يتابع الإعلام المصري عن كثب، التوتر الحدودي القائم بين السودان وإثيوبيا في منطقة “الفشقة”؛ إثر اشتباكات أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى.
والأسبوع الماضي، أعلن الجيش السوداني أن “مليشيا” مدعومة من جيش إثيوبيا اعتدت على أراض وموارد البلاد؛ ما أسفر عن مقتل ضابط وإصابة 7 جنود، إضافة إلى مقتل طفل وإصابة 3 مدنيين.
وتأمل مصر في كسب السودان إلى جانبها في مفاوضات “سد النهضة”، التي وصلت لطريق مسدود منذ نهاية فبراير/ شباط الماضي، وسط خلافات حول حصة كل طرف من المياه، وقواعد الملء والتشغيل.
أزمة “الفشقة”
من آن لآخر تشهد منطقة “الفشقة” (شرقي السودان)، البالغ مساحتها 251 كم، أحداث عنف بين مزارعين سودانيين وإثيوبيين، خصوصا في موسم المطر.
وتقوم عصابات إثيوبية مسلحة بتنفيذ اختراقات وتعديات على المنطقة الحدودية للاستيلاء على موارد تلك المنطقة خلال فترات الإعداد للموسم الزراعي وموسم الحصاد بالسودان.
ووفق الخبير السوداني “عبدالمنعم أبو إدريس”، فإن منطقة “الفشقة” لا تحظى بتواجد سوداني كبير، كما أنها تفتقر للخدمات؛ ما يجعل منها مطمعا للإثيوبيين لممارسة الزراعة فيها.
وتتمتع المنطقة بالخصوبة وترويها أنهار عذبة، وتتساقط عليها الأمطار في الخريف، وتشتهر بإنتاج الصمغ العربي والقطن والذرة والسمسم.
ويبلغ عدد المزارعين الإثيوبيين الذين يزرعون داخل الأراضي السودانية 1786 مزارعا، وفق وزير الدولة للشؤون الخارجية في الخارجية السودانية “عمر قمر الدين”.
وتعترف إثيوبيا رسمياً بتبعية المنطقة للسودان، لكنها تسمح لمزارعيها بزراعة المنطقة، وتوفر لهم الحماية.
ويقضي اتفاق بين البلدين العام 1995 بخلو المنطقة الحدودية من الجيوش النظامية؛ حيث توزعت منذ ذلك التاريخ السيطرة العسكرية على المنطقة بين كتائب الدفاع الشعبي السوداني ومليشيا “الشفتا” الإثيوبية.
غضب سوداني
ومع سقوط قتلى وجرحى، سببت الاشتباكات الأخيرة إحراجا لمجلس السيادة الانتقالي الحاكم للبلاد، وسط دعوات شعبية للدفاع عن سيادة الحدود السودانية.
وفي تطور لافت، ألمح الجيش السوداني إلى تورط الحكومة الإثيوبية في الأمر، قائلا إن “مليشيا إثيوبية” مسنودة بجيش بلادها اعتدت على أراضي وموارد البلاد.
وأضاف الجيش السوداني، في بيان، أن “قوة من الجيش الإثيوبي تقدر بسرية مشاة وصلت إلى الضفة الشرقية لنهر عطبرة صباح الخميس (28 مايو/أيار الماضي) واشتبكت مع قواتنا غرب النهر”.
ودبلوماسيا، صعدت الخرطوم من لهجتها السياسية، وقامت خارجيتها باستدعاء القائم بالأعمال الإثيوبي “ميوكنن قوساي”.
وكان الجيش السوداني نفذ عملية انتشار بتلك المنطقة، نهاية مارس/آذار الماضي، وذلك بعد توالي شكاوى من أهالي “الفشقة” من اعتداءات لعصابات إثيوبية عليهم وعلى أراضيهم الزراعية.
وأعقب ذلك، قيام رئيس مجلس السيادة الانتقالي، “عبدالفتاح البرهان”، بتفقد القوات المنتشرة هناك، محذرا من أن “الجيش لن يسمح لأحد بالاعتداء على الأراضي السودانية”.
