متابعات // وكالة الصحافة اليمنية //
تثير محاولة ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” للاستحواذ على نادي “نيوكاسل يونايتد” البريطاني لكرة القدم عبر صندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي، العديد من الأسئلة والمخاوف المثيرة للاهتمام.
ففي الأسابيع الأخيرة، طرح العديد من الصحفيين وجهات نظر مختلفة بشأن هذا الاستحواذ، الذي ستمتلك السعودية بموجبه حوالي 80% من النادي بعد أن توصل مالكه “مايك آشلي” إلى اتفاق مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
أغراض متعددة من الصفقة
السؤال الأول هو: لماذا يحاول “بن سلمان” شراء نادي كرة قدم الآن؟ هناك الكثير من الأشياء التي ينبغي وضعها في الاعتبار؛ أولاً، يشير البعض إلى أنه يبحث عن صفقة ميسورة التكلفة في هذا الوقت من الانكماش الاقتصادي وجائحة “كورونا”.
استكشف “بن سلمان” إمكانية شراء نادٍ آخر مثل “مانشستر يونايتد”، لكنه وجد أن فرصة “نيوكاسيل” أكثر جدوى وأسهل في الدفع.
ووفقًا لما قاله البروفيسور “أندرو هاموند” فإن “صندوق الثروة السيادي قام بمحاولة اصطياد الصفقات مؤخرًا، ليشتري حصصًا في الشركات الأوروبية الكبرى عندما يكون سعر سهمها منخفضًا.
يسعى “بن سلمان” أيضًا إلى تقوية العلاقات الاقتصادية السعودية البريطانية في فترة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث تواجه المملكة المتحدة تحديات مالية، فيما يعزز في الوقت نفسه تجارة الأسلحة بين الجانبين.
وبشكل أكثر تحديدًا، يبدو أن هذه محاولة لتحسين صورة المملكة وتغيير العديد من التصورات الغربية السلبية حول السعودية من خلال بناء سردية مختلفة تلقي بظلال إيجابية على سمعة المملكة.
خلال السنوات الماضية، استخدم أعضاء آخرون في مجلس التعاون الخليجي مثل الإمارات وقطر الترويج لأنفسهم عبر المجال الرياضي. وتحاول المملكة تقليد هذه الدول ومنافستها وجذب شريحة شابة متحمسة من المجتمع السعودي.
مغازلة جماهير النادي
أحد الجوانب الأخرى لهذه الصفقة أنها تخاطب قاعدة جماهير مشجعي “نيوكاسل يونايتد” التي تشعر بخيبة أمل عميقة من الإنجازات الهزيلة للمالك الحالي بصفته راعي النادي.
يعتقد العديد من مشجعي “نيوكاسل يونايتد” أن مالكًا جديدًا وثريًا مثل “بن سلمان” سيستثمر مبالغ ضخمة في تشكيل فريق أكثر نجاحًا يمكنه التنافس مع عمالقة حاليين آخرين مثل “مانشستر سيتي” و”تشيلسي” و”ارسنال”.
وبالطبع، يتطلب ذلك تخطيطًا وخبرة احترافية والتزامًا طويل الأمد من قبل المالك الجديد.
تهكم مشجعو “نيوكاسل يونايتد” من الانتقادات التي وجهت إلى أخلاقيات “بن سلمان” والإساءات التي ارتكبها، وأشاروا إلى وجود العديد من ملّاك أندية الدوري الممتاز الذين لديهم خلفيات مشكوك فيها ومريبة.
فقد أشار المعلق السياسي “توم روجان”، إلى أن هناك العديد من مالكي أندية كرة القدم في الدوري الإنجليزي الممتاز الذين ترتبط مصادر قوتهم بأنظمة استبدادية.
ومن الأمثلة على ذلك: مالك تشيلسي “رومان أبراموفيتش” (وهو صديق مقرب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين)؛ مالك أستون فيلا “ناصف ساويرس” (نجل أنسي ساويرس، الذي استمدت ثروته بشكل أساسي من وصول العائلة إلى صفقات فاسدة مع الرئيس المصري السابق حسني مبارك)؛ ومالك ساوثهامبتون “جاو جيشنغ” (الملياردير الصيني، الذي خدم سابقًا في جيش التحرير الشعبي كمسؤول بالحزب الشيوعي الصيني).
حاول ناشطو حقوق الإنسان أيضًا رفع الوعي من خلال الإشارة إلى الإشكاليات الأخلاقية والمعنوية في ما يتعلق بشخصية المالك الجديد وأفعاله الطائشة، مشيرين إلى الحرب الكارثية لـ”بن سلمان” في اليمن، واعتقالات “ريتز كارلتون”، وقتل “جمال خاشقجي”.
وضعت هذه المخاوف مشجعي “نيوكاسل يونايتد” في موقف دفاعي لأنهم شعروا أنهم هدف للهجوم وعليهم اتخاذ موقف أخلاقي.
