متابعات// وكالة الصحافة اليمنية //
أدى التدخل التركي في الحرب الأهلية في ليبيا ومشاركتها العسكرية غير المباشرة إلى تغيير كبير في ميزان القوى لصالح حكومة الوفاق الوطني في طرابلس.
وقد عانى المنافس الرئيسي لحكومة الوفاق، الجنرال “خليفة حفتر”، الذي يتخذ من طبرق مقراً له، من هزائم هائلة في توغله الغربي باتجاه طرابلس.
تبع ذلك هجوم مضاد لحكومة الوفاق الوطني أدى إلى الاستيلاء على مناطق حيوية استراتيجيًا يسيطر عليها أمراء الحرب المتحالفون مع “حفتر”، بما في ذلك مدينة ترهونة، والتي كانت حتى وقت قريب طريق إمداد مهما للغاية لحملة “حفتر” على طرابلس.
وفيما يُظهر الاكتشاف المروع لعدد من المقابر الجماعية التي تضم ضحايا لجرائم “حفتر” مدى البؤس البشري في الحرب الأهلية الليبية، فإنه مع استمرار حكومة الوفاق الوطني في الضغط على سرت وقاعدة الجفرة الجوية، يبدو أنصار “حفتر” – مصر والإمارات وفرنسا – في حالة تأهب لتغيير ميزان القوى على الأرض.
وحاول الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” التوسط في وقف لإطلاق النار في ليبيا بعد هزائم “حفتر”، لكن حكومة الوفاق وتركيا رفضتا مبادرته، وقال وزير الخارجية التركي “جاويش أوغلو” إن الاقتراح “لا يبدو موثوقا” ووصفه بأنه خطوة لإنقاذ “حفتر” من المزيد من الانتكاسات.
ورغم ذلك، من غير المحتمل أن تُتبع التهديدات الشفوية التي وجهها “السيسي” بأن “سرت خط أحمر” بأي عمل عسكري، حيث سبق أن حاول الطيارون المصريون والإماراتيون والطائرات بدون طيار والأسلحة تسهيل انتصار “حفتر” في ليبيا ، لكنهم فشلوا حتى الآن.
وفي مواجهة تمرد في سيناء ووضع داخلي هش، من غير المتوقع أن يرسل الرئيس المصري قوات برية إلى الخارج، رغم أن هذه الخطوة تحظى بدعم من الإمارات والسعودية وحتى من الديكتاتور السوري “بشار الأسد”.
تضارب في المصالح
ويعد دور تركيا في ليبيا والشرق الأوسط الكبير أحد مصادر الإزعاج للأنظمة العربية الاستبدادية بسبب الدعم الذي تقدمه أنقرة للإسلام السياسي، خاصة جماعة “الإخوان المسلمون”.
ولكن يبدو أن التحركات العسكرية لأنقرة خلقت أيضا اختلافًا بين الدول الأعضاء في حلف الناتو، وعلى وجه التحديد بين فرنسا وتركيا اللتين تتصادم مصالحهما في البحر الأبيض المتوسط بشكل متزايد.
وأصبحت ليبيا ساحة المعركة الرئيسية بين أنقرة وباريس، وتتهم فرنسا تركيا بتهريب أسلحة إلى داخل البلاد ومن ثم خرق التزاماتها التي تعهدت بها في مؤتمر برلين حول ليبيا، وقد تبع ذلك مناوشات بين السفن الحربية التركية والفرنسية في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث زعمت فرنسا أن سفينة تركية تجنبت التفتيش من قبل السفينة الحربية الفرنسية “كوبرت” ورفضت تقديم معلومات حول وجتهتها النهائية، مؤكدة أن البحارة الأتراك ارتدوا سترات واقية من الرصاص وأعدوا أسلحتهم الخفيفة خلال الحادث.
في المقابل، رفض مسؤولون عسكريون أتراك المزاعم الفرنسية، منوهين بأن فرنسا كانت أول من انتهك حظر الأسلحة على ليبيا وقامت بتمرير السلاح لـ”حفتر” وميليشياته.
ولا تعد التوترات المتزايدة بين البلدين جديدة على كل حال، حيث تدعم فرنسا اليونان وقبرص في النزاع حول الغاز الطبيعي مع تركيا.
وتنبع مشاركة أنقرة في ليبيا في الغالب من هذا النزاع، حيث تخشى أن يتم تهميشها واستبعادها من كعكعة الطاقة في البحر المتوسط لذا فإنها قررت العمل وحدها.
وقد تم اعتقال 4 مواطنين أتراك تتهمهم أنقرة “بالتجسس” لصالح فرنسا في علامة أخرى على توتر العلاقات، ووفقا لوسائل الإعلام التركية، كان موظف سابق في جهاز الأمن بالقنصلية الفرنسية يجمع معلومات استخبارية للمديرية العامة للأمن الخارجي في فرنسا.
رجل باريس المفضل
وفيما نفى الفرنسيون دعم “حفتر” وادعوا أنهم يؤيدون تسوية سياسية في ليبيا، تؤكد الدلائل أن باريس زودت “حفتر” بالأسلحة في قتاله ضد الجماعات الإسلامية وأن الدعم السياسي الفرنسي لعب دورًا مهمًا في تهرب “حفتر” من الانتقادات الدولية.
وتتجنب فرنسا انتقاد أنصار “حفتر”، بما في ذلك مصر والإمارات وروسيا، وتواصل انتقاداتها لتركيا فقط، وبالرغم من التوتر الجيوسياسي مع موسكو، يبدو أن باريس أقل قلقا بشأن الوجود الروسي في ليبيا من التواجد التركي.
في الحقيقة، كان “حفتر” الرجل الليبي المفضل لدى فرنسا منذ عام 2015، وكان بمثابة ضمانة لوجود حكومة موالية لباريس في ليبيا للمرة الأولى منذ عام 2011، وتريد فرنسا تأمين حصة من صناعة النفط والغاز الليبية، والحد من قوة المتشددين الإسلاميين في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، ووضع نهاية لطريق الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا إلى أوروبا.
ويعد وجود القوات الخاصة الفرنسية على الأرض أحد الأسرار القذرة التي فشلت باريس في إخفائها، وقد كان مقتل 3 من جنودها السريين في حادث تحطم طائرة هليكوبتر في عام 2016 دليلاً على تورط فرنسا في الحرب.
وبعد فوزه في الانتخابات الرئاسية في عام 2017، حاول “ماكرون” بدء تسوية سلمية بين “حفتر” وزعيم حكومة الوفاق الوطني “فايز السراج” في باريس كجزء من هدفه الاستراتيجي لاستعادة نفوذ فرنسا في الشؤون الدولية، ولكن جهوده فشلت في النهاية.
أصبحت الحرب بالوكالة متعددة الأوجه في ليبيا أكثر تعقيدًا، حيث تتصادم المصالح المختلفة للدول والأطراف السياسية المختلفة.