعة على المسلمين أنفسهم.
معبد الهندوس الضخم الذي أعلن عن بنائه بمنطقة الوثبة في أبو ظبي في عام 2015، اكتمل بناؤه مؤخرا وأشاد به رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال زيارته القصيرة للإمارات، حيث كشف عن نموذج لما سيكون عليه أول معبد هندوسي في أبو ظبي، ووصفه بأنه “شهادة على التسامح”.
وعام 2015، أعلن الشيح محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، عن قرار بتخصيص قطعة أرض لبناء معبد هندوسي هو الأول في الإمارة أبو ظبي. قرار أثار جدلاً واسعاً على موقع Twitter، بين معارض لهذا القرار الذي يشجع أديان أخرى غير الإسلام، ومؤيد له كانعكاس لانفتاح الإمارات وحرية كل الأديان في ممارسة شعائرها. كما نجد موقعاً لحرق جثث الموتى Cremation ground.
أما في العاصمة البحرينية المنامة، فيوجد معبدان هندوسيان، معبد إسكون في حي الكويت، ومعبد كوروفايو رابان لطائفة هاري كريشنا في العدلية.
وفي سلطنة عمان، حيث وصلت الهندوسية عام 1507 من السند، وجدت العديد من المعابد القديمة، التي اختفت اليوم، ولم يتبقَ إلا معبدان في العاصمة: معبد كريشنا في روي ومعبد شيفا في المطرح الذي يعتقد أنه بني قبل مئة عام، ويجذب حشوداً ضخمة من الهندوس.
وفي القرن التاسع عشر، بنيت عشرات المعابد الهندوسية في عدن، أشهرها معبد شري تاميرقا (1862) ومعبد شري رام جي (1875) ومعبد هانومان (1882).
وكما حال كل الأديان غير الإسلام في السعودية، لا يسمح للهندوس ببناء المعابد أو إقامة الاحتفالات بأعيادهم. وغالباً ما يمارسون طقوسهم في شقق أو فيلات.
الهندوسية باختصار
يطلق على الهندوسية أيضاً البراهمية، وهي الديانة السائدة في الهند والنيبال، وتجمع باقة من العقائد والتقاليد، وتعتبر من أقدم الديانات المعروفة في العالم، وتعود إلى نحو 1400-1600 ق.م. وهي ديانة متعددة الآلهة، إذ أنها تعترف بوجود نحو 330 مليون إله. لكن الهندوس يعبدون إلهاً واحداً فوق كل الآلهة الأخرى، هو البراهما الذي لا يمكنهم معرفته أو فهمه، ويؤمنون بأنه يشكل كل جزء من العالم..كما يؤمن الهندوس أن ربهم موجود في ثلاث صور منفصلة: فينشو التي تعني الحافظ، وبراهما أي الخالق، وشيفا أي المهلك.
لا يعتبر “غيتا” بمثابة الكتاب المقدس لدى الهندوس، بل هو من أهم الكتب بسبب غياب كتاب موحد لها. وتوجد العديد من الكتابات القديمة التي تناقلتها الأجيال على غرار يوبانيشدا والرامايانا والماهباهاراتا، التي تضم التراتيل والفلسفة والشعر والقصص والأساطير.
ويؤمن الهندوس بأن الهدف الروحي الأسمى، هو الاتحاد بالبراهما، ومن أجل أن يصلوا إلى حرية الموكشا، سيتقمّصون مراراً وتكراراً بحسب الكارما، حتى يتمكنوا من تحقيق ذاتهم الحقيقية.
كثيرة هي الأساطير التي تحيط بالهندوسية إلا أنّ معظمها غير صحيح. فالهندوس لا يعبدون الأوثان، بل كل ما يذكرهم بالرب. كما أنهم لا يعبدون البقرة لكنهم يعتبرون أنها على غرار المخلوقات الأخرى، فيها حياة وبالتالي هي مقدسة. وعلى الرغم من ذلك، ليس الهندوس نباتيين، بل غالبيتهم يأكلون اللحوم.