متابعات // وكالة الصحافة اليمنية //
الانفجارات التي هزت بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، وأسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص وجرح عدة آلاف، وتسببت في أضرار مادية جسيمة، أدت إلى تفاقم حالة لبنان المتردية أصلا، والتي من شأنها أن تحوله إلى دولة فاشلة.
عشية الكارثة، وقع لبنان في أزمة ثلاثية الأبعاد: الانهيار الاقتصادي، الذي خلق ظروفا لا تطاق للسكان، وأزمة سياسية في ظل حكومة مشلولة، والأزمة الصحية في مواجهة جائحة “كورونا”، التي ساهمت في انهيار النظام الصحي، والتي لابد أن تكون قد ساءت الآن مع المصابين في انفجار الميناء.
لا تزال تداعيات الانفجار تتكشف وليست واضحة تماما، لكن من المحتمل أن ينخفض التوتر المتصاعد بين “حزب الله” و(إسرائيل)، الذي ساد خلال الأسبوعين الماضيين ليتم تأجيله إلى موعد لاحق، نظرًا لحاجة “حزب الله” للاهتمام بالتطورات الداخلية في لبنان.
بدأت جولة العنف الأخيرة بين (إسرائيل) و”حزب الله” بإعلان الحزب نيته الانتقام لمقتل عضو حزب الله “علي كمال محسن”، الذي قُتل في 20 يوليو/تموز في هجوم نُسب إلى (إسرائيل) بالقرب من مطار دمشق. ودفع هذا الإعلان الجيش الإسرائيلي للتأهب على طول الجبهة الشمالية.
عندما عمل “حزب الله” في 27 يوليو/تموز على تنفيذ تهديده، وأرسل فرقة لعبور الحدود في منطقة شبعا لقتل جنود في موقع للجيش الإسرائيلي، اختار الأخير مواجهة العملية بإطلاق طلقات تحذيرية على الخلية وإجبارها على التراجع إلى لبنان دون قتل العناصر.
في الوقت نفسه، كرر رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” ووزير الدفاع “بيني جانتس” تحذيرهما من أن الرد على محاولة هجوم آخر من قبل “حزب الله” سيكون قاسيا. وانتقد البعض في (إسرائيل) الرد، حتى بعد أن أكد رئيس أركان الجيش “أفيف كوخافي” أن الهدف هو إحباط محاولة الاختراق دون قتل أحد من أجل تفادي تصعيد الصراع.
من جهته، نفى “حزب الله” وقوع الحدث، وهدد المتحدثون باسمه بأن التنظيم ما زال مصمما على الانتقام.
حاولت فرقة من 4 أفراد زرع عبوات ناسفة بمحاذاة السياج الحدودي مع سوريا في مرتفعات الجولان في 3 أغسطس/آب، لكن الجيش الإسرائيلي أحبط هذه الخطوة وقتل عناصر الفريق. تعتقد (إسرائيل) أن إيران وراء الهجوم، وقد ردت بسرعة بمهاجمة أهداف لقوات النظام السوري.
ويسلط هذا الحدث الضوء على التعاون الوثيق بين مجموعات المحور الشيعي في الصراع ضد (إسرائيل)، بينما يوضح في الوقت نفسه الاختلاف في معادلة الردع بين الجبهتين السورية واللبنانية.
يُظهر تسلسل الأحداث على الحدود اللبنانية قبل التفجيرات في مرفأ بيروت الأهمية التي يعلقها “حزب الله” على معادلة الردع القائمة مع (إسرائيل) والتي يسعى الحزب إلى توسيعها. في حين أن هذه المعادلة تضمنت في السابق ردا فقط على العمليات الإسرائيلية في المسرح اللبناني، فقد سعى “حزب الله” خلال العام الماضي إلى منع الهجمات الإسرائيلية المستمرة في سوريا، وخاصة ضد شحنات الأسلحة إلى “حزب الله”، وبالتالي تم إضافة عنصر آخر إلى المعادلة.
وحذر “حزب الله” من أنه سيرد على كل هجوم يستهدف عناصره في سوريا، ومنذ سبتمبر/أيلول 2019 يحاول “نصر الله” فرض هذه المعادلة. في 1 سبتمبر/أيلول 2019، تم إطلاق صاروخ مضاد للدبابات على سيارة للجيش الإسرائيلي في منطقة “أفيفيم” ردا على هجوم بطائرة مسيرة منسوب لـ(إسرائيل) في الضاحية، معقل “حزب الله” في بيروت، وعلى هجوم في سوريا على فرقة شيعية كانت على وشك إطلاق طائرات مسيرة هجومية ضد (إسرائيل). وقتل 2 من أعضاء “حزب الله” في الهجوم الأخير.
