توازياً مع عشرات الغارات على محافظات يمنية في غضون ثمانٍ وأربعين ساعة، أفرج «التحالف» عن أربع سفن نفطية فقط من الناقلات المحتجزة لديه.
خطوة لم تقرأ فيها سلطات صنعاء إلا استمراراً لمحاولات ابتزازها بالأزمة الإنسانية من أجل وقف تقدّم قواتها في مأرب، وهو ما ردّت عليه بتأكيد استمرارها في استهداف العمق السعودي.
واصل تحالف العدوان، أمس، تصعيده الجوي على العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى، في ما ادّعى أنها “عملية نوعية للردّ على إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة باتجاه المملكة”، مُهدّداً بأنه “لن يتمّ التهاون مع القيادات الإرهابية”، على حدّ تعبير المتحدث باسم “التحالف” تركي المالكي.
ادّعاءات وتهديدات سرعان ما جاء الردّ عليها من المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، يحيى سريع، الذي جزم بأن “لغة التهديد والوعيد لن تجدي نفعاً مع الشعب اليمني، ولو كانت مجدية لما استمرّ العدوان حتى اللحظة”، مؤكداً أن القوات اليمنية “ستستمرّ في استهداف العمق السعودي” حتى وقف العدوان ورفع الحصار، محذّراً من “(أننا) لم نستخدم كلّ ما لدينا من قوة ومن أوراق”.
اللافت أن المتحدث العسكري اليمني شدّد على أن “القوات المسلّحة تعتبر الحصار من الأعمال العسكرية العدائية”، مؤكداً بأن “شعبنا لن يموت جوعاً، ولدينا خياراتنا، ولن نكشف عن ذلك، فلكلّ حادث حديث”.
ويشي هذا التهديد بأن قيادة صنعاء لا تنظر بعين الرضا إلى إقدام “التحالف”، أمس، على إطلاق أربع من سفن المشتقات النفطية المحتجزة لديه.
مردّ ذلك، وفق مصادر مطّلعة في صنعاء، أن السفن الأربع لن تكفي لمعالجة نزر يسير من الأزمة الخانقة التي تسبّب بها احتجاز الناقلات قبالة ميناء جيزان، فضلاً عن أن البيان الذي أعلن نبأ الإفراج، والذي ذُيّل بتوقيع “المجلس الاقتصادي الأعلى” التابع لحكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، لمّح إلى ربط إطلاق بقية السفن بإقرار آلية جديدة لصرف الموارد الضريبية والجمركية، وهو ما ترفضه حركة “أنصار الله”.
وتتمسّك سلطات صنعاء بالآلية التي نصّ عليها “اتفاق استوكهولم”، والتي تقتضي فتح حساب خاص برواتب موظفي الدولة في فرع البنك المركزي في الحديدة، على أن يتمّ إيداع الضرائب والجمارك فيه، مقابل أن تسدّ حكومة هادي العجز في الحساب.
في المقابل، تصرّ الحكومة الموالية للرياض، ومن ورائها “التحالف”، على نقل العائدات إلى ميناء عدن، على رغم أن لا مكان آمناً في المحافظات الجنوبية لحفظها، وما قيام ميليشيات “النخبة الحضرمية” ـ الموالية للإمارات ـ نهاية الأسبوع الماضي، بالاستيلاء على 14 حاوية مطبوعات نقدية كانت في طريقها إلى مأرب إلا دليل على ذلك. دليلٌ يضاف إليه أيضاً قيام “المجلس الانتقالي الجنوبي”، الموالي لأبوظبي، منتصف الشهر الفائت، بمصادرة سبع حاويات أموال كانت في طريقها إلى “مركزي عدن”، واحتجازها في مقرّ المجلس في جبل حديد.
من جهته، وبعدما سعى إلى إقناع حكومة هادي، ومن خلفها السعودية، بالتراجع عن محاولاتهما نقض الشقّ الاقتصادي من “اتفاق استوكهولم” (من دون أن تسفر جهوده عن أكثر من إطلاق أربع سفن لن تكفي إلا لعدّة أيام)، يحاول المبعوث الأممي توسيط عُمان، التي وصلها أمس والتقى وزير خارجيتها يوسف بن علوي، لإقناع قيادة “أنصار الله” بإعادة فتح الباب أمام الجهود الدبلوماسية والسياسية.
لكن الحركة لا تزال، بحسب مصادر مطلعة، على موقفها الرافض لاستقبال غريفيث ما لم يتمّ الإفراج عن السفن النفطية كافة، وحلّ أزمة الوقود الخانفة التي تعانيها المحافظات الخاضعة لسيطرة حكومة الإنقاذ.
لن تكفي السفن الأربع المفرج عنها لسدّ حاجة السوق المتعطّشة إلى كميات كبيرة
وفي انتظار ما يمكن أن تحمله الساعات المقبلة، يظهرـ إلى الآن ـ أن “التحالف” يريد استخدام الناقلات، التي مضى على احتجازها أكثر من 100 يوم وبلغت غرامات تأخيرها ملايين الدولارات، كورقة لتحصيل مكاسب ميدانية وسياسية، يأتي على رأسها ــ على ما يبدو ــ وقف تقدّم الجيش واللجان الشعبية في محافظة مأرب.
وتكتسب المحافظة أهميتها من كونها المعقل الأخير لـ”التحالف”، وبخسارتها تفقد السعودية موطئها الأخير في الشمال اليمني.
كذلك، تخشى الرياض من أن يضيع من حلفائها أهمّ مورد مالي لهم يغطّي معظم نفقاتهم، الأمر الذي سيضطرها إلى تحمّل موازناتهم.
الجدير ذكره، هنا، أن شخصيات وجهات محسوبة على “التحالف”، أوصلت، طوال الفترة الماضية، تهديدات إلى “أنصار الله” بأن “التحالف” سيدمّر الحقول النفطية في مأرب ومؤسسات شركة صافر النفطية في حال سقوط المحافظة بأيدي الجيش واللجان.