المصدر الأول لاخبار اليمن

ستراتفور: مخاطر المواجهة العسكرية بين مصر وتركيا في ليبيا

 وكالة الصحافة اليمنية //

من المرجح أن ترد مصر على تحركات حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا، بشن عملية عسكرية في شرق ليبيا، مستخدمة العلاقات القبلية لكسب الدعم الشعبي.

وبينما ستسعى مصر إلى تجنب الانخراط في قتال مباشر مع القوات التركية المنافسة لها في المنطقة، فإن وجودها على الأرض يهدد بمواجهة أوسع تسحب القاهرة بشكل أعمق في الحرب الأهلية الليبية المستمرة في الاحتدام.

مفاوضات محكومة بالفشل

وتفضل مصر مواصلة دعم المفاوضات الدولية لإنهاء الصراع الليبي، بالرغم أن مطالب “خليفة حفتر” التي تدعمها القاهرة والإمارات، تجعل المفاوضات الناجحة غير مرجحة.

وطالب المسؤولون في شرق ليبيا أن يصبح النظام المالي الليبي وتوزيع عائدات النفط أكثر شفافية، وأن يتم تقاسم العائدات مباشرة مع المناطق الليبية الثلاث (برقة وفزان وطرابلس).

دعمت مصر اقتراحات الإصلاحات النفطية والمالية هذه، لأنها ستخدم غرضين هما: زيادة الشفافية للحد من تمويل الجماعات الإسلامية في غرب ليبيا، وجعل اقتصاد شرق ليبيا أكثر استدامة وسط الصراع المتعثر في البلاد.

لكن حكومة الوفاق الوطني المتمركزة في طرابلس لن تقبل مثل هذا الترتيب، لأنه سيعزز سيطرة شرق ليبيا على عائدات النفط ويسمح لـ”حفتر” بالاستمرار في استخدام سيطرته على صناعة النفط لتحقيق أهداف سياسية. وبالتالي ستظل المفاوضات في حالة جمود.

ومن المرجح أن يدفع فشل المفاوضات حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا لشن هجوم على سرت والجفرة في الأسابيع المقبلة.

ومن شأن السيطرة على هاتين المدينتين أن يمنح حكومة الوفاق نقطة انطلاق للاستيلاء على محطات التصدير الاستراتيجية في هلال المدن الساحلية بين سرت وبنغازي المعروف باسم “الهلال النفطي” للبلاد، بالإضافة إلى حوض النفط الأكثر إنتاجية في ليبيا؛ حوض سرت.

يسيطر “حفتر” حاليًا على جميع البنية التحتية النفطية البرية في البلاد، مما يعزز قوته السياسية ونفوذه الدولي، فضلاً عن نفوذه في مفاوضات السلام.

القلق من الإسلاميين

لا ترغب مصر فقط في ضمان حفاظ “حفتر” وقواته على السيطرة على البنية التحتية الحيوية للنفط (وبالتالي نفوذه السياسي)، إذ أن مصدر القلق الرئيسي لمصر في ليبيا المجاورة لها هو تنامي العنصر الإسلامي في حكومة الوفاق الوطني، وكذلك الروابط التركية لهذه المجموعات والتقدم الأخير لحكومة الوفاق تجاه الشرق، والذي تعتبره مصر تهديدا كبيرا لأمنها القومي.

ولدى حكومتي مصر وتركيا وجهات نظر متعارضة بشدة في ما يتعلق بالإسلام السياسي.

ويعد احتواء انتشار الجماعات الإسلامية السياسية داخل حدود مصر وبالقرب منها، أحد أهداف الأمن القومي الرئيسية في مصر في عهد الرئيس “عبد الفتاح السيسي”.

وتشعر مصر بقلق خاص من تزايد نفوذ “الإخوان المسلمين” وغيرهم من السياسيين الإسلاميين في حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، وإمكانات سيطرتهم على شرق ليبيا واستخدامها كقاعدة للأنشطة الإقليمية القريبة.

ولهذا؛ ستكون مصر على استعداد لنشر قوة عسكرية غير تقليدية لحماية صحرائها الغربية الشاسعة من توغل القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني أو المجموعات المدعومة منها في شرق ليبيا، وذلك في ظل اقتراب عمليات حكومة الوفاق من حدود مصر الغربية أكثر من أي وقت مضى.

وبالرغم أن مصر كانت تنفر تاريخياً من نشر قواتها العسكرية خارج البلاد، إلا أن المناطق غير المستقرة المجاورة مباشرة للأراضي المصرية -مثل ليبيا أو البحر الأحمر أو قطاع غزة- هي استثناء لهذه القاعدة.

ترى القاهرة أن التهديدات في هذه المناطق تستحق اهتمامًا دبلوماسيًا وعسكريًا إضافيًا لمنع نشاط المقاتلين من الانتشار إلى الأراضي المصرية أو تقديم الدعم للجماعات المصرية.

على سبيل المثال، شاركت مصر في حملة جوية ضد التكيلات الإسلامية في شرق ليبيا، خلال مرحلة سابقة من الصراع الأهلي الليبي الحالي في عام 2017.

