متابعات // وكالة الصحافة اليمنية //
تواجه دول الخليج صدمة اقتصادية خطيرة، حيث تعطل جائحة “كوفيد-19” مصادر إيراداتها الرئيسية، بسبب انخفاض أسعار الطاقة، بالإضافة إلى انخفاض الطلب العالمي.
وينذر الانخفاض الحاد في الدخل الحكومي في جميع أنحاء المنطقة بزيادة العجز في الميزانية، ووجود اقتراض كبير في الأشهر المقبلة، ما يعني خلق ديون سوف تعقد الإنفاق والاستثمار لأعوام مقبلة.
لكن في حين قد تتأخر استراتيجيات التنويع وخطط الإصلاح الاجتماعي لدول الخليج، فلن يتم إلغاؤها تماما؛ حيث أوضحت الأزمة أكثر من أي وقت مضى حاجة دول الخليج لفصل اقتصاداتها عن النفط والغاز، وتعليم السكان كيف يعيشون بعيدا عن مساعدة الدولة.
تعطيل خطط التنويع
وتشترك اقتصادات دول الخليج في أوجه تشابه هيكلية، لكنها تختلف اختلافا كبيرا في مستويات ثرواتها، وبالتالي، ضعفها وقوتها أمام الصدمات الاقتصادية العالمية مثل تلك التي تسببها جائحة “كوفيد-19”.
وبالرغم من تراجع إنتاج النفط خلال العام الجاري، فإن الدول الأكثر ثراء بالطاقة والنقد، وهي الكويت والسعودية وقطر والإمارات، سيكون لديها احتياطي أكبر لمواجهة الخراب المالي السريع.
ومن ناحية أخرى، تفتقر عُمان والبحرين إلى نفس الموارد لمساعدتها في تجاوز العاصفة، وبالتالي من المتوقع أن تضطرا إلى اعتماد أعمق على جيرانهما لتعويض العجز المتوقع، خاصة أن أسواق الدين الدولية لا تزال حذرة من تقديم المزيد من الدعم لاقتصادات مثقلة بالديون.
وبغض النظر عن النفط، فإن أزمة “كوفيد-19” تؤثر أيضا على القطاعات غير النفطية، التي كانت هذه الاقتصادات تعتمد عليها لاستراتيجيات التنويع.
ولا تعتمد استراتيجية التنويع على الخدمات أو المنتجات غير النفطية فحسب، بل تعتمد أيضا على أموال النفط والغاز للاستثمار في التنويع، خاصة في هذه المرحلة المبكرة من العملية.
ووفقا لآخر توقعات صندوق النقد الدولي، فمن المرجح أن تنكمش اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي الـ6 بمعدل 2.7% هذا العام، مقارنة بتوقعات أكتوبر/تشرين الأول، التي كانت تتنبأ بنمو بنسبة 2.5%، وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط.
وتضمنت خطط معظم الدول الخليجية للتنويع الاقتصادي تعزيز قطاعي السياحة والسفر.
لكن الخسارة المتوقعة في عائدات السفر خلال هذا العام بسبب أزمة الوباء توضح أنه سيتعين على هذه الدول تعديل أو تأخير خطط التنويع.
وخسرت السعودية بشكل مفاجئ مكاسبها السنوية من موسم الحج هذا العام، وربما في العام المقبل اعتمادا على مسار الفيروس.
وفي غضون ذلك، اضطرت الإمارات إلى تأجيل معرض “دبي إكسبو 2020″، الذي يحظى بشهرة وجاذبية كبيرة، والذي كان من المتوقع أن يحقق 23 مليار دولار، أو ما يقرب من ربع الناتج المحلي الإجمالي لدبي.
وبالرغم من وجود قطاع سياحة أصغر من حيث الحجم مقارنة بجيرانها الأغنياء، فسوف تعاني عُمان أيضا من فقدان الزوار، وكانت السياحة لديها ذات أهمية خاصة لاستراتيجية التنويع في الأعوام المقبلة أيضا.
إصلاح عابر
ولمنع ارتباك اقتصاداتها بسرعة، قدمت دول مجلس التعاون الخليجي حزم تحفيز مبدئية متشابهة، حيث تم تأجيل الضرائب والرسوم للشركات الصغيرة والمتوسطة في جميع المجالات، كما تم دعم رواتب مواطني مجلس التعاون الخليجي وضخ السيولة في القطاع المالي.