وبالرغم أن بعضهم تخبط إزاء ذلك، إلا إن البعض الآخر ببساطة لا يبالون، وكرة القدم قبليّة بشكل ما، وسوف يدافع العديد من المشجعين المتعصبين عن النادي وأصحابه (على أمل زيادة الاستثمارات)، فيما يمكن أن يكون بدوره مفيدًا للصورة العامة لـ”نيوكاسل يونايتد” كنادي، ولصورة “بن سلمان” أيضًا في نهاية المطاف كقائد.
الصفقة ما تزال مهددة
وأخيرًا، سيكون لحكم منظمة التجارة العالمية الصادر في 16 يونيو/حزيران آثار كبيرة على هذه الصفقة، حيث تؤكد المنظمة في تقريرها المؤلف من 113 صفحة أن الرياض تتحمل مسؤولية شبكة القرصنة “beoutQ”، وهي شبكة منافسة مقرصنة لشبكة “beIN Sports” القطرية.
أسس السعوديون هذه الشبكة في عام 2017 بعد فترة وجيزة من اندلاع الأزمة الخليجية، واتُّهمت الشبكة بقرصنة المباريات وبثها بشكل غير قانوني، مما دفع الدوري الإنجليزي الممتاز، و”الفيفا”، والدوري الأسباني، و”الاتحاد الأوروبي لكرة القدم” لاتخاذ إجراءات قانونية ضد “beoutQ”، وتدخلت منظمة التجارة العالمية في نهاية المطاف.
وتوصل حكم المنظمة إلى أن الدولة ساعدت في انتهاك قوانين القرصنة وانتهكت حقوق الملكية الفكرية.
وبالنظر إلى حقيقة أن ولي العهد السعودي هو رئيس صندوق الاستثمارات العامة، فإن ملكيته المحتملة لنيوكاسل يونايتد توفر صلة قانونية بين إنشاء “beoutQ” والمالكين المحتملين لنيوكاسل يونايتد، بالرغم أن السعوديين يواصلون إنكار هذا الاتصال.
وبالتالي؛ من الواضح أن قرار منظمة التجارة العالمية سيعقد احتمالات هذا الاستحواذ.
سخط داخلي محتمل
بالرغم أن الصفقة تأتي في سياق تطوير القطاع الرياضي كجزء من “رؤية 2030″، وكذلك وسيلة لتعزيز القومية بدلاً من الدين كعنصر أساسي في الهوية السعودية الجديدة، إلا أن استقرار المملكة ومستقبل “بن سلمان” يعتمدان على المشاريع الاستثمارية وتنويع الاقتصاد، والتي من المفترض أن تخلق وظائف جديدة لـ6 ملايين شاب عاطل عن العمل.
إذن؛ كيف يمكن تبرير هذا الشراء في وقت تعاني فيه الميزانية من عجز تاريخي جراء انخفاض أسعار النفط؟
ستكون الحجة أن هذا استثمار على المدى الطويل، لتشجيع التنويع بعيدًا عن الاعتماد على النفط، ولكن إذا كان الكثير من الناس يرون أن هذه الخطوة غير ضرورية، وخاصة أنها تأتي بالتزامن يتم إخبارهم أنه يجب عليهم تحمل التقشف، فقد يؤدي ذلك إلى الكثير من التذمر الذي سيتعين على ولي العهد التعامل معه.
في نهاية المطاف، يعد الترويج الرياضي أداة ثبت نجاحها لتحسين سمعة الدول، ومع ذلك، فإن هذا المشروع ما يزال في مراحله الأولى وستستغرق السعودية سنوات لتحقيق مكانة مماثلة للإمارات وقطر، اللتان تعرضتا لشكاوى من منظمات حقوق الإنسان فيما يتعلق بمعاملة العمال المهاجرين رغم استحواذهما على “مانشستر سيتي” و”باريس سان جيرمان”.
وبالرغم أنه كان هناك دائمًا قدر من التدقيق بعد إعلان مستثمر أجنبي رغبته في شراء نادي، إلا أن حالة “نيوكاسل يونايتد” مختلفة حقًا. فقبل أن تقوم كل من الإمارات وقطر باستحواذهما؛ رسختا سمعة إيجابية كوجهات سياحية عبر شركات طيران وطنية راقية.
ومن غير الممكن إنكار أن السعودية ستواجه تحديات أكبر بكثير من أي دولة أخرى من دول مجلس التعاون الخليجي عندما يتعلق الأمر بالتغلب على بعض مشاكل سمعتها التي ساءت في الدول الغربية منذ أن بدأ “بن سلمان” صعوده إلى السلطة.
المصدر | كريستيان أليكساندر وجورجيو كافيرو – إنسايد أرابيا – ترجمة وتحرير/ الخليج الجديد.