تهدئة إثيوبية
ويبدو أن أديس أبابا لا تريد الدخول في نزاع حدودي مع الخرطوم، خاصة في هذا التوقيت الذي تسعى فيه لكسب تأييدها في أزمة “سد النهضة” المتنازع عليه مع مصر.
ومن المؤكد أن حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد علي” تخشى استغلال هذا التوتر من جانب القاهرة، بشكل قد يؤجج الخلاف الحدودي بين البلدين.
وفي محاولة لامتصاص الغضب السوداني، أوفدت أديس أبابا رئيس الأركان الإثيوبي الجنرال “آدم محمد”، إلى الخرطوم، 12 أبريل/نيسان الماضي لتسوية الخلاف بشكل ودي، وإعادة قوات البلدين إلى المواقع الحدودية، وبحث ترسيم الحدود بين البلدين.
وفي الأسبوع الحالي، دعت الخارجية الإثيوبية السودان إلى “العمل معاً” لمعالجة الظروف المحيطة بالحادث والتحقيق فيها بشكل مشترك لاحتواء الوضع على الأرض، وضمان السلام والأمن في المنطقة الحدودية.
وضمن جهود التهدئة، صدرت أوامر للقوات المتمركزة في تلك المنطقة، بعدم الالتحام، بانتظار مساعٍ دبلوماسية مستمرة، بحسب “العربي الجديد”.
ووفق تصريح المتحدث باسم الجيش السوداني “عامر محمد الحسن”، لـ”الأناضول”، فإن الاتصالات الدبلوماسية لم تتوقف مع إثيوبيا لاحتواء التوتر الحدودي.
دور مصري
يرى مراقبون أن التوترات على الحدود السودانية الإثيوبية ليست جديدة، وأنها تتكرر في ذات الوقت من كل عام؛ لكنها تشهد تسليطا متزايدا للضوء بسبب الخلافات القائمة بين دول النيل حول سد النهضة.
ففي العام 2014، تجدد الخلاف جراء قيام قوة إثيوبية مجهولة بقتل جندي سوداني بالمنطقة.
وهناك سياق آخر لا يمكن تجاهله يتعلق بكون التعديات التي وقعت على “الفشقة” جاءت من قوات محسوبة على حكومة إقليم أمهرا الإثيوبي (يتمتع بحكم ذاتي)، وهو الإقليم الذي شهد محاولة انقلاب دموية يونيو/ حزيران الماضي، قتل على إثرها مسؤولون حكوميون أبرزهم رئيس أركان الجيش “سيري مكونن” الموالي لرئيس الوزراء “آبي أحمد”.
وربما تلعب الدولة العميقة في إقليم “أمهرا” دورا في تأجيج الخلاف الحدوي مع السودان، وتصدير مشكلة لحكومة “آبي أحمد”، وهو ما قد يجد تناغما وتأييدا من قبل الجانب المصري، لم تتضح معالمه بعد.
ولا شك أن القاهرة تعمل بشتى الطرق على توظيف أوراقها بهدف إعاقة تشغيل السد الإثيوبي، بما يشمل توظيف مجموعات سودانية محلية تعارض إنشاء السد مثل “بني شنقول”، وتغذية النزاع السعودي بين أديس أبابا والخرطوم، حسب الباحث السوداني “عباس محمد صالح”.
وقد يتسبب نزاع “الفشقة” حال فشل الجانبان في احتوائه، في هوة بين مواقف البلدين بخصوص مفاوضات سد النهضة المجمدة منذ نحو 3 أشهر.
لكن المحلل السوداني “حسن بركية”، يرى في حديثه لموقع “الحرة” أن الظروف لا تسمح للطرفين بالتصعيد، وأن هناك رغبة من قبل الخرطوم وأديس أبابا للوصول إلى تفاهمات.
على كل الأحوال، فإن الصراع المصري الإثيوبي مستمر من أجل التأثير على موقف السودان تجاه “سد النهضة”.
ومن المؤكد أن أديس أبابا تتحسب جيدا للعوائق التي توضع أمامها لعرقل مشروع السد، وقد تسعى لحل دبلوماسي، تفوت من خلاله الفرصة على مصر للاستفادة من أزمة “الفشقة”.