ولكن في حين أن هذه الإجراءات ستساعد شركات القطاع الخاص على المدى القريب، لكنها ستأتي على حساب خفض الإيرادات غير النفطية وزيادة العجز المالي.
على سبيل المثال، تستخدم السعودية، أكبر اقتصاد في مجلس التعاون الخليجي، ما يقرب من ثلث السحب القياسي، البالغ 27 مليار دولار، من احتياطياتها الأجنبية، لدعم قطاعها المصرفي.
وباستثناء الكويت، التي غالبا ما تطبق سياستها المالية الفريدة والمستقلة، تتجه دول المجلس أيضا إلى أسواق الديون الدولية والإقليمية للمساعدة في تمويل حزم التحفيز الخاصة بها، ومن المتوقع أن تقوم السعودية بأكبر برنامج ديون لها هذا العام.
إنفاق اجتماعي مرتفع للغاية
ومع ذلك، لم تنفذ دول الخليج بعد التحويلات النقدية المباشرة أو مساعدات الدعم للمواطنين على نطاق واسع، باستثناء البحرين التي تعاني من ضائقة مالية.
وفي الواقع، أجرت العديد من الحكومات الخليجية تخفيضات على ميزانية الإنفاق الحكومي، ومن المتوقع إجراء المزيد من التخفيضات في المستقبل.
وقبل الأزمة الاقتصادية العالمية الناتجة عن الفيروس، كانت حكومات مجلس التعاون الخليجي في خضم خطط الإصلاح الاقتصادي الضخمة المصممة لفطام المواطنين عن هذا الإنفاق الحكومي الكبير، والذي تم الاعتراف منذ فترة طويلة بأنه غير مستدام من الناحية المالية.
وللحفاظ على الاستقرار الاجتماعي في خضم الأزمة الصحية والاقتصادية، ستتجنب هذه الدول أي نوع من إجراءات التقشف لأطول فترة ممكنة.
لكن الأزمة المالية المستمرة في أعقاب تلاشي الجائحة ستجعل هناك حاجة إلى تطبيق ضرائب ورسوم جديدة، فضلا عن خفض الدعم السخي المقدم من الدولة، وهي الأمور التي تصبح أكثر إلحاحا في الأعوام المقبلة.
وسيكون هذا ضروريا بشكل خاص بالنسبة للبحرين وعمان، حيث تعاني الدولتان من ضائقة مالية نظرا لمواردهما المالية المحدودة، وكذلك السعودية، نظرا لكثرة سكانها واعتمادها الكبير على عائدات الطاقة.
دافع للعمل
ومع ذلك، تظهر المنحة وسط المحنة، وسوف تمنح البيئة العالمية الحالية بعض الفرص الاستثمارية لدول الخليج الأكثر ثراء، والتي لا تزال لديها أموال نقدية.
وتستثمر السعودية، على سبيل المثال، في بعض الأصول المتعثرة بالفعل، ولم تتخل بعد عن خططها الاستثمارية الأكبر.
وعلى المدى القريب، سيكون التركيز الرئيسي لدول الخليج على البقاء السياسي والاقتصادي، ولن تؤدي حزم التحفيز إلا إلى تسريع عبء الإصلاح الاقتصادي، وسيفتح ذلك أسئلة حول الحاجة إلى إصلاح كامل لطريقة هيكلة هذه الاقتصادات على المدى الطويل، بما في ذلك قضايا العمالة الحساسة، مثل البطالة والمعاشات التقاعدية، وكذلك إصلاح سياسات الهجرة والتأشيرات.
وفي الوقت الحالي، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع النمو الاقتصادي لمصدري النفط في الشرق الأوسط بنسبة 4.7% في عام 2021، بالرغم من أن هذا يعتمد على نظرة متفائلة لمسار الفيروس والانتعاش في الاقتصاد العالمي واستقرار أسعار النفط.
وبغض النظر عما يحدث، سيؤثر انخفاض الطلب على النفط وانهيار معدلات السياحة بشكل كبير على دول الخليج لأعوام مقبلة، وقد تكون من بين آخر الاقتصادات الكبيرة التي تتعافى بالكامل من الأزمة.