تقرير: وكالة الصحافة اليمنية//
شتان بين ما تقدمه سلطنة عمان من أداء سياسي مميز يتسم بالنضوج وحُسن التقدير واحترام الآخرين وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.. وبين جاراتها “السعودية، والإمارات، والبحرين” سيئات الصيت.
وعلى نهج الراحل قابوس، يسير السلطان هيثم بن طارق، حاملاً راية السلام والتسامح، والبناء ومد يد العون بكل حب للأشقاء.
ومؤخراً، أتخذ السلطان هيثم بن طارق، خطوة جديدة نحو استكمال مسيرة الاستقرار السياسي الذي يواصل تثبيته منذ جلوسه على العرش مطلع العام الجاري، بإصداره عفواً ضمنياً عن معارضين عمانيين كانوا يعيشون كلاجئين سياسيين في المملكة المتحدة، وذلك بالتزامن مع الذكرى الخمسين لقيام الدولة التي أسسها السلطان الراحل قابوس بن سعيد في 23 يوليو 1970.
ونقل موقع “الخليج أون لاين” عن محللين ونشطاء قولهم: “لم يكن توقيت العفو ولا الأسماء التي شملها أو الطريقة التي جرت بها أموره، صدفة، إذ تزامن القرار مع مناسبة وطنية هي الأهم في السلطنة، وشمل معارضين وصفتهم بعض الصحف بأنهم الأخطر، كما أن إجراءاته سارت بطريقة سريعة وآمنة”.
ويوم الثلاثاء الفائت، نشر مراسل وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية في عمان، تركي البلوشي، تغريدة على حسابه في “تويتر”، الثلاثاء، نقل فيها عن مصادر خاصة أن السلطان هيثم بن طارق أصدر عفواً عن أربعة معارضين حاصلين على لجوء في بريطانيا ودول غربية أخرى.
وقال البلوشي إن المصادر أكدت أن سفارة السلطنة في المملكة المتحدة، تجري الترتيبات اللازمة لعودة المعارضين إلى السلطنة، والتمهيد لبدئهم حياة جديدة في دولتهم. في حين قالت صحيفة “القدس العربي” اللندنية إن العفو السلطاني شمل أربعة معارضين وهم: سعيد جداد، ومعاوية الرواحي، ونبهان الحنشي، ومظاهر العجمي.
ويبدو العفو متماشياً إلى حد كبير مع سياسة السلطان الهادئ الذي بدا منذ توليه الحكم أنه يمتلك رؤية سياسية ومشروعاً يكمل به سياسة الوقوف على الحياد أو أداء دور الوسيط الذي يتحرك دون ضجيج، إذ تظهر تحركات السلطان هيثم بن طارق في بعض الملفات الهامة.
وعلى المستويين الاقتصادي والاجتماعي، اتخذ السلطان خطوات واسعة نحو إعادة هيكلة الدولة على نحو يضمن لها قدراً أكبر من التنمية وتجديد الدماء والتوافق الداخلي، أما على المستوى السياسي فهو يضع بصمات بيضاء لإغلاق منافذ الخلاف الوطني وفتح أبواب واسعة للنقاش الهادئ تحت مظلة القانون وعدم الخروج على السلطان، وهي طريقة في التعامل مع المعارضة قد لا ترضي كثيرين في منطقة مزدحمة بعدم الرضا.
عفو هادئ
ووفقاً لموقع “الخليج أون لاين”، نشر اثنان من المعارضين المشمولين بالعفو تغريدات تفيد بعودتهم إلى السلطنة ومبايعتهم للسلطان هيثم بن طارق.
ورحّب مغردون عبر منصات التواصل الاجتماعي بالقرار الذي وصفته بعض الصحف بـ”العفو الهادئ”.
ونشر المعارض المقيم في بريطانيا، معاوية الرواحي، مقطعاً مصوراً على حسابه في موقع “تويتر”، بعنوان: “عندما حان وقت السفر”، حيث ظهر في المقطع العلم العماني وحقيبة سفر جاهزة.
كما نشر المعارض سعيد جداد، الذي دأب خلال السنوات الماضية على مهاجمة القيادة العمانية وحكومتها، مقطع فيديو لاقى انتشاراً واسعاً بين العمانيين، أعلن فيه مبايعة السلطان هيثم بن طارق على العهد والولاء والسمع والطاعة بعد إصدار عفو عنه.
وقال جداد إن السفير العماني لدى بريطانيا أبلغه قبل أيام بالعفو السلطاني، مضيفاً: “الوطن سيبقى هو الأب الرحوم والأم الرؤوم يضم أبناءه إلى حضنه دائماً”.
وعاد جداد لينشر تغريدة أخرى يدعو فيها الجمهور إلى التوقف عن إعادة نشر أي محتوى له على مواقع التواصل أو على شبكة الإنترنت، مشيراً إلى أنه سيتابع قانونياً أي مخالف لما أشار إليه.
ورغم عدم إعلان الديوان السلطاني ما يؤكد حقيقة الأنباء، فإن الرواحي نشر صورة تجمعه مع سعيد جداد وهما على متن الطائرة عائدَين للسلطنة، وكتب معها: “مهما عتبوا عليك، وغضبوا منك، عمان وطنك، وهي أولى بك من أي مدى وفضاء. لعمان حق علينا، وآن لنا أن نؤديه”.