نوع التدخل المصري

إذا فقد الجيش الوطني الليبي (قوات حفتر) السيطرة على سرت والجفرة، فمن المرجح أن تشن مصر تدخلاً عسكريًا محدودًا يركز على الحفاظ على الاستقرار على طول النصف الشرقي من ليبيا وضمان عدم تمكن حكومة الوفاق من التقدم نحو الشرق.

وسيهدف تدخل مصر إلى تعزيز دفاع الجيش الوطني الليبي عن حقول النفط في وسط ليبيا وزيادة الدفاع عن المدن الرئيسية على طول الطريق الشرقي إلى بنغازي، مثل أجدابيا.

ومن المحتمل أيضًا أن يشمل هذا دعم قدرات الدفاع الجوي لـ”حفتر” في بنغازي والمناطق المحيطة بها، حيث تشمل الوحدات التي يمكن أن تستفيد منها القاهرة؛ قوات العمليات الخاصة والقوات البرية التقليدية، وكذلك بطاريات القوات الجوية والدفاع الجوي.

أعلن “السيسي” في 20 يوليو/ تموز أن عبور حكومة الوفاق إلى سرت والجفرة سيؤدي إلى تدخل مصري، وفي 20 يوليو/ تموز، أعطى البرلمان المصري تفويضا لـ”السيسي” بنشر قوات عسكرية مصرية عبر الحدود في ليبيا. وستستخدم مصر العلاقات القبلية مع شرق ليبيا لتبرير مثل هذا التدخل.

بعض القبائل في الصحراء الغربية بمصر لها علاقات اجتماعية واقتصادية أوثق مع القبائل في شرق ليبيا مما تربطها بالقبائل المصرية الأخرى.

ورغم أن الحكومة المصرية عادة ما تنظر إلى هذه القبائل على أنها مجتمعات هامشية سياسيًا، إلا أن القاهرة ستستغل علاقاتها مع شرق ليبيا لتبرير الحاجة للتدخل في الحرب الأهلية في ليبيا للشعبين المصري والليبي.

في 14 يوليو/ تموز، دعا برلمان شرق ليبيا الجيش المصري للتدخل في الصراع إذا تعرض الأمن الليبي للخطر.

بعد ذلك بوقت قصير في 16 يوليو/ تموز، التقى “السيسي” أيضًا مع زعماء القبائل من مدينتي طبرق وبنغازي، وأعرب بعضهم عن دعمهم للتدخل المصري.

مخاطر التصعيد

ستحد رغبة مصر في تجنب المواجهة المباشرة مع تركيا من نطاق عملياتها العسكرية في ليبيا، ولكن لا يمكن التقليل من خطر حدوث الاشتباكات بين القوات التركية والمصرية.

سيؤدي التدخل المصري المباشر إلى رفع تكلفة استمرار حكومة الوفاق الوطني وتركيا في هجومها تجاه الشرق، حيث إن القتل المباشر للقوات المصرية من المرجح أن يثير رد فعل كبير من القاهرة مقارنة بقتل القوات الليبية أو المرتزقة.

يمكن أن تتصاعد هذه المواجهة أيضًا إلى صراع على نطاق أوسع في شرق البحر الأبيض المتوسط​​، حيث يوجد نزاع كبير بالفعل بين تركيا ومصر حول الحدود البحرية.

أصبح نفوذ تركيا راسخا داخل قوات حكومة الوفاق، بما في ذلك عمليات تشغيل الطائرات المسيرة والرادار وأنظمة الدفاع الجوي التركية. وبالتالي من المحتمل أن تنشر أنقرة تلك الأصول في الجفرة وسرت، إذا سيطرت حكومة الوفاق الوطني على تلك المدن.

نشرت تركيا سفنًا حربية قريبة من الساحل الليبي لدعم العمليات البرية ومن المرجح أن تستمر في ذلك. وفي غضون ذلك، تتجه مصر نحو وضع اللمسات الأخيرة على ترسيم بحري مع اليونان، مما يعني أن هذه السفن التركية ستضطر قريباً أثناء عملياتها الداعمة إلى اجتياز المياه التي تدعي مصر ملكيتها، مما يزيد من خطر المواجهة المباشرة.

يهدد التدخل المصري في نهاية المطاف بتبديد أي أمل على المدى القريب لتسوية سلمية تؤدي إلى ليبيا مركزية قوية.

وقد يؤدي هذا بدوره إلى ترك ليبيا في صراع مجمّد مشابه للصراع في سوريا من خلال إنشاء تقسيم للبلاد بحكم الواقع، في ظل تعمق كل من تركيا ومصر أكثر في دعم الجانبين المتواجهين.

سيزيد مثل هذا الصراع الليبي طويل الأمد من عدم الاستقرار الإقليمي وتدفقات المهاجرين والجهاديين خارج ليبيا، ومن المرجح أن يجبر هذا الاتحاد الأوروبي على اتخاذ نهج تدخلي في نهاية المطاف لإدارة الصراع والتوسط مباشرة بين مصر وتركيا.

قد يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إنشاء المنطقة منزوعة السلاح المقترحة من ألمانيا بين شرق وغرب ليبيا، على الرغم من أن هذا من شأنه أن يقسم البلاد التي مزقتها الحرب إلى مناطق حكم ذاتي بحكم الأمر الواقع.

المصدر | إيميلي هاوثرون/ستراتفور – ترجمة الخليج الجديد

قد يعجبك ايضا