تحقيق خاص: وكالة الصحافة اليمنية
كان يونس ناجي الذي تخطى عتبات الثلاثين من عمره، يظن أنه يستطيع التحكم بنفسه من إدمان مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه يوماً بعد آخر أصبح أسيراً لتلك المواقع لدرجة اهماله لأطفاله وزوجته وحتى صحته.
إلى هنا ويبدو حال يونس مقبولاً نوعاً ما، غير أن الأمر تتطور حد الانجرار وراء أفكار هدامة تدعو إلى التخلي عن الدين بل ومهاجمته بشدة.
وقال يونس لوكالة الصحافة اليمنية أنه قضى حتى الآن 8 سنوات لا يغادر خلالها مواقع التواصل الاجتماعي إلا لطارئ ملح.. ويعترف أنه أصبح مسلوب الإرادة، ويشعر بخواء روحي بسبب بعده عن الله والعبادات المفروضة عليه كمسلم، كما أن شعوره بالذنب تجاه اطفاله وزوجته أثقله.
ويحكي عبدالرحمن هادي وهو شاب جامعي، كيف أنه وقع ضحية لمكيدة “فيسبوكية” كلفته خسارة عامين دراسين سقط فيهما، وعانى من تدهور ملحوظ لصحته وحتى أخلاقه.
وقال هادي لوكالة الصحافة اليمنية أن صفحة إحدى الفتيات جذبته بشدة، خاصة انها كانت تمتلئ بمنشورات دينية وعظية وأدعية وغيرها من المقولات والحكم التي تدل على أن صاحبة تلك الصفحة فتاة ملتزمة دينياً، فبعث لها بطلب صداقة، فقبلت بصورة سريعة فاجأته.
يوماً بعد أخر تعمقت العلاقة بين هادي وفتاة الفيسبوك التي ظن أنها ملتزمة، ليكتشف لاحقاً أنها استخدمت ثوب العفة كغطاء لاستدراجه وكثيرين من الشباب..” كنا ضحايا دون أن نشعر لرغبة شاذة لفتاة” يقول هادي، ويضيف:” الحمدلله أنني اكتشفت ذلك بعد عامين تراجعت فيهما دراسياً، وصحياً وأخلاقياً”.
هادي حكى لوكالة الصحافة اليمنية تفاصيل علاقته “الفيسبوكية” التي دمرته خلالها فتاة خليجية منحلة اخلاقياً تصطاد الشباب وتحولهم إلى ضحايا ضمن قائمتها الطويلة، لإشباع هوسها “الشيطاني” في السيطرة على الرجل وملئ الفراغ العائلي الذي عانت منه منذ سنوات عمرها الأولى.
ساحات “شيطانية”
وتبدو مواقع التواصل الاجتماعي ساحة متسعة لكل ما هو “شيطاني” ، حيث يتم استدراج الشباب إلى الحد الذي يُنتزع منهم كثير من القيم والاخلاقيات والمبادئ، فضلاً عن تعاليم وقيم الدين الحنيف التي هي الأساس المتين لمجتمعاتنا الإسلامية خاصة.
ولم يكن يخطر ببال خبراء الإعلام الاجتماعي، أن تتحول وسائل التواصل الاجتماعي، التي اسهمت بقوة في اندلاع ثورات الربيع العربي، وأسقطت حكومات، إلى أداة تهدد بـ”هدم منظومة أسرية وتغير من شكل خريطة العلاقات الإنسانية في مجتمعنا”.
هذه التغيرات التكنولوجية، التي لم يستوعبها مجتمعنا، بحسب الخبراء، بدأت بخلق مفاهيم جديدة في العلاقات الأسرية، قد ينتج عنها طلاق لأسباب سطحية، لم تكن موجودة قبل ولوجنا المنظومة الاتصالية الحديثة.
وحذرت دراسات اجتماعية جديدة حول تأثير مواقع التواصل على العلاقات الأسرية والعائلية في المجتمع، من سحب البساط من تحت أقدام الأسرة، واندفاع الشباب نحو التحرر من “سلطة المجتمع بعاداته وتقاليده”.
التحرر من الضبط الأسري
ويؤكد نادر علي الاختصاصي الاجتماعي لوكالة الصحافة اليمنية أنه قد يحصل أن يتفق شاب وفتاة على الزواج عبر الفيس وحين تتعرض الأسرة يدافع اولئك الشباب بشدة عن خياراتهم وقراراتهم الشخصية بالزواج، ووصل ببعضهم التحرر من الضبط الأسري، حداً لم يعودوا يخشون فيه لوم أهلهم لهم بسببه، إذا ما فشلت مثل هذه العلاقة مستقبلاً.
ويلفت نادر إلى أن تأثير المواقع الاتصالية بما فيها الهاتفية على العلاقات الأسرية في زمن قصير، مؤشر واضح على مدى التراجع، أو ربما التحرر الذي طرأ على الضبط الأسري الممارس على اختيارات الشباب، وقراراتهم المتعلقة بعلاقاتهم العاطفية وبزواجهم.
وينوه نادر إلى أن كل شيء في الحياة له سلبيات وإيجابيات، ولكى نستفيد من هذا الشيء لا بد من تحصيل الإيجابيات وتلافى السلبيات. ومواقع التواصل الاجتماعي مثلها مثل أشياء كثيرة لها إيجابيات وسلبيات.
ويضيف:” ولاشك أن أبرز إيجابيات وسائل التواصل هي تبادل الآراء والأفكار ومعرفة ثقافات الشعوب وتقريب المسافات، وتفتح أبواباً تمكن من إطلاق الإبداعات والمشاريع التي تحقق الأهداف وتساعد المجتمع على النمو.. لكن لا شك أن هناك سلبيات عددها الخبراء منها غياب الرقابة وعدم شعور بعض المستخدمين بالمسؤولية وكثرة الإشاعات والمبالغة في نقل الأحداث، كما ان هناك بعض النقاشات التي تبتعد عن الاحترام المتبادل وعدم تقبل الرأي الآخر وإضاعة الوقت في التنقل بين الصفحات والملفات دون فائدة”.