يقدم “حزب الله” نفسه على أنه منظمة مقاومة لبنانية تدافع عن سيادة لبنان ضد (إسرائيل)، لكنه أيضًا عنصر أساسي في المحور الشيعي، ويحمي مصالح شركائه في إيران وسوريا. في خطاب ألقاه في 25 مايو/آيار 2020 احتفالاً بالذكرى العشرين لانسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، أشار “نصر الله” مباشرة إلى معادلة الردع في سوريا ولبنان، واعتبر أن العلاقة بين الجبهتين ديناميكية ومتطورة.
وأكد “نصرالله” أن (إسرائيل) في هجماتها ضد سوريا تجنبت مهاجمة “المقاتلين” خوفًا من رد “حزب الله”، وأن تصرفات (إسرائيل) تغيرت بشكل واضح منذ عملية “حزب الله” في 1 سبتمبر/أيلول 2019. كما أشار “نصر الله” إلى الهجوم الإسرائيلي على سيارة للتنظيم على الحدود السورية اللبنانية في 15 أبريل/نيسان 2020، والتي امتنع فيها الجيش الإسرائيلي عن إيذاء ركابها خشية رد “حزب الله“.
في أعقاب الهجوم على السيارة، الذي لم تعلن (إسرائيل) مسؤوليتها عنه، أرسل “حزب الله” رسالة تحذير عبر ثقب في السياج الحدودي بين (إسرائيل) ولبنان في 3 أماكن قريبة من التجمعات الإسرائيلية على الحدود.
وأوضح “نصر الله” أن “حزب الله” وسوريا يتصرفان بـ”صبر استراتيجي” حتى تنتهي الحرب في سوريا. ومع ذلك، يبدو أن الاعتبارات التي تؤثر في قرارات “حزب الله” ضد (إسرائيل) أوسع نطاقا. وهي تشمل ضرورة الحفاظ على مكانة “حزب الله” واستقلاله في لبنان واستمرار حشده العسكري، في ضوء الضغط الداخلي والخارجي الذي يواجهه، إضافة إلى توقعات إيران بأن يأخذ “حزب الله” المصالح والمشاكل الإيرانية في الاعتبار .
هناك عامل مهم أيضا وهو الوضع الداخلي المتدهور في لبنان؛ حيث يشكل التنظيم جزءا مهيمنا من إدارة البلاد، لكن الحكومة التي لعب “حزب الله” دورا فعالا في تشكيلها أصبحت مشلولة ولا تقدم أي استجابة للاحتياجات الملحة للشعب اللبناني مما زاد من وتيرة الانتقادات الداخلية لـ”حزب الله“.
وفي ظل الضغط الذي يُمارس على “حزب الله”، تبرز دعوة البطريرك الماروني “بشارة بطرس الراعي” في منتصف يوليو/تموز لإعلان لبنان دولة محايدة غير متورطة في النزاعات الإقليمية (وهي دعوة ترقى إلى حد انتقاد حزب الله لتورطه في سوريا). لم يستجب “حزب الله” رسميًا لهذه الدعوة، لكنه أطلق تهديدات عبر أنصاره من المساس بوضعه المستقل والتزامه بالمحور الشيعي.
كان من المقرر في 7 أغسطس/آب 2020، أن تصدر المحكمة الخاصة بلبنان حكمها بحق 4 من أعضاء “حزب الله” في قضية قتل رئيس الوزراء اللبناني الراحل “رفيق الحريري”، وهو ما من المرجح أن يزيد من التوتر.
في ظل هذه الظروف، وبالتأكيد بعد كارثة بيروت، يبدو أن “حزب الله” يسعى إلى تجنب التصعيد نحو صراع واسع النطاق مع (إسرائيل)، وبالتالي فإن الحزب يواجه مأزقا وهو كيف يحافظ على معادلة الردع القائمة ومدها إلى المسرح السوري دون أن يؤدي ذلك إلى حرب شاملة لها تداعيات قاسية على لبنان و”حزب الله” والمحور الشيعي.