وعقب وصوله إلى السلطنة قال الرواحي في مداخلة هاتفية مع راديو “الشبيبة” المحلي، إن هذا العفو غير حياته رأساً على عقب، مؤكداً أن السلطان وفى بما عاهدهم عليه وأغلق صفحة الماضي، وأنه بالفعل عاد من المطار إلى بيته.
ونشر الرواحي مقطعاً مصوراً من داخل الحجر الصحي في ولاية سمائل في عمان، قال فيه إن السفير العماني في بريطانيا، عبد العزيز الهنائي، التقاه في لندن وأبلغه بأن السلطان قرر العفو عنه، مضيفاً أن الحكومة أنهت كل الأمور العالقة بسرعة.
وأكد الرواحي أن السفير العماني اتفق معه على ممارسة حياته الطبيعية في السلطنة، وأن يعلن عن رأيه فيما شاء وكيفما شاء بما لا يخالف القانون، لافتاً إلى أن السلطان وجه السفارة العمانية بتحمل جميع نفقات الإجراءات والسفر. كما غرّد والده، سالم الرواحي، أيضاً، معلقاً على العودة.
السلطان يفي بوعوده
يؤكد السلطان هيثم بن طارق من خلال هذه الإجراءات أنه يمضي قدماً في الوفاء بما تعهد به وقت جلوسه على العرش مطلع العام الجاري؛ عندما قال إن احتواء الشباب وتوفير الحياة الكريمة لهم على رأس أولوياته.
ولقي العفو السلطاني تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث اعتبره نشطاء صورة من صور التسامح الفعلي وليس “الشكلي”، وقارنوا بين ما فعله السلطان مع معارضيه وما يقوم به حكام دول أخرى من قتل وسجن وتعذيب وتنكيل بهم أو بذويهم.
ضربة موجعة للخصوم
وقال المحلل السياسي العماني مصطفى الشاعر، في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، إن العفو السلطاني الأخير يأتي رغبة من السلطان في إبعاد أي منغصات خارجية قد تضر بالبلاد، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد، كما أنها إشارة إلى أنه يبدأ حكمه بذات الطريقة التي انتهجها السلطان الراحل قابوس بن سعيد.
ويرى الشاعر أن العفو الأخير سحب أحد أهم الأدوات الإعلامية من يد خصوم السلطنة، وهو ضربة أولى تشير إلى أن السلطان عازم على إسقاط الأوراق من أيدي الخصوم، مضيفاً: “بعض المعارضين الذين شملهم العفو لا يخفون علاقتهم بدولة الإمارات على سبيل المثال”.
من جهته، يرى المحلل السياسي العماني عوض باقوير أن العفو الأخير يؤكد سير السلطان على نهج “عفا الله عما سلف” الذي أعلنه سلفه الراحل في بداية عهده، مضيفاً أن هذه السياسة قلصت عدد المعارضين العمانيين لكونها تعزز من لم الشمل وتوطد الوحدة الوطنية.
وفي تصريح لـ”الخليج أونلاين”، أكد باقوير أن هذه الخطوة من السلطان هيثم “تبعث برسالة للخارج مفادها أن الحوار والإصلاح لا بد أن يحلا محل الملاحقة والعقاب، فضلاً عن أنها تعكس احترام السلطنة لحرية الرأي التي لا تخالف القانون”.
وقد قطعت هذه الخطوة، كما يقول المحلل العماني، “الطريق على بعض القوى الخارجية التي تريد استغلال بعض المعارضين لخدمة أجنداتهم الخاصة، كما أن الواقعية السياسية تؤكد وعي السلطان بضرورة الواقعية السياسية، وفهمه لحقيقة أن استراتيجيات الدول أكبر من أن توجه لمواجهة أصوات داخلية حتى لو أساءت هذه الأصوات طريقتها في المعارضة”.
واعتبر متابعون للشأن العماني الخطوة ضربة موجعة لأطراف إقليمية، كانت تستثمر في هؤلاء من أجل تحقيق مصالحها، في إشارة إلى دولة الإمارات، التي كانت أطراف محسوبة على ولي عهدها محمد بن زايد، تستثمر في منشورات هؤلاء، حيث دأب عدد من المقربين منه، على غرار حمد المزروعي، على الترويج لأطروحاتهم.
وتشير تقارير إخبارية إلى أن العفو شمل جميع المعارضين بالخارج، إلا أن بعضهم يرفض العودة، ويفضل البقاء في أوروبا. كما أنه لم يتضح بعد الموقف النهائي لجميع المشمولين بالعفو.
وهذا العفو ليس سابقة في تاريخ السلطنة؛ فقد سبق للسلطان الراحل قابوس بن سعيد أن عفا عن عدد من المعارضين اليساريين، كما أنه عفا، فور توليه الحكم عام 1970، عن جميع المتمردين، لإنهاء حرب ظفار، عبر تأكيده مبدأ “عفا الله عمّا سلف”، ووعد كذلك بتحقيق مطالب المتمردين الرئيسية وفق برنامج إصلاحي اجتماعي.
……………………………….
المصادر : وكالة الصحافة اليمنية/ الخليج أون لاين/ وكالات.