ويشدد نادر على أن تصفح المواقع يؤدى إلى عزل الشباب والمراهقين عن واقعهم الأسرى وعن مشاركتهم في الفعاليات التي يقيمها المجتمع وقد أدى ذلك الى ظهور لغة جديدة بين الشباب بين العربية والإنجليزية من شأنها أن تضعف لغتنا العربية وإضاعة هويتها، كما ان انعدام الخصوصية يؤدى إلى أضرار معنوية ونفسية ومادية”.
سلاح ذو حدين
استخدام وسائل التواصل الاجتماعي اصبح أمرًا حتميًا في حياة الافراد صغارا وشبابا وكبارا رجالا ونساء خاصة في ظل الطفرة التكنولوجية، فعلى الرغم من ان هذه الوسائل حققت العديد من الإيجابيات، لكنها في الوقت ذاته لها سلبيات فهي باتت سلاحا ذا حدين.
اخصائيون أكدوا أنّ المجتمع ينبغي أن يتنبه إلى مثل هذه المخاطر المحدقة، التي قد تدمر أجيالا بأكملها، قائلين إنّ النار تستعر من مستصغر الشرر!
وقالوا إنّ على الأسرة والجهات المعنيّة فى الدولة مسؤولية حماية النشء والشباب من مخاطر هذه الوسائل، من خلال التوعية المختلفة بأضرارها.
وعلى الرغم من ايجابيات وسائل التواصل الاجتماعي لكن لها سلبيات كثيرة أيضًا، ويمكن أن تطغى سلبياتها على ايجابياتها من الناحية التربوية والمسؤولية الاجتماعية؛ فمن ضمن هذه السلبيات: كثرة تداول الإشاعات والأخبار المغلوطة؛ نظرًا لعدم اشتراط التأكد من المعلومة قبل نَشرِها، أو نشر مصدر الخبر على تلك المواقع، إضافة إلى غياب الرقابة على ما يُكتَب أو ما يُنشَر في تلك المواقع.
أفكار وثقافات هدامة
ويقول الشيخ عبدالله يحيى خطيب جامع: “إن بعض المغرضين ساعدوا على انتشار الأفكار والثقافات الهدامة البعيدة عن ديننا وقيمنا ومجتمعنا، حتى ظهر عند البعض الجرأة على الإلحاد والنيل من الأصول والثوابت، والانحراف عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وظهور معالم الإعجاب بالغرب وحياته وحريته”.
مؤكداً :” أن هذا من أخطر المضار، وأعظم الدواهي على شباب المسلمين ودينهم ودنياهم، فلا بد من توعية ورقابة وحيطة وحذر من هذه المصائب الجمة والعواقب الوخيمة، التي تقود الشباب إلى الهلاك وفساد الأخلاق، كما أن البعض يستغل هذه الوسائل لتشويه الآخرين، والإساءة إلى سمعتهم وانتحال أسماء وهمية لكي لا يعرفه أحد”.
وتطرق الشيخ عبدالله إلى ضرورة أن تصدر فتوى تحرم المحادثات بين الجنسين على مواقع التواصل الاجتماعي أسوة فتوى أصدرتها دار الإفتاء المصرية في العام 2011 لكن لم يتم الزام الشباب بتطبيقها، فقال: “كانت دار الإفتاء المصرية في العام 2011 قد اصدرت فتوى تحرم المحادثات الإلكترونية بين الجنسين على مواقع التواصل الاجتماعي وقد عللت دار الافتاء فتواها تلك بأنها لدعم قيم المجتمع المصري وغلق أبواب الشر الاجتماعي كون المجتمع المصري هو مجتمع شرقي يخضع لعادات وتقاليد”.
وأضاف:” وجاءت الفتوى من باب “درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة”، كون المحادثات الالكترونية بين الجنسين دون ضرورة يشجع على فوضى أخلاقية، وباب من أبواب الاختلاط المحرم والوصول إلى الرذيلة مقررةً دفع مفسدة الزنا الذى قد يؤدي إليه الشات، حيث استبقت دار الإفتاء الحدث قبل وقوعه ونبهت لخطورته، وحرمت حسب مقتضيات المصلحة الشرعية ما يمكن أن يؤدي إليه تلك المحادثات”.
حرب ناعمة
وفي كتابه “الحرب الناعمة- الأخطار والمعالجات” يذهب يحيى قاسم أبو عواضة إلى اعتبار الحرب الناعمة أكثر خطورة من الحرب العسكرية.
ويقول أبو عواضة:” الحرب الناعمة تفسد النفوس، وتقضي على القيم ، وتدمر الأخلاق وتضرب الناس في إيمانهم “.
ويحدد أبو عواضة أبرز الرسائل المدمرة للمجتمع التي تندرج في إطار الحرب الناعمة في أجهزة المحمول “الجوالات” والتراسل أو التواصل عبرها بهدف الوصول إلى الفساد أو بما يسبب الفساد.. وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية.
ومن المؤكد أن هناك حرباً كبيرة ومنظمة لهدم الأمة الإسلامية وتحديداً الشعب اليمني، كونه أكثر الشعوب الإسلامية حفاظاً وتمسكاً بدينه وقيمه وعاداته ..وقد تم استغلال مواقع التواصل الاجتماعي كي يتم عبر شبكاتها إفساد المجتمع ، واسقاط الشباب والشابات في الرذيلة والفساد الاخلاقي.