يعتبر توازن الردع موجودا على الحدود اللبنانية، وقد تجنب الجيش الإسرائيلي القيام بنشاطات واسعة النطاق على الأراضي اللبنانية أو إلحاق الأذى بعناصر “حزب الله” والمدنيين اللبنانيين، لكن هذا التوازن هش وغير كامل. ولعل الدليل على ذلك الهجوم على مشروع للصواريخ في الضاحية، إضافة إلى استمرار النشاط الجوي للجيش الإسرائيلي في لبنان لأغراض استخبارية وعملياتية (بما في ذلك لغرض شن هجمات في سوريا)؛ والحملة المكثفة في سوريا لوقف نقل الأسلحة من إيران إلى “حزب الله“.
حتى الآن، لم يتمكن “حزب الله” من مد معادلة الردع إلى سوريا. وقد أبدت (إسرائيل) عزمها على حرمان “حزب الله” من هذا الإنجاز، كما يتجلى في رد الجيش الإسرائيلي على محاولة فرقة تابعة لـ”حزب الله” زرع متفجرات على الحدود السورية في 3 أغسطس/آب من خلال إطلاق نار مباشر ضد عناصر الحزب والهجوم على أهداف لقوات النظام السوري.
نجحت (إسرائيل) في إحباط جهود “حزب الله” حتى الآن، لكن الكرة الآن في ملعب الحزب الذي يجب أن يقرر ما إذا كان سيتخذ إجراءً إضافيًا ضد (إسرائيل) على الحدود اللبنانية في المستقبل القريب.
أظهر “نصر الله” تصميمه على وضع قواعد اللعبة وفرضها على (إسرائيل)، لكنه يوازن أيضًا خطواته جيدًا ويحافظ على عدم اليقين بشأن ردوده وإجراءاته المستقبلية ربما أيضًا بسبب الإخفاق حتى الآن في تدفيع (إسرائيل) ثمنا دمويا. ومن أجل الحفاظ على ميزان الردع، لا يسأم “حزب الله” من المخاطرة. تم إرسال فرقة إلى شبعا يوم 27 يوليو/تموز لاستهداف جنود إسرائيليين، ولو كان الرد الإسرائيلي واسع النطاق، لكان ذلك قد أدى إلى جولة كبيرة من التصعيد.
في الوقت نفسه، وبالنظر إلى الضائقة الحالية التي يعاني منها “حزب الله”، فقد يسعى الحزب لتحويل الانتباه إلى الاحتكاك العسكري مع (إسرائيل) من أجل تعزيز مكانة الحزب باعتباره “المدافع عن لبنان وزعيم المقاومة” لذلك فقد يكون من مصلحة “حزب الله” إبقاء التوتر على الحدود الإسرائيلية اللبنانية لفترة طويلة.
يوجد لـ(إسرائيل) مصلحة استراتيجية في مواصلة نشاطها على المسرح السوري؛ بهدف تقليص الوجود العسكري لإيران ووكلائها في سوريا، ومنع وصول شحنات الأسلحة إلى “حزب الله” وإفشال مشروع الصواريخ الدقيقة. في المقابل، لا مصلحة لـ(إسرائيل) في إطالة أمد العنف الحالي وإبقاء قواتها على الحدود اللبنانية، خاصة في الوقت الحالي، حيث لا ترغب في صراع واسع النطاق على طول الحدود الشمالية قد يشمل الحرب على الجبهتين السورية واللبنانية بشكل متزامن.
ومع ذلك، يبدو أن الحالة القاتمة لـ”حزب الله” وشركائه الشيعة تغري (إسرائيل) بالاستمرار في الاستراتيجية التي تبنتها والتي تشمل استمرار المعركة بين الجبهات بهدف منع المسرح السوري من أن يصبح جبهة تهديد بنفس حجم لبنان، إلى جانب رد حازم على أي إجراء يتخذه “حزب الله” على طول الحدود.
لذلك يبدو أنه حتى لو بدت الجولة الحالية من العنف قد انتهت، فإن الجهود المستمرة من الجانبين لتشكيل معادلة الردع لم تنته ولن تنتهي في أي وقت قريب؛ حيث أن حزب الله وشركاءه في المحور الشيعي مصممون على الاستمرار في ترسيخ أنفسهم في سوريا وشحن أسلحة دقيقة إلى لبنان، وكذلك فإن (إسرائيل) عازمة أيضًا على منع ذلك.
المصدر | أورنا مزراحي ويورام شفايتسر/ معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد